فى توقيت ذى دلالة تندلع جولتان جديدتان من الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة بشكل مواكب لإطلاق قذائف صاروخية من فصائل المقاومة تتوقف الأولى قبل الانتخابات الإسرائيلية، ثم تتوقف الثانية قبل الاحتفال بما يسمى فى إسرائيل، عيد الاستقلال، الذى يتواكب مع مهرجان غنائى دولي.. وعروض طيران. فهل فى ظل التمهيد الأمريكى الرسمى لإعلان صفقة القرن يكون العدوان الإسرائيلى على غزة ورد الفصائل الفلسطينية برشقات صاروخية أسقطت لأول مرة منذ سنوات قتلى على الجانب الإسرائيلى اسدالا صراع لجولات سابقة أم إسدالا للستار والاتجاه للتفاوض حول الوضع النهائي؟ احتمال التصعيد القريب هو الأغلب، وقد يكون مصحوبا بدخول أطراف إقليمية بدعم روسى مستتر أو علني، فالدب الروسى له حساباته المعقدة من فنزويلا و أوكرانيا لكوريا الشمالية قد يرى أن تل أبيب فى لحظة ضعف ويمكن أن يحقق مكاسب تاريخية بتدخله وإفساد مخططات البيت الأبيض بشأن التسوية، ومن الأسئلة التى تطرح نفسها عند دراسة احتمالية التصعيد فعالية القبة الحديدية فى إسرائيل التى تم تدشينها فى عام 2011 بعد سنوات من التجارب، وبعد سنوات من الاختبار الميدانى الفعلى تبين أنها تمنع فى بعض الأحيان صواريخ المقاومة من الوصول لأهدافها، بينما تفشل فى حالات أخرى لتصل الصواريخ إلى تل أبيب نفسها، فضلا عن بئر سبع وعسقلان والتجمعات الاستيطانية فى غلاف غزة. الأمر نفسه ينطبق على الصاروخ المضاد للصواريخ من طراز حيتس، فهل يتم السماح بوصول بعض الصواريخ لهدف سياسى دعائى وابتزاز أطراف دولية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية؟ أم أن القبة فاشلة منذ البداية وكان يتم تصويرها وسط هالة دعائية كاذبة على أنها الملاذ الآمن؟ فقد سقط 4 قتلى من الجانب الإسرائيلى بعد سنوات من وصول الصواريخ إلى مناطق مفتوحة ودون وقوع خسائر تذكر. فإذا وضعنا فى الحسبان أنه منذ عام 2001 وحتى الآن سقط من الجانب الإسرائيلى 34 فقط منهم 30 إسرائيليا و4 عمال أجانب، فهل هناك اتفاق غير مكتوب بين تل أبيب وبعض الفصائل الفلسطينية على قدر التصعيد ودقة الاصابات؟ هذا مع ملاحظة أنه وفقا لإحصاءات ذات مصداقية فإن أكثر ما يتم إطلاقه من الصواريخ ليس من حركة حماس، بل من فصائل أخرى على رأسها الجهاد الإسلامي. وسيكون من المنطقى كذلك طرح أسئلة حول أسلوب عمل الرقابة العسكرية فى إسرائيل والتى تأسست عام 1948 ولا تزال مستمرة حتى الآن، لكنها تسمح أحيانا بتغطيات تساعد على توجيه صواريخ المقاومة (تمتلك المقاومة الفلسطينية واللبنانية عشرات الآلاف منها) بشكل أكثر دقة، وتمنع تماما وتحظر أى تناول إعلامى من شأنه أن يفيد الطرف العربى المقاوم. فى المقابل نجد أن جرائم إسرائيل ضد المدنيين فى غزة تتجاوز جرائم مرتزقة داعش، وهو ما يجعل تفاقم تمرد غزة منطقيا، والكلام هنا للمحلل الإسرائيلى جدعون ليفى المتابع للشأن الفلسطينى فى جريدة هاآرتس منذ عام 1988، حيث تناول الأوضاع فى غزة مؤكدا أن غزة باتت معسكر إبادة كبيرا. ويمكننا القول هنا أن ما قاله جدعون على محطة تليفزيون إسرائيل ربما يكون هدفه إفراغ شحنة الضمير بخلق إحساس زائف بالذنب، والغريب أن تتحول الضحية إلى جلاد فور تمكنها من تأسيس دولة ساعية بكل همة للثأر والانتقام من شعب آخر هو الشعب الفلسطيني، وهو ما يعنى تهديدا غير مباشر بتدمير شامل للقطاع، خاصة أن أنصار معسكر اليمين المتطرف يرون أن آراء عدد من كتاب اليسار لا قيمة لها، ولا قيمة أيضا للأحزاب اليسارية فى إسرائيل برمتها . مع الوضع فى الحسبان أن تل أبيب تزعم أنها تحذر قبل أن تقصف الأبراج السكنية.. والسؤال هنا ماذا لو لم يصل التحذير لأسرة فى وحدة سكنية.. وحتى إذا نجحت الأسر فى الفرار بالشيوخ والنساء والأطفال قبل فوات الأوان.. كيف ستكون حياتهم بعد أن دمر جيش الاحتلال عالمهم الصغير متمثلا فى شقتهم؟! ونلاحظ فى السياق نفسه أن جرائم جيش الاحتلال باتت أكثر بشاعة وفظاظة، ولكنها لم تحرك بعد المجتمع الدولي، ولم تخرج ردود الأفعال عن تلك التقليدية المتحفظة المعتادة، بل وبعضها يدعم المعتدي. ولا مجال هنا للزعم بأن هناك مبالغة أو شكا أو انحيازا ما. مما يمنح نيتانياهو وشركاءه من غلاة المتطرفين (أمثال عضو حركة كاخ بتسلال سموتريتش الذى يسعى لكى يصبح وزيرا للعدل فى الحكومة الائتلافية القادمة) مجالا للمناورة وارتكاب مزيد من الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين. مما يجعل من احتمالية أن تكون الجولة الأخيرة من العدوان مجرد افتتاحية لمواجهة قد يتسع نطاقها وسط أجواء دولية غريبة وانقسامات كبيرة غير مسبوقة. لمزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور