فتحى الطريوى، مصرى بسيط ، يقرض الشعر الفصيح والعامى والزجلى، لا يهوى الشهرة!، وتستثيره المواقف الإنسانية والوطنية فينشد ما تجود به القريحة، فى شعره الدينى روح إيمانية واضحة، وفى قلبه حب خالص للوطن. كتب قصائد كثيرة لكنه لم يصنفها وينشرها فى دواوين حتى الآن. سألته من أنت؟ ولدت فى سمالوط المنيا والصواب مُنيَة ابن خصيب، لكن تعود جذورى إلى قوص قنا. وعنى قلت شعرا: أنا صعيدى بربابة باعزف عليها صبابة فتحى أبو فول الطِّريوى شاعر بِغُلب الغلابة عاشق لنحوى وضادى فى الضاد اضَادِى الديابة جدى دا قوصى قناوى فى المنيا باقى القرابة سمعتك تنشد قصيدة عن رمضان وروحانياته تعارض فيها قصيدة شوقى التى يقول فيها: رمضان ولى هاتها يا ساقى / مشتاقة تسعى إلى مشتاق / ما كان أطوله على أُلّافِها / وأقله فى طاعة الخلاق؟ نعم.. من حبى لهذه القصيدة الجميلة كنت أتمنى أن أعارضها، أنا أنظر للشعر من زاوية الشاعرية، وأتذكر أنى كنت فى ندوة ففوجئت بالدكتور صالح عبدالقدوس يقول إن نزار قبانى شاعر لا يبارى، فتعجبت يومها لأنى كنت أرى نزار شاعرا حسيا، لكنى أدركت بعدها أنه يجب أن نفرق بين شاعرية الشاعر وقضايا شعره. لكن قصيدة شوقى تدور فى فلك الإيمان والطاعة أيضا والبيت الثالث فيها يعزف سيمفونية الغفران والإيمان:الله غفار الذنوب جميعها/ إن كان ثم من الذنوب بواقى؟ نعم.. لكن المطلع يوهم لأول وهلة بالعكس. متى أنشدت قصيدتك؟ وأنا فى السعودية وقد عملت فيها معلما عشر سنوات كنت فى إشارة مرور فانطلق مدفع اليوم الأخير من رمضان فهزتنى اللحظة وقلت: رمضان ولى ها أنا يا باقى / متوجه لرضاك بالأشواق ثم خطر لى أن هذه القصيدة بهذا المطلع تحيا طول العام وتنسى قبيل رمضان، فقلت معدلا مطلعها وبعض معانيها: رمضان هلّ فها أنا يا باقى / متوجه لرضاك بالأشواق/ إن قصر العمر الأسير لشهوتى / عما تريد فردنى لتلاقى/سأظل أنزف فى رحابك أدمعي/ حتى تمن عليّ بالإعتاق /ويهبَّ ريح العفو من عليائه/ وتضيء شمس القرب بالإغداق/رمضان حل فحلت الرحمات / وتعالت الدعوات فى الآفاق /تمضى لياليه وتحضن ليلة /خيرا لنا من ألف شهر باقي /قد أنزل الرحمن - عز - كتابَه/والروح ينزل والملائك واقي /قد جئت بابك يا إلهى ضارعا/ وهجرت دنيا اللهو والعشاق /أهفو فتعفو، ثم تغفر زلتى/ وإذا قطعتُ وصلتَ بالأرزاق /أمارتى سكنت وها أنا ساجد/ويصير دمع التوب فى الأحداق /فاغفر إلهى باحتسابى ما ترى/ومن الذنوب مقدم وبواقى /وإذا أخذت الروح حسبى أنها/ مشتاقة تسعى إلى مشتاق رمضان دائما شهر الذكريات.. ماذا عن ذكرياتك فيه؟ الآن اختلف الزمان، ونحن صغار كنا نذهب إلى مكان المدفع وننتظر«العسكرى» لنراه وهو يطلق مدفع الإفطار، ونعيش بهجة تلك اللحظة فى سعادة كبيرة، وأتذكر الأثرياء ورجال الأعمال فى رمضان فى مسقط رأسى منية ابن خصيب يقيمون موائد الرحمن العامرة، وكانوا يصرون على المارة ويلحون عليهم أن يتناولوا الإفطار على مائدة الرحمن، وهذه من مزايا رمضان الكبيرة، كانت روحا جميلة، وكان هؤلاء الأثرياء يخدمون الصائمين وقت الإفطار بأنفسهم، ويشعرون بالسعادة الغامرة. هل تتذكر بعض المواقف التى أثرت فيك وفاضت شعرا؟ أتذكر أننى دعيت لصلاة المغرب فى أحد مساجد وسط القاهرة وقبل المغرب رأيت خارج المسجد مائدة فاخرة عامرة، سألت من صاحب هذه المأدبة، فقيل لى «المقدِّس فلان» راعى الكنيسة القريبة من المسجد، فتأثرت جدا وقلت هذه القصيدة العامية: متربى أنا ويا شنودة وحسين وحنّا صاحب وجار ياما رضعنا صدر المحبة يا ما لعبنا ليل وِنهار وكبرنا وِكبر الوصال لا جُرت أنا ولا هو جار أسلم ومينا ربان سفينة بنتى وبنته مارى ومنار عمرى ما أمسك أنا فْ شنودة ولا حد بينا يثير غبار فى الدنيا دايما رددوها عمار يا مصر دايما عمار مجّد وصلى، عيسى ومحمد دينى ودينك حسن الجوار وهذا الأمر متكرر فى مصر، كنت فى زيارة لمدينة سمالوط فوجدت فى مطاى مائدة إفطار بطول أحد الشوارع الكبيرة. سألت من صاحبها؟ وعرفت أن الكاتدرائية التى فى الشارع هى التى أعدت المائدة. وماذا كتبت عن الشهر الكريم غير «رمضان هلّ»؟ لى قصيدة أخرى فى وصفه أقول فيها: جئت فعطرت الأنام بعبير ذكر من صيام ولقد أقمت منعما بين التلاوة والقيام ورأت عيونى أعينا سهرت فما رأت المنام قدر لليلة قدرك حتى الصباح هى السلام أو بَعْد بُعدٍ جئتنا وحلا التواصل والكلام أوشكت ترحل سيدى ما كاد يتسع المقام! من المعروف أن الإمام القرطبى صاحب «الجامع لأحكام القرآن» وفد على المنيا وأقام فيها وصار من أعلامها الذين تفتخر بهم، لا بد وهذه حالك أن لك أسرارا وذكريات معه؟ نعم، قرأت له وتأثرت بعظمته العلمية ومدحته فى قصيدة قلت فيها: نور أضاء سماء دعوة أحمدا/ نظم العلوم بخيط نور قد بدا / له فِى الْعلاء نشيد ذكر مطرب سحر القلوب وللقوافل قد حدا / يا قرطبى ومُنيةٌ فى منيتى/لله درك قد رأيتك أوحدا ونشرت هذه القصيدة فى إحدى المجلات. ومن الطريف أنى دعيت إلى ندوة ثقافية أدبية فى المنيا منذ سنوات، ويبدو أن منظمى الندوة قرأوا قصيدتى، فقد فوجئت بأن الندوة تحتفى بالقرطبى، وفيها أعلام وعلماء من مصر والدول العربية، من بينهم الدكتور ابن شريفة مؤرخ المغرب المعروف والدكتور التازي، وفى كلماتهم قالوا إن القرطبى كان يقيم فى الأندلس فى مكان يسمى «منية نصر»، ولما وقعت الفتن فى الأندلس هاجر منها إلى المغرب ومكث به بعض الوقت، ثم شد الرحال إلى مصر، ومر بالمنيا «مُنية ابن خصيب» فوجدها تشبه فى جوها وهوائها ومناظرها الطبيعية موطنه الأول «مُنية نصر» فاستقر بها. فلما سمعت هذا انفعلت وقلت على البديهة: من منية النصر التى جادت بكم / فى منية الخصب فعاشت أرغدا/ كنتَ الكنانة للعلوم جليلها بِذُرا الكنانة قد جنيتَ السؤددا وهى قصيدة طويلة من 45 بيتا. منذ متى اكتشفت موهبة الشعر عندك؟ دراستى هى السبب..من الله عليّ بالالتحاق بكلية دار العلوم، وتتلمذت على أساتذة علماء، أسميهم «الأعمدة الذهبية»: الدكاترة عبدالحكيم بلبع والسنجرجى والشقيقان تمام وعبدالحكيم حسان والشقيقان عبدالصبور وعبدالرحمن شاهين وعلم الدين وحماسة وعبدالله شحاته وكشك..وغيرهم كثير. بما أنك شاعر ودار العلوم من إيوانات الشعر.. وما من أحد من طلابها إلا يحبها، وإذا كان شاعرا تغزل بها..هل قلت فيها شيئا؟ نعم، نعم.. أيا دار العلوم فدتك نفسى /فكم علم نهلت غدا وأمس/ أساتذة جزاهم كل خير/إله الكون عن علم ودرس /نوابغ فى المحافل إن تبارت /تضوأ علمهم بأريج قبس/فوارس فى الجحافل إن تلاقت/ تدوس خيولهم أذناب دس/فكم ردوا حشودا من عِداها/أرادوا دفن فصحاها برمس هذه معارضة لسينية البحترى: صنت نفسى عما يدنس نفسى ؟ نعم..وفى قصيدتى تصوير لبعض من تاريخنا الأدبى: أرى قيسا يلوّح فى فلاها/ وأكثم ينتشى بحديث قس /وعنترة الفوارس فى سواد / كعنبرةٍ تعطر أرض عبس /وفى ركن أرى الخنساء تبكى/على صخر وقد فجعت بوكس وشوقيا وحافظ فى عناق «أبا الزهراء» قل تفديك نفسى