اعتادت جماعة الإخوان اللجوء لسلاح الدين عبر تحريف المفاهيم وإطلاق دعايات تكفيرية معلبة، عندما تفلس فى السياسة وتجد نفسها مكشوفة فى ساحة المواجهة العسكرية. مرادها الترويج لنفسها لدى قطاع لا يعى حقائق الأمور كطرف إسلامى فى مواجهة خصوم للإسلام وشريعته، على الرغم من أنه إذا تم تفكيك المصطلحات وكشف حقيقة المفاهيم يثبت العكس تماما، ويستحق مصطلح الجاهلية الذى يتكرر كثيرا فى بيانات الإخوان وخطابات قادتها أن توصف به الجماعة وحلفاؤها الجهاديون، لا أن يطلقوه على دولنا ومجتمعاتنا ونظم حكمنا على طريقة منظريهم القدامى كسيد قطب وشقيقه وغيرهما. إن تأملنا نجد أن القرآن الكريم فى المواضع الأربعة التى ورد فيها ذكر هذا المصطلح إنما يصف حال جاهلية تلك الجماعات التى تنحاز إلى واقع اللادولة، وترفض الاحتكام لمؤسسات القضاء والقانون وتحرص على القتال الدائم خارج نفوذ الدولة الوطنية وخارج سياق الحضارة العصرية والمدنية الحديثة، عكس قادة الإخوان والجماعات التكفيرية الذين زعموا تحريفا لنصوص القرآن أن ما نحياه من عمران حضارى هو الجاهلية وأن ما يدعون إليه هو الإسلام. يحرف منظرو الإخوان مفهوم الجاهلية على عكس مراد القرآن والسنة، بجعله مناهضا عقائديا للإسلام وبوضع المجتمع الجاهلى مقابل المجتمع المسلم، أما الرؤية الإسلامية الصحيحة فهى التعامل مع الجاهلية كحالة دالة على ممارسات البدائية والفوضى واللادولة ورفض دولة القانون والمؤسسات. الجاهلية ليست المرحلة السابقة للإسلام، إنما استخدمها القرآن لمدح الحياة الحضارية وروح التمدن والعمران التى تناقضها، فلم يكن الواقع قبل الإسلام يسير وفق مسار واحد ولا يمكن وصفه بصفة ثابتة، إنما كان واقعا متنوعا شهد التوحيد كما شهد الشرك وشهد الأخلاق والقيم النبيلة كما انحطت أخلاق البعض وتميزت تعاملاتهم بالدناءة والوضاعة، وفى مقابل الصراعات المسلحة كانت هناك مظاهر التكافل والتعاون على نصرة المظلومين، ولذلك فالمصطلح وفق ما جاء بالقرآن يحمل أبعادا أخرى. لم يحمد يوسف عليه السلام ربه فقط على خروجه من السجن، إنما أيضا على خروج أهله من البداوة إلى الحضارة ومن الفراغ الصحراوى إلى العمران والمدنية، كما فى قوله تعالي: «وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو». وهذا ليس مقتصرا على زمن يوسف، فالجاهلية التى هى نقيض العمران والتمدن تتكرر فى كل زمان بمظاهرها وممارساتها، ولذلك قال عثمان لأبى ذر لما عزم على العيش فى صحراء الربذة: تعهد المدينة كيلا ترتد أعرابيا، وهو ما نجده فى ردود المغيرة بن زرارة فى حواره مع يزدجرد ملك الفرس عندما قال بما كان أسوأ حالا منا وجوعنا لم يكن يشبه الجوع، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات فنرى ذلك طعامنا، وأما المنازل فإنما هى ظهر الأرض ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم، ديننا أن يقتل بعضنا بعضا ويغير بعضنا على بعض وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهى حية كراهية أن تأكل من طعامنا، وصولا لتجسيد جماعات التطرف لها اليوم فى العراقوسوريا واليمن ونيجيريا وليبيا..إلخ من استخدام السلاح لحسم النزاعات ورفض المدنية وسلطة الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية وحب الغلبة والتنافس من أجل الغنائم والجوارى. لذلك فالجاهلية التى ذمها الإسلام وناقضها هى جاهلية جماعات الإرهاب اليوم، كونها جاهلية ترفض دولة المؤسسات والقانون وترفض التطور الدستورى واستكمال مسار بناء الدولة الحديثة، ولنتأمل هنا تلك الجملة الموحية التى نطق بها الصحابى جعفر بن أبى طالب فى حضرة النجاشى عندما وصف له حالهم قبل الإسلام: كنا قوما لا نحل شيئا ولا نحرمه، وهو التوصيف الذى ألحقه العديد من علماء الاجتماع بمجتمعات اللادولة واللاقانون التى تعيش بلا سلطة ولا تحترم القوانين. جماعة الإخوان كانت فى طرف أنفاق الهدم والتفجير والتهريب والسلاح وتوريد التكفيريين وفى جانب استهداف مرافق الدولة العامة وتخريب مظاهر عمرانها وفى جانب التمرد على سيادة الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية، وتتحالف مع كل القوى الخارجية التى تنشر الدمار فى ربوع العالم العربى من سوريا إلى ليبيا، ورغم ذلك يزعم قادتها أنهم ينصرون الإسلام ضد جاهليتنا نحن، ويخيل هذا الزعم الزائف على البعض لأنهم لا يعون كنه الجاهلية ولا يفهمون طبيعة الإسلام الذى يناقضها. فى مصر دولة تبنى أنفاقا للتنمية والتعمير وتفتح آفاقا لهجرة الناس لسيناء ليعمروا ويبنوا لا ليفجروا ويهدموا، ويوما وراء يوم يطغى العمران وتزحف روح وجسد المدنية الحديثة على مساحات واسعة من الأرض الفراغ البور، وتبسط مؤسسات القضاء والقانون سلطتها لتنتصر الحضارة والتمدين على منطق اللادولة وعلى متزعمى التمرد ومن يسعون لتطبيق قوانينهم الخاصة بهم بقوة السلاح، فمن يمثل الإسلام الصحيح إذن ومن يمثل الجاهلية لو كانوا يفقهون؟. لمزيد من مقالات هشام النجار