استقالت تيريزا ماى رئيسة وزراء بريطانيا الأسبوع الماضى من منصبها ومن زعامة حزب المحافظين، بعد فشلها شهورا فى إقناع النواب البريطانيين بالاتفاق الذى وصلت إليه مع الاتحاد الأوروبى للخروج المنظم من إطاره فيما عرف باسم (بريكست)، بعد أن أطاحت موافقة الرأى العام البريطانى فى الاستفتاء حول الأمر بسلفها دافيد كاميرون، فقدمت من منصبها كوزيرة للداخلية إلى رئاسة الحكومة والحزب لتحاول تنفيذ ما أقره الاستفتاء إلا أنها واجهت انشقاقات قوية فى حزبها واستقالات من الحكومة، وتغيرا فى المزاج العام فى بريطانيا يتردد أمام الخروج ويحاول أنصاره عودة بلادهم من جديد إلى حظيرة أوروبا عن طريق استفتاء ثان حول (الخروج)، وعلى الرغم من أن أبرز المرشحين لخلافتها هما بوريس جونسون وزير الخارجية السابق وجيرمى هانت وزير الخارجية الحالى ومات هانكوك وزير الصحة وساجد جاويد وزير الداخلية وهم ينتمون إلى يمين الوسط بدرجات متفاوتة، فإن الدعوات التى انتشرت فى لندن تنادى بانتخابات عمومية مبكرة يتبناها حزب العمال (يسار الوسط) وزعيمه جيرمى كوربن، وحزب (بريكست) وزعيمه نايجل فاراج وهو حزب يمينى متطرف وانعزالى يتسق مع موجة اليمين التى تجتاح أوروبا والعالم وتدفع بالقوى والأحزاب الشعبوية إلى سُدة السلطة والحكم، والواقع أن نايجل فاراج أكثر مصداقية من جيرمى كوربن كون الأخير موصوما أمام الرأى العام البريطانى بعلاقاته الخاصة بدوائر روسية تعاديها بريطانيا وكانت آخر تجلياتها حكاية الجاسوس سكريبال الذى اتهمت تيريزا ماى سلطات موسكو بمحاولة تسميمه على الأرض البريطانية، ثم إن علاقات جيرمى كوربن الحميمة مع منظمة حماس المصنفة إرهابية تجعل البريطانيين يتحفظون عليه وعلى ما يأتى منه رغم أنه يرأس الحزب الثانى فى بريطانيا، أما نايجل فاراج فهو ممثل ساطع لقوى اليمين الأوروبى ولاتجاه يستشرى فى القارة، وإذا جرت انتخابات عامة فى بريطانيا أراه سيحقق نتيجة غير مسبوقة لحزب بريكست، ولكننا مازلنا حتى الآن فى إطار تغييرات داخل حزب المحافظين والحكومة، فى عملية أشبه بلعبة الذراع الحديدية التى كان أحد فصولها قبل سنوات حول الانضمام إلى العملة الأوروبية الموحدة من عدمه وأثمر انشقاقا عميقا أيضا بين جون ميجور رئيس الوزراء البريطانى الأسبق ومعارضيه جون ريدوود وبيتر ليلى ومايكل بورتيللو. لمزيد من مقالات د. عمرو عبدالسميع