اذا كان الانسان حرا في اتخاذ مايراه من آراء فيما حوله, فإن حريته فيالتعبير عن هذه الآراء لابد وأن تكون مقيدة بما يحقق حماية القيم الدينية والنظام العام واحترام حقوق وسمعة غيره من الناس. وسوف نتناول موقف المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان من مفهوم هذا الحق ونطاقه من خلال ما انتهي اليه القضاء النمساوي في قضية من أهم القضايا التي تحدد الخط الفاصل بين حرية التعبير عن الرأي وبين عدم المساس بحقوق الآخرين. وتخلص واقعة هذه القضية في أن احدي الجمعيات الثقافية في مدينة إنسبروك بالنمسا أعلنت عن ستة عروض متاحة للجمهور لفيلم بعنوان مجلس أساقفة الحب تدور فكرته حول أن مرض الزهري هو جزاء من الله تعالي لمن يمارسون الزنا, وقد صور المخرج القساوسة والسيدة مريم بصورة غير لائقة, كما تضمن الفيلم أقوالا تمس عقيدة التثليث عند النصاري وهو ما يشكل ويؤكد وصف جريمة ازدراء الأصول الدينية في معني المادة 188 من القانون الجنائي النمساوي. وقبل التاريخ المحدد للفيلم بثلاثة أيام وبناء علي طلب ممثل الكنيسة الكاثوليكية بدأ المحامي العام المختص تحقيقا ضد المسئول عن الجمعية ملاحقا اياه بجريمة خرق حرمة الثوابت أو الأصول الدينية وبعد أن تم عرض الفيلم في جلسة مغلقة بحضور القاضي المختصقاضي التحفظ والمحامي العام طلب الأخير التحفظ علي الفيلم طبقا للمادة 36 من القانون الخاص بوسائل الاعلام. وحكمت المحكمة المحلية أول درجة في اليوم نفسه بالتحفظ علي الفيلم وإلغاء العروض المخصصة للجمهور ومصادرة الفيلم. وأيدت هذا الأمر محكمة الاستئناف وقالت: إن الحفاظ علي عدم المساس الجسيم بالشعور الديني يعلو علي أي من مصلحة العارضين للفيلم وتغطية نفقاته وعرضه. وعندما قررت المحكمة مصادرة الفيلم قدرت أن جسامة الاعتداء علي المشاعر الدينية التي يسببها الموقف الذي يحرص عليه الفيلم تعلو علي الحق في التعبير الفني الذي يضمنه ويحميه الدستور النمساوي خاصة أن العقيدة الكاثوليكية هي عقيدة الأغلبية. ورغم كل ذلك أرسل الوزير الاتحادي للتعليم والفنون والرياضة طلبا للنائب العام دعاه فيه الي تقديم طعن لدي المحكمة العليا لمصلحة القانون وحفاظا علي حرية الرأي والتعبير من وجهة نظره, فإن النائب العام رفض ذلك. فتقدمت الجمعية بطلب الي المجلس الأوروبي مدعية مخالفة قرار التحفظ والمصادرة للفيلم للمادة العاشرة من المعاهدة الأوروبية لحقوق الانسان والخاصة بحماية حرية الرأي والتعبير, وأحالت القضية الي المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان التي أيدت موقف القضاء النمساوي في التحفظ علي الفيلم ومصادرته لعدم مخالفته للحق المحمي بموجب المادة العاشرة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان وذلك بأغلبية ستة أصوات ضد ثلاثة. ويتضح مما سبق مدي حرص السلطة القضائية علي تحقيق التوازن بين اطلاق الحق في حرية الرأي والتعبير وبين عدم المساس بالمشاعر الدينية التي يعتنقها أغلبية الشعب واحترام حقوق الآخرين وحرياتهم وصون أمن الوطن ونظامه العام وسلامته من ناحية ثانية. وختاما: بمناسبة عرض البعض من متطرفي أقباط المهجر للفيلم المسيء للنبي صلي الله عليه وسلم يري البعض أن حقوق الانسان لدي الغرب ماهي إلا حقوق المواطن الغربي, وأنها ما إن تعبر مياه البحر المتوسط أو المحيط الأطلسي حتي تكون قد فقدت عموميتها وإنسانيتها!!