«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديمقراطية الشعراء حول قصيدة أمير الشعراء احمد شوقي
»رمضان وليَ هاتها ياساقي مشتاقة تسعي إلي مشتاق«
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 08 - 2012

المعارضون: لا يا أمير الشعراء المؤيدون: ولايقصد الخمر ويدين من يتعاطاها! المطارحات الشعرية فن جميل وأصيل، فيه من الشعرية والمهارة الإبداعية، ما يؤكد التواصل بين المبدعين علي بساط المنافسات والمناقشات، وفي أجواء المعارضات البريئة التي تتأبي علي اقصاء الآخر.
والمعارضات الشعرية هي وجه من وجوه المطارحات الإبداعية وهي وإن احتجبت الإ قليلا في فن العربية الأول وأبوالشعر لاسيما في العصر الحديث، إلا أن شوقي أمير الشعراء يذكرنا بها وتذكره بها أيضا، وهو نفسه أكثر الشعراء المعاصرين الذين عارضوا وتعارضوا مع كبار شعراء العربية عبر العصور فهل ينسي أحدنا رائعته انهج البردةب التي تتألق بها أم كلثوم.
ريم علي القاع بين البان والعلم
أجل سفك دمي في الأشهر الحرم
وقد ابدعها علي خطي الشاعر الإمام البوصيري في قصيدة االبردةب.
أمن تذكر جيران بذي سلم
مزجت دمعا جري من مقلتي بدم
وهو ايضا الذي ابدع همزيته في مدح الرسول الكريم:
ولد الهدي فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
وقد عارض بها رائعة البوصيري
كيف ترقي رؤيك الأنبياء
ياسماء ما طاولتها سماء
وفي فن المعارضات قدم شوقي في الكثير مثل .
مضناك جفاه مرقده
وبكاه ورحم عوده
معارضابها رائعة الحصري الفيرواني
ياليل الصبا متي غده
اقيام الساعة موعده.
ولقد قضيت بعضا من الوقت أقضي واتابع حوارات القراء علي الكثير من مواقع الانترنت حول قصيدة شوقي ارمضان ولي هاتها يا ساقيب بمناسبة انتهاء أيام الشهر الكريم، فاذا بي اجد فيضا من الجدل الجميل حول هذه القصيدة والأجمل في هذه المناقشات ويتجلي في الدلالات الجديدة لهذه القصيدة عبر القراءات المتجددة والمتأولة لها والتي ترتبط فكريا وثقافيا مع قضايا الابداع الآن بين التكفير والتأثير والتفكير والتجديد والحرية.
لتقرأ قصيدة شوقي:
رَمَضانُ وَلّي هاتِها يا ساقي مُشتاقَةً تَسعي إِلي مُشتاقِ
ما كانَ أَكثَرَهُ عَلي أُلّافِها وَأَقَلَّهُ في طاعَةِ الخَلّاقِ
اللَهُ غَفّارُ الذُنوبِ جَميعِها إِن كانَ ثَمَّ مِنَ الذُنوبِ بَواقي
بِالأَمسِ قَد كُنّا سَجينَي طاعَةٍ وَاليَومَ مَنَّ العيدُ بِالإِطلاقِ
ضَحِكَت إِلَيَّ مِنَ السُرورِ وَلَم تَزَل بِنتُ الكُرومِ كَريمَةَ الأَعراقِ
هاتِ اِسقِنيها غَيرَ ذاتِ عَواقِبٍ حَتّي نُراعَ لِصَيحَةِ الصَفّاقِ
صِرفاً مُسَلَّطَةَ الشُعاعِ كَأَنَّما مِن وَجنَتَيكَ تُدارُ وَالأَحداقِ
حَمراءَ أَو صَفراءَ إِنَّ كَريمَها كَالغيدِ كُلُّ مَليحَةٍ بِمَذاقِ
وَحَذارِ مِن دَمِها الزَكِيِّ تُريقُهُ يَكفيكَ يا قاسي دَمُ العُشّاقِ
لا تَسقِني إِلّا دِهاقاً إِنَّني أُسقي بِكَأسٍ في الهُمومِ دِهاقِ
فَلَعَلَّ سُلطانَ المُدامَةِ مُخرِجي مِن عالَمٍ لَم يَحوِ غَيرَ نِفاقِ
وَطَني أَسِفتُ عَلَيكَ في عيدِ المَلا وَبَكَيتُ مِن وَجدٍ وَمِن إِشفاقِ
لا عيدَ لي حَتّي أَراكَ بِأُمَّةٍ شَمّاءَ راوِيَةٍ مِنَ الأَخلاقِ
ذَهَبَ الكِرامُ الجامِعونَ لِأَمرِهِم وَبَقيتُ في خَلَفٍ بِغَيرِ خَلاقِ
أَيَظَلُّ بَعضُهُمُ لِبَعضٍ خاذِلاً وَيُقالُ شَعبٌ في الحَضارَةِ راقي
وَإِذا أَرادَ اللَهُ إِشقاءَ القُري جَعَلَ الهُداةَ بِها دُعاةَ شِقاقِ
العيدُ بَينَ يَدَيكَ يا اِبنَ مُحَمَّدٍ نَثَرَ السُعودَ حُليً عَلي الآفاقِ
وَأَتي يُقَبِّلُ راحَتَيكَ وَيَرتَجي أَن لايَفوتَكُما الزَمانَ تَلاقِ
قابَلتُهُ بِسُعودِ وَجهِكَ وَالسَنا فَاِزدادَ مِن يُمنٍ وَمِن إِشراقِ
فَاِهنَأ بِطالِعِهِ السَعيدِ يَزينُهُ عيدُ الفَقيرِ وَلَيلَةُ الأَرزاقِ
يَتَنَزَّلُ الأَجرانِ في صُبحَيهِما جَزلَينِ عَن صَومٍ وَعَن إِنفاقِ
إِنّي أُجِلُّ عَنِ القِتالِ سَرائِري إِلّا قِتالَ البُؤسِ وَالإِملاقِ
وَأَري سُمومَ العالَمينَ كَثيرَةً وَأَري التَعاوُنَ أَنجَعَ التِرياقِ
قَسَمَت بَنيها وَاِستَبَدَّت فَوقَهُم دُنيا تَعُقُّ لَئيمَةُ الميثاقِ
وَاللَهُ أَتعَبَها وَضَلَّلَ كَيدَها مِن راحَتَيكَ بِوابِلٍ غَيداقِ
يَأسو جِراحَ اليائِسينَ مِنَ الوَري وَيُساعِدُ الأَنفاسَ في الأَرماقِ
بَلَغَ الكِرامُ المَجدَ حينَ جَرَوا لَهُ بِسَوابِقٍ وَبَلَغتَهُ بِبُراقِ
وَرَأَوا غُبارَكَ في السُها وَتَراكَضوا مَن لِلنُجومِ وَمَن لَهُم بِلَحاقِ
مَولايَ طِلبَةُ مِصرَ أَن تَبقي لَها فَإِذا بَقيتَ فَكُلُّ خَيرٍ باقِ
سَبَقَ القَريضُ إِلَيكَ كُلَّ مُهَنِّئٍ مِن شاعِرٍ مُتَفَرِّدٍ سَبّاقِ
لَم يَدَّخِر إِلّا رِضاكَ وَلا اِقتَني إِلّا وَلاءَكَ أَنفَسَ الأَعلاقِ
إِنَّ القُلوبَ وَأَنتَ مِلءُ صَميمِها بَعَثَت تَهانيها مِنَ الأَعماقِ
وَأَنا الفَتي الطائِيُّ فيكَ وَهَذِهِ كَلِمي هَزَزتُ بِها أَبا إِسحاقِ
ومن أشهر المعارضات لهذه القصيدة قصيدة الناقد والشاعر جابر قمية التي تتداولها المواقع جاء فيها معارضا أمير الشعراء بقوله:
رمضانُ ودَّع وهو في الآماق يا ليته قد دام دون فراقِ
ما كان أقصَرَه علي أُلاَّفِه أحبَّه في طاعةِ الخلاق
زرع النفوسَ هدايةً ومحبة فأتي الثمارَ أطايبَ الأخلاق
»اقرأ« به نزلتْ، ففاض سناؤُها عطرًا علي الهضبات والآفاق
ولِليلةِ القدْر العظيمةِ فضلُها عن ألفِ شهر بالهدي الدفَّاق
فيها الملائكُ والأمينُ تنزَّلوا حتي مطالعِ فجرِها الألاق
في العامِ يأتي مرةً .. لكنّه .. فاق الشهورَ به علي الإطلاق
شهرُ العبادةِ والتلاوةِ والتُّقَي شهرُ الزكاةِ، وطيبِ الإنفاق
لا يا أمير الشِّعر ما ولَّي الذي آثاره في أعمقِ الأعماق
نورٌ من اللهِ الكريمِ وحكمةٌ علويةُ الإيقاعِ والإشراق
فالنفسُ بالصوم الزكي تطهرتْ من مأثم ومَجانةٍ وشقاقِ
لا يا »أميرَ الشعر« ليس بمسلمٍ مَن صامَ في رمضانَ صومَ نفاقِ
(الله غفار الذنوب جميعها) إنْ كان ثَمّ من الذنوبِ بواقي
عجبًا!! أيَضْلَع في المعاصِي آثمٌ؟ لينالَ معفرةً.. بلا استحقاقِ
أنسيتَ يومَ الهولِ يومَ حسابِه حينَ التفاف الساقِ فوقَ الساقِ؟
لا يا »أمير الشعر« ما صام الذي رمضانُه في زُمْرة الفسَّاق
لا يا »أمير الشعر« ما صام الذي منع الطعام، وهمه في الساقي
من كان يهوي الخمرَ عاش أسيرَها وكأنَّه عبدٌ بلا .. إعتاق
الصومُ تربيةٌ تدومُ مع التُّقَي ليكونَ للأدواءِ أنجعَ راقي
هو جُنةٌ للنفس من شيطانِها ومن الصغائرِ والكبائرِ واقي
الصومُ - يا شوقي إذا لم تدْرِه نورٌ وتقْوي وانبعاثٌ راقي
واسمع - أيا من أمَّروهُ بشعره - ليس الأميرُ بمفسدِ الأذواق
إن الإمارةَ قدوةٌ وفضيلةٌ ونسيجُها من أكرمِ الأخلاق
والشعرُ نبضُ القلبِ في إشراقِهِ لا دعوةٌ للفسقِ .. والفسَّاق
والشعر من روح الحقيقة ناهلٌ ومعبِّرٌ عن طاهرِ الأشواقِ
فإذا بَغَي الباغي بدتْ كلماتُه كالساعِرِ المتضرِم .. الحرَّاق
وإذا دعتْه إلي الجمال بواعثٌ أزْري علي زريابَ أو إسحاقِ
لكنّه يبقي عفيفًا .. طاهرًا كالشّهدِ يحلو عند كلِّ مذاق
رمضانُ - يا شوقي - ربيعُ قلوبنا فيها يُشيعُ أطأيبَ الأعباق
إن يمْضِ عشنا أوفياءَ لذكِره ويظلُّ فينا طيّبَ الأعْراق
مناوشات بلال فضل
أما الكاتب بلال فضل فانه يتجه بقراءته المعاصرة والكاشفة وجهة أخري، اذ يتذوقها وجدانيا وفكريا في اجواء اللحظة الراهنة، مبينا دلالة جديدة وهامة، اذ كتب في الزميلة «التحرير» يقول: بلال فضل: تخيل معي ما الذي يمكن أن يحدث لو ظهر علي شاشات التلفاز كاتب أو مذيع في أول أيام عيد الفطر وقال للناس وهو يضحك: كل سنة وإنتو طيبين، ها هو رمضان قد ذهب فدعونا نخرج من سجن الطاعات الذي كنا محبوسين فيه ونعيش حياتنا قليلا. غالبا لن ينتهي به اليوم إلا وقناته التليفزيونية أو الصحيفة التي يعمل فيها محاصرة بآلاف البشر الذين يطلبون رقبته ويهدرون دمه، وربما وجدوه بعدها بأيام مطعونا بخنجر في رقبته من شخص غيور علي الدين، وفي أحسن الأحوال سيطارده بدل المحامي عشرون مطالبين بإيقاع أقصي العقوبة عليه لقيامه بازدراء الدين الإسلامي.
منذ أقل من مئة عام خرج أمير الشعراء أحمد شوقي علي الملأ بقصيدة جديدة أغلب الظن أنها نشرت في صدر الصفحة الأولي من أكثر الصحف انتشارا كعادة قصائد شوقي التي كانت تباع الصحف بها، كان مطلع القصيدة يقول صراحة:
رَمَضانُ وَلّي هاتِها يا ساقي.. مُشتاقَة تَسعي إِلي مُشتاقِ
ما كانَ أَكثَرَهُ عَلي أُلّافِها.. وَأَقَلَّهُ في طاعَةِ الخَلّاقِ
اللَهُ غَفّارُ الذُنوبِ جَميعِها.. إِن كانَ ثَمَّ مِنَ الذُنوبِ بَواقي
بِالأَمسِ قَد كُنّا سَجينَي طاعَةٍ.. وَاليَومَ مَنَّ العيدُ بِالإِطلاقِ
لم أقرأ في المراجع التي تحت يدي عن حياة شوقي أنه تعرض بسبب تلك القصيدة لمحاولة اغتيال أو لدعوي حسبة ولم يوضع تحت الحراسة المشددة بسببها، ليس لأن مصر لم يكن بها أناس غيورون علي الدين وقتها، بل لأن الناس الغيورين علي الدين كانوا يجيدون قراءة الشعر ولا يحكمون علي القصائد من مطالعها بل يكملون قراءتها حتي النهاية، نعم تعرض شوقي للانتقاد الشديد بسبب مطلع القصيدة الذي رآه البعض صادما وجارحا، ربما كانت المفارقة أنه يتعرض للتكفير الآن أكثر
مما تعرض له في أيامه من قبل معاصريه ولو أكمل هؤلاء القصيدة لوجدوها قصيدة وطنية بل وأخلاقية أيضا، وما كان مطلعها الصادم إلا لعبة فنية من شاعر أراد أن يجذب قراءه إلي قصيدته وهو يحدثهم عن الكأس التي اشتاق إلي شربها، قبل أن يتضح هدفه الحقيقي من القصيدة عندما يقول لساقيه:
لا تَسقِني إِلّا دِهاقا إِنَّني أُسقي بِكَأسٍ في الهُمومِ دِهاقِ
فَلَعَلَّ سُلطانَ المُدامَةِ مُخرِجي مِن عالَمٍ لَم يَحوِ غَيرَ نِفاقِ
وَطَني أَسِفتُ عَلَيكَ في عيدِ المَلا وَبَكَيتُ مِن وَجدٍ وَمِن إِشفاقِ
لا عيدَ لي حَتّي أَراكَ بِأُمَّةٍ.. شَمّاءَ راوِيَةٍ مِنَ الأَخلاقِ
ذَهَبَ الكِرامُ الجامِعونَ لِأَمرِهِم.. وَبَقيتُ في خَلَفٍ بِغَيرِ خَلاقِ
أَيَظَلُّ بَعضُهُمُ لِبَعضٍ خاذِلا.. وَيُقالُ شَعبٌ في الحَضارَةِ راقي
وَإِذا أَرادَ اللَهُ إِشقاءَ القُري جَعَلَ الهُداةَ بِها دُعاةَ شِقاقِ
إِنّي أُجِلُّ عَنِ القِتالِ سَرائِري إِلّا قِتالَ البُؤسِ وَالإِملاقِ
وَأَري سُمومَ العالَمينَ كَثيرَة وَأَري التَعاوُنَ أَنجَعَ التِرياقِ
لو كان شوقي رحمه الله قد قال قصيدته هذه في أحد برامج التوك شو صبيحة يوم العيد، لما كان أحد سيتركه يكملها مع أنها تبدو مكتوبة خصيصا لنا ولأيامنا التي يحلو لنا أن نقاتل بعضنا فيها بدلا من أن نتفرغ لقتال البؤس والفقر، لم يكن أحد سيلتفت إلي ما قاله عن دعاة الشقاق الذين تشقي بهم القري، ولا عن بكاء شوقي في يوم العيد علي وطن يحتاج إلي ترياق التعاون لكي يتعافي مما هو فيه. لحسن الحظ لم يهدر أحد دم شوقي يومها، ليعيش ويكتب بردته الشهيرة في مديح النبي عليه الصلاة والسلام والدفاع عن الإسلام في وجه دعاوي بعض المستشرقين:
»ريمٌ عَلي القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ.. أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ«
بالإضافة إلي قصيدتين رائعتين في مديح النبي أبدعت في غنائهما كوكب الشرق أم كلثوم هما »وُلِدَ الهُدَي فَالْكَائِنَاتُ ضِيَاءُ.. وَفَمُ الزَّمَانِ تَبَسُّمٌ وَثَنَاءُ«، وقصيدة »سَلو قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا.. لَعَلَّ عَلي الجَمالِ لَهُ عِتابا«.
للتسامح مع جموح الأدب في ثقافتنا الإسلامية مسيرة طويلة بدأت قبل شوقي بكثير.
لكن الشاعر صالح الفلاح في مدونته له رؤية اخري اذ يقول:اعد نفسي من عشاق شعره بل ومن عشاق كل شي خطه الأمير بقلمه، واختلف في احمد شوقي فمن ناحية اشعاره اعتبروه متدينا وعندما تقرأ عنه وعن اخباره تجده كان يحب الخمر، ولذلك يقدم تأويلا آخر في تذوقه لقصيدة شوقي إذ يقول إن شوقي يقصد في قصيدته انه صام رمضان وقام بواجباته الدينية وامتنع عن الخمرة فلما ذهب رمضان عاد مرة اخري اليها، وقال بعضهم انه لم بقصد التغزل بالخمرة بل وصف حال البعض من شاربي الخمر الذين ينتظرون انتهاء رمضان لكي يعودوا الي شربهم، اقول قد افضي الرجل الي ربه وبقت لنا ابداعاته واشعاره الجميلة، كان له حساد من المقام الثقيل امثال عباس محمود العقاد والمازني وتلميذ العقاد سيد قطب، الذين ما تمر لحظة في الأدب الا ويتهجمون فيها علي شوقي، وعن رأيي بصراحة فان شعر هؤلاء لا يصل الي ربع مستوي اشعار شوقي فهو سابقهم بهذا المجال بمسافة طويلة جدا، فالشعر ميزة شوقي والشعر مجال ابداع، بينما المازني فاديب نثري يبدع في النثر والعقاد وقطب تخصصوا بالفكر ونقد الأدب وانتقادشوقي!!، وما كان حساد شوقي كبارا الا لكونه هو كبير والكبير هو الله سبحانه
من ماء زمزم
والشاعر عبد الله الشدوي يضيف علي بيت أمير الشعراء
رمضان ولي هاتها ياساقي مشتاقة تسعي إلي مشتاق
ليست من الخمر الخبيث وإنما من زمزم من مائه الدفاق
من كوثر في بطن مكة جاريا أصفي من العبرات بالأحداق
مزجت بدمع التائبين ومثله شوق يحن لمهبط الأشواق
وتتابع قراءة اخري للشاعر ثائر أبوصلاح:
رمضان هلّ فولِّها يا ساقي تلك التي قد جمَّرت احداقي
صفراء شعت من كؤوس تزدهي حمراء صُبَّت كلها بدهاق
قد قال شوقي في قديم عصورنا هات المدام وراحها يا ساقي
كلا امير الشعر ليست هكذا أخلاقنا في طاعة الخلاق
ما كان اكثره حرام اخوتي فقليله ممنوع بالاطلاق
الخمريفشي الفحش فيما بيننا ويميت فينا اروع الاخلاق
ولتسقني كأسا مليئا بالتقي علّي اكون كما يريد رفاقي
انا ما شربت الخمرلكن اخوتي انهي عن الفحشاء في اوراقي
قد جاء شهر الخير يسكن حيّنا رمضان اهلا دونما املاق
كل هذه الجدليات
ونتابع هذه الجدليات المتناثرة هنا وهناك. حيث يتجادل أبناء هذ الجيل حول القصيدة التي شغلت الناس ، كانت ومازالت المجال الأرحب لظهور الاختلاف بينهم حول شخصيته ، فقد عدها كثيرون سقطة وعثرة منه ، ورأوا أن ما ورد فيها وصفٌ لا يليق أن يصدر من مثله ، فالطاعة ليست بسجن، بل عبادة وأنس وحياة . والقصيدة حسب رأيهم ليست موفقة في الحديث عن رمضان بالأسلوب الذي يظهر التخلص منه وكأنه كان قيدا ثقيلا وسجنا مريراً، والخروج ليس إلي المباح من الطعام والشراب بل إلي الخمر المحرمة شرعا والموصوفة بأنها رجس من عمل الشيطان، وقد غالي أحدهم في وصف شوقي فكتب « أحب أن أذكر الإخوة أن شوقي مجروح في دينه ، فليُحذَر» ورد عليه الناقد دكتور أحمد عادل قائلا (أكثر ما يحزن المرء أن يجد الاتهامات المطلقة والتجريحات العريضة في دين أحد الأشخاص، وأن ينظر أحدهم إلي شيء ويغض الطرف عن كثير من الأشياء. فأمير الشعراء أحمد شوقي هو الذي قال: »ولد الهدي فالكائنات ضياء« وهو القائل في نهج البردة:
وَقيلَ كُلُّ نَبِيٍّ عِندَ رُتبَتِهِ
وَيا مُحَمَّدُ هَذا العَرشُ فَاِستَلِمِ
ليتنا نقرأ شعر شوقي بصدر مفتوح وقلب منير وعقل واع، بدلا من تجريحه في دينه، ولو كان في دينه شك - عليه رحمة الله - ما قال هذا الكلام المعجز العظيم في حب الله ورسوله، أما عن رمضان ولي هاتها يا ساقي، فلمن له دراية بعلوم العربية وأساليبها التهكمية، ولمن قرأ قوله تعالي: (فبشرهم بعذاب أليم) ، وقوله تعالي: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) . من يقرأ ويعرف كل هذا يدرك أسلوب المفارقة اللفظية النابعة من التهكم، ومعالجة الأمور بضدها، فبضدها تتميز الأشياء، فشوقي لا يريد المعني المباشر الصريح الذي فهمه البعض، وإنما يقصد ما هو عكس ذلك تمامًا أن نتمسك بأخلاق رمضان فيما بعد رمضان؛ لأن هذا هو حالنا جميعا يطيع الله في رمضان ، ويحرص علي العبادات والشعائر، أما إذا ما انتهي رمضان سعي في الأرض ليفسد فيها، وكأن ربَّ رمضان ليس هو رب سائر الشهور. فهذا هو الذي يريده شوقي، أن يستنفر الهمم، وأن يحض الناس علي التمسك بما كانوا عليه في رمضان عن طريق استخدام أسلوب السخرية فجاء بالبيت علي لسان من حاله يتنهز فرصة انتهاء رمضان لينعم باللذات.
ويعلق روح التميمي بأن توجيه الدكتور أحمد عادل هنا بأن غرض شوقي في القصيدة كان معالجة الأمور بضدها عن طريق التهكم ، ضعيف وليس في محله حسب تقديري ، فواقع القصيدة ينفيه ، ومحاولة الدكتور الدفاع عن شوقي بهذا التوجيه تدين الشاعر ولا تبرّئه ، إذ ليس في القصيدة ما يدعم هذا الزعم، والخمريات غرض شعري معروف في الأدب العربي ، ولم يبتدعه شوقي حتي يلام عليه ، أما المعاني التي أظهرت الاحتفاء بانتهاء رمضان ، والخروج من قيود الطاعة إلي ميادين العربدة والانطلاق ، فهي المعبرة عن حال من طال بهم فراق الخمرة من معاقريها ومدمني احتسائها ، وما جاء في القصيدة ليس سوي لسان حال عبر عن مشاعر أولئك ، ولعل أفضل ما قيل في توجيه القصيدة ما ورد في موسوعة ويكيبيديا التي جاء فيها أن ما ورد في هذه القصيدة »يؤكد الحس الفني والفهم لدور الفنان في التعبير عن العواطف بغض النظر عن »صحتها« أو »مناسبتها« لأذواق الآخرين من عدمه، وهذا من بوادر إبداع الشاعر في جعل شعره أداةً أدبية فنية، قبل كونه بوقاً لفكرة ونظام ما« وهذا هو الصواب حسب ما أري ، ومشكلة كثير من الناس أنهم لا يفصلون بين الفكر والفن ، ويحاسبون الأديب شاعرا كان أو ناثرا علي ما يطرحه في نصوصه من أفكار خارجة عن نطاق الدين أو الخلق أو العرف ، ويرون أن إيرادها في النص دليل إدانة علي اعتناقها إن كانت فكرة أو مما رستها إن كانت سلوكا ، ويخلطون بين الحقيقة والخيال .
لقد كان شوقي ولا يزال مصنّفا ضمن الشعراء الإسلاميين الذين عبروا بكل إخلاص وولاء للعقيدة والدين ، وهو من أكثر الشعراء اهتماما بقضايا الإسلام ، وعبر عن محبته لنبي الهدي عليه الصلاة والسلام بعدد من القصائد الخالدة . وله في الحكمة قصائد وأبيات عديدة تفصح عن نضج فكري وعقلي ، وخبرة واسعة في الحياة .. وشوقي هو القائل :
جبتُ لمعشرٍ صلوا وصاموا ظواهِرَ خشيةٍ وتُقُيً كِذابا
سألتُ الله في أبناءِ ديني فإن تكن الوسيلة لي أجابا
وما للمسلمين سواك حصنٌ إذا ما الضرُّ مسّهُمُ ونابا
كأن النحسَ حين جوي عليهم أطار بكل مملكةٍ غُرابا
ولو حفظوا سبيلاً كان نوراً وكان من النحوس لهم حجابا
بنيت لهم من الأخلاقِ ركناً فخانوا الركن فانهدم اضطرابا
كان جنابُهم فيها مهيباً وللأَخلاقُ أجدرُ أن تهابا
جل وجه الباقي
ولمكانة قصيدة (رمضان ولّي) الفنية والفكرية ، ولكونها كما ذكرت قبل قليل شغلت الناس ، فقد عارضها كثيرون ، وأكثر هؤلاء نقَض معانيها ، منكرا علي شوقي ما أورده فيها من مروق وعدم احترام لأكرم الشهور .. وسأورد فيما يلي عددا من المعارضات التي استطعت جمعها من خلال رحلة بحث قصيرة ، وأحب أن أشير إلي أن موضوع الزميل آخر الصعاليك (رمضان ولي) الذي نقل فيه قصيدة الشاعرة ياسمين الحمود (رمضان ولي جل وجه الباقي) التي عارضت بها قصيدة شوقي الشاعر: عبد المجيد بن محمد أبي المساكين
رمضان شهر الجود والاعتاق شهر التقي والخوف والاشفاق
رمضان ولي فالدموع تبينه والقلب مكلوم من الاشواق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.