أسعار الأسماك اليوم الأحد 15 يونيو 2025    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الأحد    وزير الخارجية الإيراني يؤكد امتلاك دليل قاطع على دعم واشنطن للضربات الإسرائيلية    وسام أبو علي: أشعر بالإحباط.. وأهدرنا 4 أهداف في الشوط الأول أمام انتر ميامي    أشرف داري: الحظ لم يحالف الأهلي أمام إنتر ميامي    مصرع قائد دراجة بخارية إثر انقلابها على طريق المنيا الجديدة    صلاة الجنازة على نجل صلاح الشرنوبي بعد صلاة الظهر من عمر مكرم    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    يقترب نحو 51 جنيها.. قفزة كبيرة في سعر الدولار خلال تعاملات اليوم    إجراء انتخابات البورصة يوم الثلاثاء 24 يونيو بمقر شركة مصر لنشر المعلومات    "أزهر الأقصر" يفتح باب التظلمات على نتائج الابتدائية والإعدادية لمدة 15 يوما    2923 طالبا يؤدون امتحانات الثانوية العامة فى 14 لجنة بمطروح.. فيديو    الاستحقاق النيابى بدأ فعليًا القائمةالموحدة مشاورات حزبية مستمرة لخوض السباق الانتخابى    فيلم سيكو سيكو يحقق أكثر من ربع مليون جنيه إيرادات ليلة أمس    «أمي منعتني من الشارع وجابتلي أول جيتار».. هاني عادل يستعيد ذكريات الطفولة    معهد وايزمان جنوب تل أبيب: تضرر عدد من منشآتنا جراء قصف إيرانى ليلة أمس    بعد جهود استمرت 5 سنوات متحف سيد درويش بالإسكندرية ميلاد جديد لفنان الشعب    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    قصر العيني يحقق إنجازا طبيا فى الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 15 يونيو 2025    الجيش الإسرائيلى: اعترضنا 7 مسيرات انقضاضية إيرانية خلال الساعات الأخيرة    ثانوية عامة 2025.. إجراءات أمنية مشددة على أبواب لجان عين شمس    أولياء الأمور ينتظرون طلاب الثانوية العامة أمام لجان الامتحانات فى أسوان    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    طلاب الثانوية العامة 2025 يتوافدون على لجان الامتحانات لإجراء التفتيش الإلكتروني    برواتب تصل ل12 ألف جنيه.. العمل تعلن وظائف جديدة بشركة أدوية بالإسماعيلية    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 15 يونيو    دعاء امتحانات الثانوية العامة.. أشهر الأدعية المستحبة للطلاب قبل دخول اللجان    اليوم.. مجلس النواب يناقش مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد    "زيزو الأعلى".. تعرف على تقييمات لاعبي الأهلي خلال الشوط الأول أمام إنتر ميامي    عودة القطاع الخاص تفتح خزائن الائتمان وتقود نمو محافظ الإقراض    جيش الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مقر منظمة أبحاث دفاعية إيرانية    حارس إنتر ميامي الأفضل في افتتاح مونديال الأندية أمام الأهلي    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    مقتل ثلاثة على الأقل في هجمات إيرانية على إسرائيل    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    بداية العام الهجري الجديد.. تعرف على موعد إجازة رأس السنة الهجرية 1447    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    إعلام إسرائيلي: مصرع 5 وأكثر من 100 مصاب جراء القصف الإيراني على تل أبيب    تجاوز 63%.. مؤشر تشغيل القروض للودائع يواصل التحليق لمستويات غير مسبوقة    سبب دمارًا كبيرًا.. شاهد لحظة سقوط صاروخ إيراني في تل أبيب (فيديو)    الموعد المتوقع لإعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025؟.. رابط الاستعلام برقم الجلوس    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    "رفقة سواريز".. أول ظهور لميسي قبل مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    "العسل المصري".. يارا السكري تبهر متابعيها في أحدث ظهور    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    السفارة الأمريكية في البحرين تدعو موظفيها إلى توخي الحذر عقب الهجوم على إيران    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    شهادة أم وضابطين وتقارير طبية.. قائمة أدلة تُدين المتهم في واقعة مدرسة الوراق (خاص)    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    ضمن مبادرة "100 مليون صحة".. صحة الفيوم تقدم خدمات المبادرات الرئاسية لأكثر من 18 ألف مواطن خلال عيد الأضحى    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    تشكيل الأهلي أمام إنتر ميامي.. مفاجأة متوقعة من ريبيرو    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في زمن الفتنة‏..‏
أبوهريرة لاجئا
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 10 - 2012

قالها وكأنه يقرأ الغيب‏,‏ ويطل علي مرآة المستقبل‏:‏ أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان ودعا ألا يمد الله في عمره ليدركهما‏,‏ ومات أبوهريرة في الثامنة والسبعين. أي قبل وقوعهما بسنة واحدة في عام تسعة وخمسين في آخر إمارة معاوية, وكان في قوله يشير إلي خلافة الصبي يزيد بن معاوية التي جاءت في عام60 ه, وكان قد تمني الموت قائلا: وكيف لا أتمناه وأنا أخاف أن يدركني زحف التهاون بالذنب, وإمرة السفهاء, وبيع الحكم, وتقاطع الأرحام, وكثرة الشطط, وقوم يتخذون القرآن مزامير..
القادم من البرية مهاجرا ليغدو المتحدث باسم رسول الله صلي الله عليه وسلم يعرف نفسه: نشأت يتيما, وهاجرت مسكينا, وكنت أجيرا لدي بسرة بنت غزوان, وأجري عندها طعام بطني, فكنت أخدم قومها إذا نزلوا, وأحدو لقافلتها إذا ركبوا, وكنيت بأبي هريرة لأني كنت أرعي غنما لأهلي فوجدت أولاد هرة وحشية تركتهم في الخلاء, فحملتهم في كمي, فلما رجعت سمع القوم أصواتهم فقالوا: أنت أبوهريرة فلزمتني بعدها.. وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يدعوني أبا هر ولأن تكنوني بالذكر لأحب عندي من أن تكنوني بالأنثي.. وعبد شمس كان اسم أبي هريرة في الجاهلية فأسماه الرسول عبدالرحمن إلا أنه اشتهر بكنيته فكان ينسي اسمه, وكان الاستشهاد بالكني والألقاب أمرا شائعا في عصره, حتي أنه قد يختلف الناس في الشخص ولا يختلفون في كنيته, فاشتهر أول الخلفاء الراشدين بكنيته أبي بكر ومثله أبي عبيدة وأبي دجانه وأبي الدرداء وأبي طالب وأبي ذر.. الخ.. وقد جمع البخاري في صحيحه998 رجلا وامرأة اشتهروا بكنيتهم وليس بأسمائهم الحقيقية, وفي تعريف أبي هريرة كما جاء في سير النبلاء لشمس الدين الذهبي أنه: الحافظ الفقيه اليماني الدوسي بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث بن سبأ بن يعرب بن قحطان الأزدي وأمه أميمة بنت صفيح بن الحارث من دوس..
وبأن تكون في دائرة السراج ساعات وأياما وشهورا وسنين, تتلقي كنوز القول من منبع النور.. أن تكون المنصت للصوت المقدس, المنعم بشهد القطوف, الملامس للنجوم, الحافظ لسلاسل الذهب, المتلقي للحكمة والموعظة الحسنة, المنزه في الحضرة الشريفة, المقيم في قطعة من الجنة ما بين بيته ومنبره, اللصيق بالنبي, الراصد للكوكب الدري, الناظر لمن في عيون الإله, المصطفي لحديث المصطفي.. أن تكون أكثر أصحاب النبي حديثا عنه منه.. أن تلازمه كظله. أن تنام علي عتبته.. أن تدور معه في بيوت نسائه.. أن تخدمه, وتغزومعه, وتحج معه, وتأكل من يده.. أن تكون أعلم الناس بحديثه.. أن تقيم معه حتي يأتيه ملاك الموت.. أن يعرف قومه وصحبه قدر لزومك معه فيسألونك عن حديثه ومنهم عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير.. أن تروي عن الصادق الأمين من الأحاديث ما يزيد علي خمسة آلاف حديث حدثوا عنك في قولها800 من أهل العلم والصحابة والتابعين.. أن يشهد لك الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله بالحفظ والإتقان قائلا: والله ما يشك في أن أبي هريرة سمع من رسول الله ما لم نسمع, وعلم ما لم نعلم, إنا كنا قوما أغنياء, لنا بيوت وأهل, فكنا نأتي نبي الله صلي الله عليه وسلم طرفي النهار ثم نرجع, وكان أبوهريرة مسكينا لا مال له, ولا أهل, ولا ولد, إنما كانت يده مع يد النبي, وكان يدور معه حيثما دار, ولم يتهمه أحد منا أنه تقول علي رسول الله ما لم يقل.. لقد سمعنا كما سمع, ولكنه حفظ ونسينا... أن تذهب لخاتم الأنبياء لتنقل أمامه مخاوفك بشجاعة قائلا: يا رسول الله إني أسمع منك حديثا كثيرا فأنساه فقال لك: ابسط رداءك فبسطت فغرف بيده فيه ثم قال ضمه فضممته فما نسيت حديثا بعدها ببركة دعائه لك بالحفظ, وثقته في حرصك علي جمع أحاديثه بدافع الحب واندفاعك وراءه في سبيل كلمة يعلمك إياها, أو حكمة تنتفع بها, وما كنت لتكتفي بما تسمع منه في نهاره وليله, بل مراجعتك لحديثه أمامه عليه الصلاة والسلام.. الحديث الذي تكرره في المسجد, وفي الطريق, وفي بيتك ليلا ونهارا كنوع من العبادة: جزأت الليل ثلاثا, ثلثا أصلي, وثلثا أنام, وثلثا أذكر فيه حديث رسول الله.. وتسبح بالنوي أو بخيط لك فيه ألفا عقدة فلا تنام حتي تكملها.. أن تسأله يوما: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فيجيبك نبي الله: لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أولي منك, لما رأيت من حرصك علي الحديث, وإن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه... أن تكون كل هذا وأكثر منه فوالله لأنت الجدير بقول الإمام الشافعي: أبوهريرة أحفظ من روي الحديث في دهره.. أنت.. أبوهريرة الدوسي اليماني سيد الحفاظ, وواحد ممن يبلغون رسالة الإسلام إلي الكون كله, الذين اختارهم الله لصحبة نبيه, وإقامة دينه, وخصهم بحفظ فرائضه وحدوده, وأمره ونهيه, وسنن رسوله وآثاره, الذين جاء فيهم قوله تعالي والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم..
أنت أبا هريرة الذي تدعو الله وتسأله علما لا ينسي فيعقب رسول الله صلي الله عليه وسلم آمين.. أنت أبا هريرة الذي يدعو لك نبيه الكريم بقوله: اللهم حبب عبيدك أبا هريرة وأمه إلي عبادك المؤمنين, وحبب إليهم المؤمنين فلا يسمع بك مؤمن ولا يراك إلا وأحبك.. وكانت أمك أميمة تأبي الإسلام في قولك كنت أدعوها إلي الإسلام وهي مشركة فتسمعني في رسول الله ما أكره, فأتيت النبي باكيا أشكو: ادع الله أن يهدي أم أبي هريرة, فقال رسول الله: اللهم اهد أم أبي هريرة فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله, فلما صرت عند بابها فإذا هو مغلق فسمعت أمي صوت قدمي فقالت: مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء.. لقد اغتسلت أمي ولبست درعها وساوت خمارها وفتحت لي الباب قائلة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.. ولقد مكثت أقول لها: رحمك الله كما ربيتني صغيرا, فتجاوبني: ورحمك الله كما بررتني كبيرة.... جزاك الله خيرا يا أبا هريرة فقد أقمت لدي أمك الطاعنة في السن بارا بها قائما علي خدمتها لم تحج حجة التطوع حتي ماتت, وكنت قد حججت مع النبي, ومع أبي بكر سنة9 ه, ويستشعر الرسول مدي برك بأمك عندما ذهبت إليه مع جمع من أهل الصفة تشكون جوعا, فدعا الرسول بطبق فيه تمر فأعطي كل رجل تمرتين فأكلت تمرة واحتجزت الأخري, فسألك عنها فقلت إنها لأمك فقال كلها فإنا سنعطيك لها تمرتين... وفي إجلال الوالدين تبصر رجلين فتسأل أحدهما عن الآخر فيقول لك: إنه أبوه, فقلت: لا تسمه باسمه, ولا تمشي أمامه, ولا تجلس من قبله..
وإذا ما كان أبو هريرة يلصق كبده بالأرض ويشد الحجر علي بطنه من الجوع, ويغشي عليه فيما بين منبر الرسول إلي حجرة عائشة فيظنونه مصروعا أو به جنون وما بي إلا الجوع, ويمرضه الجوع, ويتعاظم الوهن إلي حمي يقول عنها ما وجع أحب إلي من الحمي لأنها تعطي كل مفصل قسطه من الوجع, وإن الله يعطي كل مفصل قسطه من الأجر. ويمشي مع عمر يحادثه حتي يبلغا بابه فيسند عمر ظهره إليه ليستقبله بوجهه, وكلما فرغ من حديث فتح أبوهريرة حديثا آخر حتي إذا لم ير منه شيئا انطلق, فلما كان بعدها لقيه عمر قائلا: أبا هريرة لو أن في البيت شيئا وقتها لأطمعناك.. ويقعد في طريق أبي بكر ليسأله عن آية في كتاب الله ما أسأله إلا ليستتبعني لكنه مر ولم يفعل, وينصرف وراء علي بعد المغرب فيقول له ادخل يا أبا هريرة, وينادي علي زوجه فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم قائلا: اطوي بطنك الليلة لله, فإن عندنا ضيفا.. وجاء له بقطعتين من الخبز وقام إلي المصباح كأنه يصلحه فأطفأه ليحركا أفواههما وليس يأكلان شيئا حتي لا يشعراه بالحرج.. ويمر به النبي صلي الله عليه وسلم فيعرف ما في وجهه وما في نفسه فيناديه ليتبعه حتي بيته حيث يجد لبنا في قدح فيسأل من أين؟ قالوا أهداه لك فلان أو فلانة, قال: أباهر قال: لبيك, قال الرسول: إلحق إلي أهل الصفة فادعوهم لي وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلي أهل ولا علي أحد, وكان الرسول إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا, وإذا أتته هدية أشركهم فيها, ولما دعاهم أبوهريرة أخذوا مجالسهم فقال الرسول: يا أبا هريرة خذ فاعطهم.. فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتي يروي, ثم يرد علي القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتي يروي, حتي انتهيت إلي النبي وقد روي القوم كلهم, فأخذ القدح وتبسم إلي قائلا: بقيت أنا وأنت, قلت: صدقت يا رسول الله, قال: اقعد فاشرب, فقعدت فشربت, قال: اشرب فشربت, فمازال يقول: اشرب حتي قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا فقال: أرنيه, فأعطيته القدح فحمد الله وسمي وشرب الفضلة.... ولا عجب هنا من تكريم الله لنبيه بأن بارك في هذا اللبن, فقد أكرم الله الأنبياء بالمعجزات, وقد جري من الرسول مواقف كثيرة, بلغت حد التواتر, منها تكثير الطعام القليل, كما قص القرآن عن موسي أنه ضرب عصاه في الصخرة فانفجرت منها اثنتا عشرة عينا,... وكم من أولياء مشوا فوق الماء!
سمعت حبي أبا القاسم يقول.. هكذا كان أبو هريرة يفتتح حديث رسول الله, ومن أدبه عند ذكره أنه كان إذا خطب علي المنبر لا يرتقي مكانه بل يقف أدني من مقامه بعتبة ليبدأ بقوله: الحمد لله الذي هدي أبا هريرة للإسلام.. الحمد لله الذي علم أبا هريرة القرآن.. الحمد لله الذي من علي أبي هريرة بمحمد صلوات الله عليه.. و..يدخل نبي الله المسجد فيسأل عن أبي هريرة بقوله: من رأي منكم الفتي الدوسي؟ فيشيرون له: هو ذاك يوعك إلي جانب المسجد حيث تري يا رسول الله.. فيتجه الرسول ليضع يده عليه ويقول له معروفا فيهب أبو هريرة صحيحا معافي.. و..يمسك أبو هريرة بزمام ناقة الرسول حتي يستوي فوقها فيقول له النبي: اللهم أنت الصاحب في السفر.. و..يصلي أبو هريرة صلاة العشاء فيقرأ إذا السماء انشقت فيسجد فيها فيسألونه عن ذلك فيجيب: سجدت فيها خلف أبي القاسم فلا أزال أسجدها حتي ألقاه.. و..عن أبي هريرة قوله لولا آية في سورة البقرة ما حدثتكم بحديث أبدا إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون, ولقد حفظت من رسول الله صلي الله عليه وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته للناس وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم, ولو أنبأتكم بكل ما أعلم لرماني الناس بالخبال وقالوا أبوهريرة مجنون, وقد صدق الحسن علي قوله هذا بعبارته صدق أبو هريرة ووالله لو أخبرنا بأن بيت الله يهدم أو يحرق ما صدقه الناس.
و..يسأله رسول الله: ألا تسألني من هذه الغنائم التي سألني أصحابك؟ فقال أبو هريرة: أسألك أن تعلمني مما علمك الله.. ويسأل أبو هريرة النبي: يا رسول الله إني رجل شاب وأخاف علي نفسي العنت, ولا أجد ما أتزوج به النساء فسكت عني, ثم قلت مثل ذلك فسكت عني, ثم قلت مثل ذلك فعلمت بأن كل شيء بقضاء.. ويقضي الله أن يتزوج أبو هريرة من بسرة بنت غزوان أخت الأمير عتبة بن غزوان الصحابي من كان قد خدم قومها يوما بأجر طعامه, فتكون نعم الزوجة الصالحة التي يرزق منها أربعة: المحرر, وعبدالرحمن, وبلال, وابنة واحدة دخل عليه معاوية بن عبدالله بن بدر فوجده يؤرجحها فوق ظهره قائلا: يا بنية لا أحليك الذهب.. إني أخشي عليك حر اللهب.. ويروي عثمان النهدي الذي نزل ضيفا لمدة سبعة أيام علي أبي هريرة: كان هو وامرأته وخادمه يتعاقبون الليل ثلاثا: يصلي هذا ثم يوقظ هذا, ويصلي هذا ثم يوقظ هذا...., وفي وصف أبي هريرة قال محمد بن سيرين إنه لم يكن مخشوشنا بل لينا, وكان براق الثنايا ولونه أبيض بعيد ما بين المنكبين يفرق شعره ذا الضفيرتين, وتأتي الريح بريح المسك من لحيته التي يخضبها بالحناء..
هذا ولم يكتب من الصحابة ولم يعرف القراءة إلا قلة قليلة كعبد الله بن عمرو, وعلي بن أبي طالب, وهما لم يكتبا كل ما سمعا, وكانت أمة الإسلام وقتها أمة الرواية أي رواية الحديث حفظا لا كتابة, مما دعا بن عمر للقول: أبوهريرة خير مني, وأعلم بما يحدث, وكان أبو هريرة حين يعقد حلقات الحديث يسمح لبعض طلابه بالكتابة, وقد ثبت أنه أملي علي بشير السدوسي البصري بعضا من الأحاديث فأعادها أمامه فأجازها, ولأنه كان من أعلم الصحابة بسنة رسول الله فقد أفتي الناس أكثر من عشرين عاما, ومن أمثلة اتخاذه مرجعا عندما اعترضت الرياح القوم بطريق مكة وعمر بن الخطاب حاج فقال لمن حوله: من يحدثنا عن الريح, فلم يجد عند كل من حوله شيئا, ويعلم أبو هريرة بالأمر... استحثثت راحلتي حتي أدركت عمر بن الخطاب فقلت له: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب, فإذا رأيتموها فلا تسبوها واستعيذوا من شرها... وكان أبو هريرة ناقلا للحديث القدسي الذي يقول فيه النبي عن ربه: قال الله عز وجل, يؤذيني ابن آدم: يسب الدهر, وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار, وقوله في حديثه القدسي: إن الرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصلته, ومن قطعها قطعته.. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: يتنزل ربنا تبارك وتعالي كل ليلة إلي السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الأخير يقول: من يدعوني فاستجيب له, من يسألني فأعطيه, من يستغفرني فأغفر له..
هذا ولو كانت أحاديث سيد البشر كالقرآن لا يقوم الدين إلا عليها ولا يؤخذ إلا منها لكان أكثر الصحابة حفظا ورواية لها, والذين حفظوا القرآن كله في عهد نزول الوحي ليسوا من أكابر الصحابة, وقد مات أبوبكر وعمر قبل أن يستوفي كل منهما القرآن حفظا, وكان هناك أمران, الأول التلقي من النبي, والثاني الأداء, فأما التلقي فلم يكن في وسع الصحابة أن يلازموا النبي ملازمة مستمرة, وإذ ما كان أنس بن مالك وأبوهريرة ملازمين للنبي تلك الملازمة المستمرة فلابد وأن يتلقيا من الأحاديث أكثر مما تلقاه المشتغلون بالتجارة والزراعة, ولم يثبت علي أحد من الصحابة أنه اعترض علي شيء من حديث أبو هريرة إلا عائشة رضي الله عنها وابن عمر.. وجاء اعتراض عائشة في قولها إنك لتحدث حديثا ما سمعته, فأجابها أبو هريرة: ما كانت تشغلني عن النبي صلي الله عليه وسلم المرآة والخضاب والمكحلة فقالت لعله, وفي لعل تلك دلالة واضحة علي أن عائشة لم تكن ملازمة للرسول صلي الله عليه وسلم في الخارج, بل انفردت عن الرجال بصحبته في الخلوة, ومن هنا انفردت بأحاديث لم يستطع أن ينكرها عليها أحد, وأما ابن عمر فإنما استغرب حديثا واحدا فاستشهد أبوهريرة بعائشة فشهدت له فعاد بن عمر يغمر أبا هر بالثناء قائلا: يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله وأعلمنا بحديثه وعندما يتكلم أبو هريرة يقول ابن عمر: إنا نعرف ما يقول لكنا نجبن ويجترئ هو, ويأتي قول أبي هر: وما ذنبي إن كنت حفظت أنا ونسوا هم..
ويبطل أبو هريرة مزاعم خصومه من أنه كان يوالي بني أمية علي أهل البيت, فلا يترك حديثا في مناقبهم إلا ويرويه, فهو لم يتحزب لأحد, ولا يمالئ أحدا, إنما هو ذلك الصحابي الجليل في استقامته وأمانته وتجرده, وعنه أنه قال: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال: تقولون اللهم صل علي محمد وآل محمد, كما صليت علي آل إبراهيم, وبارك علي محمد وآل محمد, كما باركت علي إبراهيم ثم تسلمون علي.. وعنه أيضا قوله: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول في الحسن والحسين من أحبني فليحب هذين, وأبو هريرة راو لحديث الرواية في حق سيدنا علي رضي الله عنه في أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله علي يديه, يحب الله ورسوله, ويحبه الله ورسوله فبات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها, فلما أصبحوا غدوا علي النبي صلي الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها, فقال عليه الصلاة والسلام: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: يا رسول الله يشتكي عينيه, فأرسل إليه ليمسح علي عينيه, ودعا له فبرأ حتي كأن لم يكن به وجع, فأعطاه الراية.. ويثور أبي هريرة عند وفاة الحسن بن علي الذي كان قد استأذن عائشة في أن يدفن مع جده النبي فأذنت, فلما مات قام مروان ومن معه من بني أمية في منع ذلك.. فيصرخ فيهم أبو هريرة: أتنكرون علي ابن نبيكم بتربة تدفنونه فيها وقد سمعت رسول الله يقول من أحبهما فقد أحبني, ومن أبغضهما فقد أبغضني..
وبعدما نال أبو هريرة ثقة الرسول وأصبح مؤهلا للتبليغ عن دعوته بعثه مع العلاء بن الحضرمي إلي البحرين ليسأله العلاء: إن رسول الله قد أوصاني بك خيرا فانظر ماذا تحب؟ فأجاب أبو هريرة: أن أؤذن لك المؤذن خير منصب ديني في عهد الرسول لا يعين فيه إلا الموثوق في صدقه ودينه ويمضي أبوهريرة عاما في البحرين ليرجع إلي النبي وحديثه, لينال الشرف مرة أخري في خلافة أبي بكر الصديق فيخرج مع العلاء الذي يموت في الطريق, وينال الشرف للمرة الثالثة عندما يبعثه عمر بن الخطاب علي أمر القضاء والصلاة في البحرين, وبعد تلك البعثات المتكررة يوليه ابن الخطاب الولاية فيعود منها بعشرة آلاف, فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله؟ فقال أبوهريرة: إنها من خيل نتجت, وغلة رقيق لي, وأعطية تتابعت, فنظروا فوجدوها كما قال.. فعاد عمر ليوليه مرة أخري فأبي, فغضب منه قائلا له: تكره العمل وقد طلب العمل من كان خيرا منك.. يوسف عليه السلام!! فأجاب أبو هر: يوسف نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبوهريرة ابن أميمة وأخشي ثلاثا, فعاد عمر يطلب: هلا قلت خمسا؟! قال هريرة: أخشي أن أقول بغير علم, وأقضي بغير حلم, وأن يضرب ظهري, وينتزع مالي, ويشتم عرضي....
.. ويظل مبدأ أبي هريرة ملاذا وملجأ ورأيا معلنا وموقفا محترما له وزنه, وهو الاعتزال في زمن الفتنة التي نعيش الآن في مركزها ندور في أوارها ونكتوي بنارها ونصطلي بصلفها ونندد بحمقها وندعو لوأدها وفرز دعاتها وشل غلاتها لقد اعتزل أبو هريرة رضي الله عنه الفتنة التي وقعت بين الفريقين.. جيش علي وأتباع معاوية.. وذلك لسماعه حديثا عن الرسول جاء فيه: ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم, والقائم خير من الماشي, والماشي فيها خير من الساعي, فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به... وإذا ما كان في الاعتزال منجاة فهناك طوق آخر للنجاة جاء في قول النبي الكريم كما ذكر مبلغ سنة الحبيب: افشوا السلام..
[email protected]
المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.