المفروض أن تكون ترجمة هذا الكتاب بعنوان الطريق إلي التحرير, ولكن مترجمته الدكتورة فاطمة نصر اختارت له عنوانا آخر رأت انه الأقرب إلي مضمون الكتاب وهو مصر كما تريدها أمريكا: من صعود ناصر إلي سقوط مبارك. والكتاب الذي صدر ضمن إصدارات سطور الجديدة من تأليف لويد سي جاردنر أستاذ التاريخ بجامعة روتجرز وهو يتتبع العلاقات المصرية الأمريكية منذ أن استضاف الرئيس الامريكي روزفلت الملك فاروق علي متن البارجة يو أس أس كوينسي في13 فبراير1945, وحتي ما بعد أحداث ثورة25 يناير. فحسب قول مؤلف الكتاب فان التردد الذي أظهرته إدارة أوباما لدي بدء الاحتجاجات في25 يناير2011 عكس شعورها بعدم اليقين والخوف من المستقبل كانت الوزيرة كلينتون قد صرحت في اليوم الأول للثورة تقديرنا هو ان الحكومة المصرية مستقرة وإنها تسعي إلي سبل تستجيب بها لاحتياجات الشعب المصري ومطالبه المشروعة والمسكوت عنه في هذا التصريح هو أن الولاياتالمتحدة شعرت وأنها يمكنها أن تقرر ما هو المشروع وما هو غير المشروع. وتلي ذلك, وعلي مدي أسابيع محادثات هاتفية بين المسئولين العسكريين الأمريكيين ونظرائهم بالقاهرة, في محاولة لمعرفة رأي القوات المسلحة المصرية في المحتجين. ثم عندما أصبح من الواضح رفض مبارك التخلي عن منصبه, حاولت الولاياتالمتحدة منع الجيش المصري من الانضمام إلي اي من الجانبين والالتزام بموقف حيادي. وهنا يدخل المؤلف إلي الهدف من إعداده للكتاب وهو فتح الباب علي الماضي في محاولة لفهم كيف أسهمت السياسات التي حاولت من خلالها واشنطن جعل مصر مجرد دولة وظيفية تابعة في اندلاع ثورة25 يناير, ذلك أن الأمريكيين لم يهتموا كثيرا بالتدقيق في السياسات التي اتبعها بلدهم في أثناء عصر مبارك, ناهيك عن الخلفية التي طورت بها واشنطن مثل تلك العلاقات الوثيقة معه بعد سلسلة من الخطوات الخاطئة التي اتخذتها منذ ثورة1952. والكتاب مكون من تمهيد وستة فصول, الأول بعنوان البحث عن سياسة وفيه يتناول جذور العلاقات المصرية الأمريكية, والثاني بعنوان فشل الرهان علي ناصر, والثالث من مبدأ أيزنهاور إلي حرب الأيام الستة, ثم الرابع الحياة مع أنور السادات, وكلها تمثل مقدمات تمهيدية لموضوع الكتاب وهو علاقات أمريكا مع مبارك, التي يتناولها بدءا من الفصل الخامس وعنوانه مقامرة بخمسين مليار دولار وفيه يسرد تفاصيل علاقات الولاياتالمتحدة مع ربطها بالتطورات الأخري المؤثرة فيها مثل الخطر الايراني علي منطقة الخليج, وحرب الخليج الأولي والثانية, وصعود التطرف الاسلامي في مصر والمنطقة العربية, وصعود حماس في غزة وأحداث11 سبتمبر2001 في الولاياتالمتحدة, لينتقل إلي أحداث الثورة المصرية. ويقول الكاتب أن علاقات الولاياتالمتحدة مع مصر في ظل حسني مبارك بدت أكثر سهولة بكثير عنها في عهد أنور السادات, ففي مقابل المعونات العسكرية التي بلغت قيمتها5,1 مليار دولار سنويا واستمرت علي مدي العقود الثلاثة التالية, كان علي مبارك الحفاظ علي معاهدة السلام التي كان السادات وقعها عام1979, وان يوفر للولايات المتحدة بعض الميزات الأخري القيمة مثل الإبقاء علي صلاته بياسر عرفات وتقديم خدمات خاصة في الحرب علي الإرهاب, الأمر الذي مكن جورج دبليو بوش من تحاشي المساءلة حول استخدام التعذيب للحصول علي اعترافات من المحتجزين علي ذمة أحداث11 سبتمبر, وعن زعم انه مؤامرات تحاك ضد المواطنين الأمريكيين وممتلكاتهم حيث كان المشتبه فيهم يرسلون الي مصر ويخضعون للتعذيب لانتزاع الاعترافات منهم. وطول حكم مبارك كان الجيشان المصري والامريكي يقومان بمناورات تدريبية مشتركة تسمي النجم الساطع التي كانت تبلغ ذروتها حينما يقوم المارينز الأمريكيون بمناورة للهجوم علي الشاطئ والإنزال بالقرب من الإسكندرية, علاوة علي ذلك وفر التصنيع المشترك الامريكي المصري لدبابات أبرامز الأمريكية وغيرها من العتاد الحربي مزايا للصناعات المصرية المحلية المفضلة لدي مبارك. حدث ذلك في مناسبات عديدة, وخاصة تلك التي كان الأمريكيون يخاطبونه بشأن قمع الحريات السياسية والمدنية وقت أن كان مبارك أو مساعدوه يعمدون إلي تذكير سفراء الولاياتالمتحدة بالقاهرة بالخدمات التي تؤديها مصر والتي كان يسميها التعويضات التي لا يمكن المساس بها التي تدين بها الولاياتالمتحدة له, اي الطائرات المقاتلة وغيرها من العتاد التي كانت تضمن له سلامة جيشه وولاءه له. والفصل الأخير من الكتاب خصصه المؤلف للحديث عن الربيع العربي الذي يقول فيه انه حينما تولي المجلس العسكري السلطة انعقدت آمال الجميع في واشنطن علي أن تستمر الأوضاع بين الولاياتالمتحدة ومصر كما هي. وعد المجلس في بيانه الأول بإلغاء العمل بقانون الطوارئ بمجرد أن تسنح الظروف وتعهد بإصدار تعديل دستوري وانتخابات رئاسية حرة ونزيهة ووضع جدول زمني محدد لكل هذا. ولكن المشير طنطاوي رئيس المجلس صمم علي عدم التنازل عن اي مزايا اقتصادية او مالية للجيش واقتصرت التطهيرات التي قام بها علي مجموعة من الذين نهبوا البلد واستولوا علي ثرواته من أمثال جمال مبارك ودائرة أصدقائه ومعارفه من كبار رجال المال والأعمال. أما تعاملات الجيش وأنشطته الاقتصادية فهي شان آخر. وادي سقوط الرئيس مبارك أدي ان الوضع الجديد الذي تواجهه الولاياتالمتحدة اي تحدي الشرق الأوسط حسب وصف جون كيري أصبح واضحا في مختلف الميادين الرئيسية في العالم العربي حيث اندلعت التظاهرات والاحتجاجات وانتشرت من بلد إلي آخر من خلال شبكات التواصل الاجتماعي الأمر الذي اضطر البيت الأبيض الي أن قاميه في اليوم الذي سقط فيه مبارك بالاتصال هاتفيا بمختلف الدول العربية لطمأنه حلفائه علي أن الولاياتالمتحدة عازمة علي الوفاء بالتزاماتها اي حماية هؤلاء الحلفاء. ومثل كل التظاهرات والاحتجاجات فقد تنوعت الالتزامات الأمريكية بتنوع البلدان. وتساءل المؤلف كيف يمكن لأمريكا تجسير تلك التناقضات في سياستها والتي فضحتها بقوة هذة الاحتجاجات. ويجيب: أحيانا كانت الإدارة تبدو معقودة اللسان في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها ركائز نفوذها في أنحاء المنطقة, الآمر الذي جعل ستيف كلمونز مدير الأبحاث في نيو امريكان فونديشن الي القول أن هالة وضع أمريكا كقوة عظمي قد تهاوت