الخروج إلى المدن الساحلية، مما اعتاده بعض الناس فى فصل الصيف، حيث الإجازة الصيفية للمدارس والهروب من حرارة الجو وكسر الرتابة التى تملأ حياتنا طوال العام.. وكثيرا ما تدور الأسئلة فى أذهان بعض الناس: هل هناك ضرورة للمتنزهات والمصايف؟ وهل المصيف حلال أم حرام؟ وهل يمكن الاحتراز عن المحرمات فيه؟ وما الضوابط الأخلاقية والشرعية التى يجب أن يلتزم بها المصطافون؟. علماء الدين أكدوا أن الإسلام لا يمنع الترويح عن النفس والاستمتاع بالطبيعة، لكن بمراعاة الضوابط اللازمة وتجنب المحاذير المنهى عنها فى هذا الشأن.. وحذر العلماء من الشقاق والخلافات الزوجية وإرهاق رب الأسرة بسبب ما تقتضيه المصايف من أعباء مالية، موضحين أن المصيف يعد من الكماليات وليس من الضروريات. يقول الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن الترويح عن النفس فى أصله جائز شرعا لقول النبى صلى الله علية وسلم لحنظلة (يا حنظلة ساعة وساعة)، ولقول الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه (إن القلوب إذا كلت عميت فروحوا عن القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان). ضوابط وشروط لكن الترويح عن النفس له ضوابط فى التشريع الإسلامى ومنها: ألا يؤدى إلى محظور شرعا، أى لا يؤدى إلى محرم أو مكروه، فمثلا إذا أدى ذلك إلى كشف ما أمر الله بستره من الرجال والنساء أو أدى إلى اختلاط بين الرجال والنساء أو أدى إلى ما يسبب فعل الفواحش والعلاقات المحرمة بين الرجل والمرأة، أو تناول المسكرات أو تضييع الفرائض الشرعية والعبادات مثل أداء الصلوات أو الصيام أو الاستهانة بها، ففى هذه الأحوال وما يماثلها يكون الترويح عن النفس حراما، لأن القاعدة الفقهية تقول (ما أدى إلى الحرام فهو حرام)..أما إذا تم ذلك وفق الآداب الإسلامية كأن تكون هناك شواطئ للرجال وأخرى للنساء وألا تكشف المسلمة أى شيء من جسدها عدا ما أباحه الشرع (الوجه والكفين) وأن تأمن التصوير فلا بأس. ومن الضوابط أيضا ألا يتسبب المصيف فى الاستدانة وما فى حكمها أو تضييع مصلحة أهم، لأن (الاصطياف) ليس من الضروريات، بل هو من الكماليات، لذا فلا يجوز للمسلم أن يستدين أو أن يرهن أو يبيع شيئا من أجل المصيف. وحذر من تقليد الغير أو اتباع عرف يصادم نصا من نصوص الشريعة، مشيرا إلى أن المصيف يختلف من شخص إلى آخر ومن أسرة إلى أخري، والأولويات تختلف أيضا من أسرة إلى أخري، ومن ثم فلا ينبغى أن تنشب خلافات بين الأسر والأزواج بسبب أن فلانا ذهب للمصيف ولماذا لا نذهب نحن، وهكذا. وأضاف: يجب على المصطافين خاصة الشباب الالتزام بإرشادات وتعليمات مسئولى جهة المصيف كعدم الغوص فى مسافة معينة أو أماكن معينة أو توقيت معين، مراعاة للسلامة، وتجنبا للضرر والهلاك، امتثالا لقوله تعالى «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»، ومن يتجاوز تلك التعليمات يكون آثما شرعا، لأنه يعرض نفسه للخطر والهلاك، ومعلوم أن الحفاظ على النفس من الكليات الخمس. فقه الاصطياف ونصح د. كريمة بإعداد كتيب بعنوان (فقه الاصطياف) يضم كل ما يتعلق بالمصيف من مسائل شرعية، ليتعرف عليها المسلم انطلاقا من قول النبى صلى الله عليه وسلم (الحلال بيّن والحرام بيّن). ولفت إلى أن المصايف تأخذ أحكاما خمسة فى التشريع الإسلامى، هى: قد تكون واجبة للمرضى ومن فى حكمهم، وقد تكون مندوبة لمتعبى الذهن ومن يمارسون الأعمال الشاقة ومن فى حكمهم، وقد يكون الاصطياف مكروها إذا كان فيه تبذير أو إسراف، وقد يكون حراما إذا أدى لفعل حرام، وما عدا الأحوال الأربعة يكون جائزا، وهذا هو حكمه الأصلي. . وفى سياق متصل يرى الدكتور نبيل السمالوطى أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر أن الإنسان يميل بطبعة إلى الترفيه والنفس تحتاج إلى كسر الرتابة، ومن أشكال الترفيه فى الصيف الذهاب إلى المصايف. وقال إن هناك مجموعة من الضوابط التى يجب أن تضبط السلوك والفعل الاجتماعى والعلاقات الاجتماعية فنحن فى مصر شعب متدين، سواء مسلمين أو مسيحيين، وعندما نذهب إلى المصايف أو إلى غيرها من وسائل الترفيه الاجتماعى كالنوادى والشواطئ يجب أن نلتزم بمنظومة القيم الاجتماعية والدينية التى نتمسك بها فى العمل وفى المنزل وفى الشارع فى كل مكان.. أما أن نلتزم هذه القيم فى مساكننا الأصلية ومحال إقامتنا، ثم نتخلى عن ذلك عندما نذهب للمصيف مثلا، فهذا أمر غير طبيعى يستوجب الدراسة، كأن نجد رجلا يصلى ويصوم ويزكى ويفعل الصالحات فى حياته العادية إذا ما ذهب إلى المصيف تخلى عن كل ذلك وتجرد من حيائه، فهذا سلوك غير عادي، وكذا بالنسبة للنساء مع أن المشكلة أشد، حينما تهجر المحجبة حجابها والملتزمة التزامها فى المصيف، فهذا أمر عجيب ويدل على جهل بالدين وأزمة فى التدين، فالدين كل لا يتجزأ والالتزام كذلك فى كل مكان، وليس فى مكان دون آخر لأن المسلم الحقيقى يراقب الله فى سلوكه وعبادته ولا يراقب الناس، لذا فينبغى أن نلتزم المشروع لنا ونتجنب المحظور فى كل شئوننا، وما المانع أن نسأل فقيها فيما أشكل علينا، كيلا نقع فى محظور.وحتى يمكن للجميع أن يستمتع ويرفه عن نفسه دون أن يتخلوا عن قيمهم الأخلاقية والثقافية. ويوضح الدكتور أحمد على سليمان عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: أن الحياة لا تسير أبدًا على وتيرة واحدة؛ ولا يمكن للإنسان أن يعمل باستمرار وأن يكد ويشقى على طول الخط من دون راحة؛ ومن ثم فيجوز الذهاب للمصيف من أجل الاستجمام، والراحة، وتجديد الحياة، والاستمتاع بالوقت وبما أحل الله، ومشاهدة الطبيعة الخلابة وجمال البحر، وتسبيح العيون وتأملها فى عجيب صنع الله، والبعد عن الضغوط، وتجمع الأسرة، وتأمل القلب والعقل فى كتاب الله المنظور، والتنزه فى الحدائق وبين الزُّهور، لتحقيق راحة النفس وهدوء الأعصاب... وغيرها مما لا يغضب الله. قال تعالي: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (الأعراف: 32). وقال تعالي: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» (القصص: 77). وخلال فترة المصيف يجب الالتزام بما أمر الله من إقامة الصلاة وغيرها من العبادات، والانتهاء عمّا نهى عنه من غض البصر ونحوه، والابتعاد عن مواطن الريبة وأماكن المنكر والفاحشة-والالتزام بارتداء الملابس الشرعية التى تستر العورات، (فعورة الرجل: ما بين السُّرَّة إلى الركبة)، و(عورة المرأة: جميع جسدها ما عدا وجهها وكفيها)، وعدم التبرج أو التعري، والبعد عن ارتداء الملابس الضيقة والشفافة للنساء، قال تعالي: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الأحزاب:59). ويشترط فى «المايوه» الشرعى الخاص بالنساء أن يكون ساترًا كل جسم المرأة ما عدا وجهها وكفيها، بحيث لا يشف، ولا يكشف، ولا يصف-والبعد عن الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء، وعن تتبع عورات الناس وعدم الخوض فى الباطل وفضول الكلام. الإكثار من الصدقة وطالب الدكتور محمد وهدان الاستاذ بجامعة الأزهر تزامنا مع الإنفاق على الترفيه والترويح عن النفس بأن نكثر من الصدقات فى سبيل الله، لاسيما أن المصيف اليوم يحتاج ميزانية كبيرة عن ذى قبل، فما أجمل أن نخصص جزءا ولو يسيرا من هذه الميزانية لهؤلاء المحتاجين، فكم محروما ومريضا ومحتاجا ومعسرا بأمس الحاجة إلى أقل القليل مما ينفقه البعض على وسائل الترفيه، وليكن هذا الإنفاق من باب شكر النعمة لله عز وجل أن عافانا مما ابتلى به غيرنا، والدعاء بدوام الرزق والخير والمعافاة، ودرءا للعين والحسد.