ربما احسن المفكر والاكاديمي البارز طارق رمضان صنعا عندما تفادي استخدام تعبير الربيع العربي في تقديم رؤيته للأحداث التي عصفت بالعالم العربي منذ هبت عليه رياح التغيير في نهاية عام2010 كما يقول حفيد حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين المصري الأصل والمقيم في الغرب في عنوان احدث كتبه الذي صدر بالفرنسية في نوفمبر2011وترجم الي الانجليزية مؤخرا.. فرغم انه كتبه قبل ان تتطور احداث مصر وتونس وليبيا وسوريا لتأخذ منحنيات غير متوقعة ربما نجده يتأمل كثيرا ويتاني قبل اطلاق التسمية التي يراها مناسبة علي احداث العالم العربي التي اصطلح الغرب بالأساس علي اطلاق اسم الربيع عليها ربما لانه لا ينسي اصوله العربية المصرية تحديدا وربيع مصر كما يعلم خماسيني الأجواء غير مستقر الأحوال وكذا حال كثير من شقيقاتها العربية لا ينساق المفكر الاسلامي المزروع في قلب الغرب وراء التقييم الغربي الاستشراقي للأحداث ومن هنا لا يرفض فقط اسم الربيع العربي بل ويتحفظ علي مصطلح الثورات العربية فيما قد يبدو نظرة تشاؤمية الي المشهد وهو ما يعرضه في الفصل الاول من كتابه فهو يري ليبيا وقد بدات في التمزق قبليا وعشائريا بعد انهيار نظام القذافي باغتياله. وقد تم قمع حركات التظاهر وئيدة الخطي في الجزائر والبحرين والسعودية, واليمن وسوريا تبدوان في طريق حرب أهلية بشكل او بآخر, اما مصر فقد كان جنرالات المجلس العسكري- وقت تأليف الكتاب وصدوره- يسيطرون علي مقاليد الامور اكثر مما كانوا اثناء وجود نظام مبارك.. من هنا اصدر طارق رمضان حكمه في ذلك الكتاب ان تونس فقط هي التي شهدت تطورا إيجابيا للانتفاضة وربما تحولت الي ما يجوز ان يطلق عليه ثورة بوصول حزب النهضة الاسلامي المعتدل الي الحكم بانتخابات حرة وقد حاول المحاضر في الدراسات الاسلامية المعاصرة بجامعة اكسفورد ان يتجنب التنبؤ بسير الانتفاضات رغم تشاؤمه تجاه غالبيتها وفضل ان يترك الامر كرواية ذات نهاية مفتوحة تقبل الاحتمالات كلها فهي من وجهة نظرة باختصار انتفاضات قد تنجح فتتحول الي ثورات- كما حدث في تونس وربما كان ليضم اليها مصر لو انتهي من كتابه بعد انتخاب اول رئيس مدني لها- او تتحول الي هبات تمرد ان فشلت في خلع النظام القديم وإرساء نظام جديد علي أسس سليمة. وهو يعترف بتفاديه التنبؤ علي أرضية الخبرة الفكرية السياسية, فقد فشل كل الخبراء والمفكرين الاستراتيجيين في التنبؤ بالصحوة العربية التي سارعوا الي وصفها بالربيع في خطا اخر من جانبهم يقول رمضان: انتفاضات مصنوعة ؟ لم يتوقعها أحد, وحار الكثيرون في وصفها. عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية في مدينة سيدي بوزيد في17ديسمبر2010 انطلقت التفسيرات لما حدث صودرت أشياء بائع متجول بسيط فأشعل النيران في نفسه احتجاجا. عناصر متنوعة كالفقر والمعاناة الاقتصادية والبطالة والقمع الشرطي والحكم السلطوي تم تقديمها لتفسير وفاته. الأسابيع التي تلت جاءت بالتغيير للشرق الاوسط وشمال افريقيا والعالم. في14 يناير2011 فر الديكتاتور التونسي زين العابدين بن علي الي السعودية. وفي72 فبراير بعد شهر من الاضطراب تولت حكومة جديدة. وخلال شهرين كان وجه تونس قد تغير... وفي هذه الاثناء كان العالم ينظر مشدوها, بينما الاحداث تتوالي وتتصاعد. وتبع المصريون مسار التونسيين, بدءا من25يناير2011 بحشود كبيرة في ميدان التحرير ليسقطوا الرئيس مبارك في11 فبراير. وبدأت الأمور تتحرك بسرعة كبيرة. في الجزائر محاولات الحشد أحبطت, بينما شهدت المغرب سلسة من الاحتجاجات في20فبراير2011. كان الإصلاح قد فرض نفسه بقوة علي الأجندة السياسية. واكتسبت حركة الدومينو سرعة متزايدة عبر الشرق الاوسط. لاحتواء الاحتجاجات قام ملك الأردن بإقالة رئيس الوزراء(1 فبراير) مع وعود بالإصلاح الاجتماعي. ونزل الليبيون الي الشوارع, رغم القمع الشرس. وانطلقت مظاهرات حاشدة في البحرين في14فبراير, بل وفي السعودية في مارس ووجهت بقمع عنيف. وعمت المظاهرات اليمن بدءا من27 يناير. واشتعلت في سوريا في51 مارس.. التفاؤل الحذر كان موقف رمضان تجاه الربيع العربي كما يشير عنوان الفصل الثاني من كتابه الذي يحاول فيه فهم أبعاد الانتفاضات و الموقف الغربي المزدوج تجاهها طبقا لمصالحه الجيو ستراتيجية يختار طارق رمضان ان يطلق اسم الانتفاضة علي احداث الربيع العربي مقابل وصفها بثورات غير مكتملة او وفقا لنظريات المؤامرة. فالانتفاضة, وفقا لتصنيفات جان بول سارتر والتي مازالت صالحة لليوم, هي في منتصف الطريق بين الثورة والتمرد. فعندما تكمل الطريق لغايته بالاطاحة بالنظام القائم( الحكم السياسي والبناء الاقتصادي) تصبح ثورة. أما إذا لم تكتمل, وتم استغلالها, او فشلت, فانها تكون قد عبرت عن تطلعات لكنها لم تحقق الامال. والحديث عن الانتفاضات يعكس تفاؤلا حذرا, ويؤكد ان الهبات التي شهدناها حقائق ثابتة, بينما فكرة الثورة ما تزال مجرد أمل في كل الدول العربية دون استثناء. يتأمل رمضان في حوالي نصف صفحات الكتاب ما اذا كانت تلك الانتفاضات المسماة بالربيع العربي مصنوعة ومخطط لها خارجيا ام نبعت داخليا وتلقائيا من مجتمعاتها فهو لا يقبل سواء بالراي الساذج الذي يقول ان القوي الخارجية كانت مجرد متفرج سلبي علي الاحداث ولا بالراي المقابل الذي يعتقد ان الانتفاضات العربية كانت لعبة في ايدي اللاعبين الخارجيين الماكرين فالولايات المتحدة وحلفائها قطعا ساعدوا في توجيه الاحداث بالتعاون مع العسكريين الذين ازاحوا الرؤساء في تونس ومصر وبالتدخل الشامل في ليبيا لعدة اسباب واضحة. لاتفاقية ابرمت مع المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا في العام الماضي مثلا يضمن لفرنسا3 بالمائة من صادرات ليبيا في المستقبل وقد كان هناك نوع من النفاق الخليجي والغربي فيما يتعلق بالبحرين مقر سباق الفورميولا والأسطول الخامس الامريكي وتغطية قناة الجزيرة كانت مصممة بحيث تعكس مواقف واهتمامات قطر التي تنطلق منها ثم وبمنطق اقل اقناعا هناك مؤامرة الاعلام الاجتماعي لاو شبكات التواصل الاجتماعي: والحديث عن متدربين من37دولة تعلموا النشاط التقني السلمي في صربيا اما شركة جوجل فقد منحت النشطاء المصريين شفرة خاصة للدخول علي الانترنت عن طريق القمر الصناعي لكنها لم تفعل ذلك مع النشطاء السوريين يهتم طارق رمضان كثيرا لما يقال عن المؤامرة الخارجية لاانه كما يقول في الكتاب ان البارانويا التآمرية لهؤلاء الذين فقدوا إيمانهم في قدرة البشر علي صنع تاريخهم بانفسهم, وكذلك لانه مثله مثل وسائل الاعلام التي ينتقدها يركز كثيرا علي نشطاء الفضاء الاليكتروني وليس علي العمل المنظم الدؤوب. لحركات الإضراب في تونس ومصر اصبحت أخيرا اكثر اهمية وتأثيرا.