عقد في القاهرة منذ أيام المؤتمر الأول للجمعية المصرية للتمويل الإسلامي تحت رعاية السيد وزير التخطيط والتعاون الدولي, وبعنوان التمويل الاسلامي وآفاق التنمية في مصر, يعتبر انعقاد هذا المؤتمر بداية جديدة للتمويل الاسلامي في مصر بعد سنوات طويلة من العمل في الظل بعيدا عن الاضواء. ودعنا نقول بكل صراحة إن التمويل الإسلامي كان يعامل معاملة ابن الزوجة وليس الابن الأصيل في الاقتصاد المصري, وأحيطت عملياته بالكثير من الاستهجان أحيانا, والتربص في أحيان أخري, وبالترحيب بواسطة الجهات المسئولة في أقل الحالات. ولعل أحد أسباب هذه المعاملة هو حداثة هذا النوع من التمويل, وما أعتقده البعض من تهديده للبنوك التقليدية, إلي جانب الغموض الذي أحاط بهذا النوع من التمويل, واختلاط فكرة الصيرفة الإسلامية, في أذهان البعض, بالأجندة السياسية للتيار الإسلامي. وشهدت الصيرفة الإسلامية نهضة كبيرة في الأعوام العشرين الماضية. وقدر منظمو المؤتمر إنها تنمو بمعدل سريع وصل الي51% سنويا حتي بلغ حجم العمليات المصرفية الإسلامية في العالم000.21 مليار دولار, ويعكس هذا النمو السريع إقبال المتعاملين علي هذا النوع من المعاملات, وزيادة الثقة في البنوك الإسلامية التي صمدت في وجه الأزمة المالية العالمية(7002 8002) وذلك لعدم تعاملها في المشتقات المالية التي يعتبرها الفقهاء نوعا من الغرر( الغش) لكونها أصولا غير حقيقية. وتتركز البنوك الإسلامية في عدد من المراكز الدولية ومنها البحرين, والسعودية, وماليزيا. ولقد غيرت هذه الدول من قوانين البنك المركزي والرقابة علي البنوك مما يسمح بعمل هذه البنوك وتنظيم أعمالها. ولعل حالة ماليزيا تعطي بعض الدروس, حيث تعاملت السلطات النقدية مع البنوك الإسلامية بارتياح وسمحت منذ التسعينيات بإقامتها كنظام بديل ومكمل للبنوك التقليدية. وأثبت هذا البديل نجاحه بين العملاء المسلمين وغير المسلمين( حيث يسيطر ذوو الأصول الصينية علي أزيد من نصف ودائع البنوك الماليزية) ليس فقط لتوازن العلاقة التعاقدية بين البنك والعميل, ولكن ايضا لشفافية العقود والمشاركة في المخاطر. وقام البنك المركزي الماليزي بوضع تفسير حديث للمعاملات الشرعية, وأقام معهدا عالميا للتمويل الإسلامي يطور من صوره وأدواته وينشر المعرفة به, وأخيرا استضافت ماليزيا هيئة عالمية للرقابة علي البنوك الإسلامية. واليوم, وصلت ودائع البنوك الإسلامية والفروع الإسلامية للبنوك التقليدية في مصر الي58 مليار جنيه تمثل5.8% من ودائع البنوك المصرية. وفي الوقت الذي تنمو فيه المعاملات الإسلامية في العالم, بل وتحول النظام المصرفي اليه بالكامل في باكستان والسودان وايران, مازال هناك الكثير من الخلط وعدم الوضوح وأحيانا الأوهام التي تحيط بعمليات البنوك الاسلامية وتقف أمام اتساع أعمالها في بعض الدول. الأول يتعلق باعتقاد البعض أن التمويل الإسلامي هو تمويل غير حقيقي حيث إن البنوك اسلامية تسعي الي الربح, وتتصارع علي العميل الناجح مثل غيرها من البنوك, وتقدم تمويلا تجاريا وبتكلفة( فيما عدا حالات القرض الحسن, وهي محدودة). الثانية, تتعلق بعدم وجود قيمة لعنصر الوقت في المعاملات الإسلامية, وهذا ايضا غير صحيح, فعمليات البيع بالتقسيط والمرابحة تتضمن شروطا واضحة تجعل الثمن الأجل أعلي من الثمن العاجل. والثالثة, أن الصيرفة الإسلامية خاصة فقط بالمسلمين, بينما نجد أن الكثيرين من عملاء هذه البنوك, بل ومن القائمين عليها, بالذات في دول الخليج, هم من غير المسلمين, ولقد قامت ألمانيا ودول غربية أخري بإصدار صكوك اسلامية بدلا من السندات الدولية العادية. وهكذا نري عودة مصر الي حلبة التمويل الإسلامي في عصر جديد. ونتمني أن تشهد المرحلة المقبلة تنقية المعاملات الاسلامية من الكثير من الظنون التي أحاطت بها, وتعديل الهيكل القانوني والرقابي الذي ينظم أعمالها. أستاذ الاقتصاد في الجامعة البريطانية في مصر المزيد من مقالات د. علي عبد العزيز سليمان