ان يعطى الزعيم وقته و جهده بالكامل لقضايا وطنه فهذا امر عادى و بديهى , اما ان يعطى زعيما مثل جمال عبدالناصر مهموما بقضايا وطنه وامته العربية , وقارته الافريقية اربع ساعات من وقته يوميا لمشاهدة فيلمين فى نهاية يومه فهذا شرف و تقدير للفن السابع و لكل الفنون جمعاء . كان جمال عبدالناصر بالفعل راعيا للفن منذ ان تولى قيادة مجلس قيادة الثورة , فقد حدث انه تم اصدار قرار بعد ثورة يوليو 1952 بمنع ام كلثوم من الغناء و حينما علم عبدالناصر بهذا الامر ذهب على الفور و بصحبته عبدالحكيم عامر فى زيارة رسمية لام كلثوم للاعتذار و دعوتها لمواصلة رسالتها الفنية المقدسة حيث قال لها عبدالناصر مقولته المشهورة بعد هزيمة يونيو 1967 : *انت باغانيكى يا ثومة بتعملى اللى بنفشل فيه كسياسيين . و لايخفى على احد ان عبدالناصر كان وراء ظهور رائعة ( انت عمرى ) حيث الح و بشدة على كل من ام كلثوم و عبدالوهاب لكى يشتركا معا فى عمل فنى يجمعهما و حتى لا يستشعرا منه الحرج و كانه امر رئاسى تم تكليف السيد سامى شرف مدير مكتب عبدالناصر بالمفاوضات بين القطبين الفنيين حتى خرجت الاغنية الى النور فى عام 1964 و من الطريف انه ظهرت نكتة عن هذا الموضوع مفادها انه حينما سال عبدالناصر احد مسؤلى الاذاعة عن اسم الاغنية اجابه: * اغنية ( سيادتك عمرى ) يا فاندم و الى جانب الغناء كانت السينما تحتل مساحة كبيرة من وقت جمال عبدالناصر حيث كان لا يمكن ان ينهى يومه دون ان يشاهد فيلمين عربى و اجنبى و كان نجمه المفضل( جيمس ستيوارت ) حيث كانت ادواره دائما تمثل الرومانسية و البطولة كما كان يحب معظم الفنانين المصريين و كان حريصا على حضور معظ م العروض الخاصة التى كان يدعوه اليها معظم الفنانين ، و للحق فقد ظهرت افلاما كثيرة هاجمت الثورة بل هاجمت نظام عبدالناصر نفسه دون ان تمتد اليها يد الرقيب سواء بالحذف او المنع . ففى عام 1969 ظهر فيلمان من اكثر الافلام المصرية الناقدة لنظام عبدالناصر و ثورته هما ( شىء من الخوف ) للكاتب الكبير ثروت اباظة و ( ميرامار ) للكاتب العالمى نجيب محفوظ و وصلت التقارير لعبدالناصر فامر بعمل عرضا خاصا لفيلم ( شىء من الخوف ) حيث كان يرمز لعبدالناصر بشخصية عتريس زعيم العصابة , و ظل طوال الفيلم صامتا و بعد ان ظهرت كلمة النهاية على الشاشة التفت لمن كانوا خلفه و سالهم : *هو احنا عصابة يا جماعة ؟ فكانت الاجابة بالنفى فامر بعرض الفيلم دون حذف ، اما فيلم ميرامار فقد اوفد عبدالناصر رئيس مجلس الشعب و قتها محمد انور السادات ليكون رايا عن الفيلم و الذى كان هو الاخر مغرما بالسينما و ابلغه بان الفيلم ليس فيه ما يشين النظام و تم عرض الفيلم كاملا رغم ما كان يحمله من نقد لاذع للاتحاد الاشتراكى قبلة نظام عبدالناصر وقتها . و لا يخفى على احد ايضا ان عبدالناصر قدم دعما لوجيستيا كبيرا لانتاج فيلم ( الناصر صلاح الدين ) من خلال القوات المسلحة ادراكا منه لاهمية الفيلم فى خدمة القضية الفلسطينية و قد تم ذلك بعد ان افلست منتجة الفيلم مارى كوين و لعل هذه المساندة هى التى غيرت اسم الفيلم من ( صلاح الدين الايوبى ) الى ( الناصر صلاح الدين ) . استطاع جمال عبدالناصر ان يستثمر تاثير نجوم السينما لدعم و مساندة الثورة فنجده يلبى دعوة اسماعيل ياسين لحضور افتتاح فيلمه ( اسماعيل ياسين فى الجيش ) ورافقه أعضاء مجلس قيادة الثورة و ضحك ناصر كما لم يضحك سابقاً، وأستشعر رسالة الفيلم والأهداف التي يرمي إليها اسماعيل ياسين و امتزجت السياسة بالفن فقد كان الجيش الذى قام بثورة يوليو المجيدة فى حاجة الى جسر تواصل بينه و بين الشعب الذى بارك الثورة و شعر انه و لاول مرة يد واحدة مع الجيش المصرى . لقد استطاع جمال عبدالناصر ان يدرك قوة مصر الناعمة ادراكا عمليا و ذكيا , فلا احد ينكر ان وحى الابداع كان فى قمة نشاطه و تالقه طوال فترة حكم عبدالناصر فظهر مطربون و كتاب و ممثلون و اعلاميون اثروا الحياة الفنية و الاعلامية و ساهموا فى جعل مصر قبلة الفنانين و الاعلاميين العرب المزيد من مقالات وسام أبوالعطا