«هم يريدوننا أن نعمل الآن ، وأن ننجب أطفالًا ونعتنى بأسرنا» باتت هذه المقولة هى لسان حال الكثير من النساء العاملات فى اليابان اللاتى يمتلكن الكثير من المهارات ومقومات الابتكار والإبداع ومع ذلك يفتقدن المحفزات والمناخ المناسب الذى يقودهن للنجاح ،هذا بالإضافة إلى وجود الكثير من العثرات والعراقيل التى تقف حاجزا أمام تفوقهن المهنى ،فواقع العمل فى اليابان يختلف عن غيره من الدول الأخري، حيث تتبنى البلاد ثقافة العمل ساعات طويلة وفقا لنظام هرمى صارم، وهو ما يضع المرأة اليابانية فى موقف لا تحسد عليه نظرا لزيادة الأعباء الملقاة على عاتقها سواء فيما يتعلق بمسئولية تربية الأطفال، وغيرها من القيود الأسرية ،لتواجه بذلك تحديات جمة تضعها بين خيارين أحلاهما مر هما العمل أو الأسرة والأمومة. ومع ذلك هناك حالة من الزخم الكبير حول ضرورة تزايد دور المرأة العاملة خاصة أن الحكومة اليابانية تراهن على دور أكبر للمرأة اليابانية التى تشكل نصف القوى العاملة فى البلاد، وذلك بعدما أعلنت مؤخرا هدفا جديدا هو تعزيز فرص مشاركة المرآة فى القوى العاملة لإنعاش الاقتصاد اليابانى ، وهو ما أكدته دعوة رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى خلال منتدى «دافوس« مطلع العام الحالى ، خاصة أن البلاد تواجه منذ عقود آزمة حادة بسبب زيادة أعداد كبار السن تزامنا مع قلة عدد المواليد ،حيث ستفقد اليابان بحلول 2050 40% من قوتها العاملة ، لذلك أكد آبى أهمية دور المرأة العاملة فى دعم الاقتصاد اليابانى على المدى الطويل ، لأن رفع معدلات توظيف النساء إلى نفس مستوى معدلات الرجال يمكن أن يزيد من حجم الناتج الاقتصادى للبلاد بنحو 10 %. رغم أن الواقع لا يساعد على الإطلاق فى تحقيق هذه الطموحات فما يقرب من نصف النساء العاملات يعملن بدوام جزئى وبعقود مؤقتة. وفى الحقيقة فإنه بالرغم من إشادة آبى خلال المنتدى الاقتصادى العالمى «دافوس» بزيادة معدلات عمل المرآة فى اليابان إلى 67 %، وهو أعلى مستوى يتحقق على الإطلاق ، فإنه على الجانب الآخر لم يتطرق إلى الفجوة الواسعة فى الرواتب بين الجنسين ، حيث لا تكاد المرأة تحصل على 25 % من الرواتب التى يتقاضاها الرجل ، وهو ما وضع اليابان فى المرتبة 110 لمؤشر الفجوة بين الجنسين. ولذلك فإن الهدف الذى أعلنه رئيس الوزراء فى المؤتمر السنوى للمرأة منذ أربع سنوات من خلال رفع شعار «ومانوميكس» المتمثل فى ضرورة تقلد المرأة ما لا يقل عن 30 % من المناصب الإدارية بحلول عام 2020 أصبح غير واقعى ، حيث تشير الأرقام الصادرة عن المعهد اليابانى لسياسة العمل والتدريب إلى أن هذا الهدف لم يتحقق منه سوى 13% إلى الآن. حلقة مفرغة و يسلط التقرير الذى نشرته صحيفة «نيويورك تايمز « الأمريكية الضوء على أهم التحديات والمعوقات التى تواجه طموحات اليابانيات ، وفى مقدمتها العبء غير المتناسب الذى يتحملنه من مهام شاقة لا علاقة لها بعملهن لكنها تحد من مشاركتهن فى قوة العمل ، . و على الرغم من دخول المرأة اليابانية سوق العمل مبكرا فإن التزاماتها المنزلية والأسرية لم تتقلص خاصة فى ظل عدم وجود المساعدة الكافية من الأزواج وهو أمر يعود جزئيا للثقافة السائدة داخل المجتمع ،فوفقا لتحليل البيانات الحكومية الصادرة عن جامعة كيو فى طوكيو ، فإن النساء اللاتى يعملن أكثر من 49 ساعة أسبوعيا يقضين ما يقرب من 25 ساعة فى الأعمال المنزلية ، وفى المقابل يساعدهن أزواجهن فى المتوسط أقل من خمس ساعات . ولذلك تقع اليابان فى أدنى مستوى من بين الدول المتقدمة الكبرى فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين فى المجال الاقتصادى ، فالمرأة العاملة فى اليابان أقل حظا فى الحصول على وظائف مناسبة نظرا لتعدد مهامها الأسرية . ضرورة التغيير وللتدليل على هذه الحقيقة استعرض التقرير تجارب العديد من النساء العاملات حيث تقول إحدى السيدات إن زوجها لم يقرر تقليل ساعات عملها إلا بعد أن تدهورت صحتها غير أن ذلك قد تسبب فى انخفاض راتبها مرتين، أما فى الوقت الحالى فقد أصبح دخلها أكثر من دخل زوجها، ولذلك قرر أن يكون شريكا أساسيا معها فى الأعمال المنزلية. وتضيف قائلة : إن ظروف العمل فى اليابان تحرم الرجال من فرصة أن يكونوا آباء جيدين ، كما أنها تجبر النساء على الاختيار بين الحياة المهنية والعائلة» . بينما تقول سيدة أخري: «تسببت ولادة ابنتنا فى الكثير من الضغوط على عائلتنا ، وهو ما جعلنى أحث زوجى على الانخراط أكثر فى مهامنا الأسرية ،حيث كان دائمًا مشغولا بهواياته و عمله إلا أننى اقنعته بأن يتخلى عن بعض الهوايات حتى كبرت ابنتنا كما أننى قررت عدم إنجاب أكثر من طفل واحد» . ويمكن القول إن اليابان ليست بحاجة فحسب إلى إدخال المزيد من الإناث فى سوق العمل ، بل تحتاج إلى تهيئة الظروف للتوفيق بين مهام الحياة المهنية والحياة الخاصة ، كى تستطيع المرأة اللحاق بركب العمل بشكل يفيد المجتمع اليابانى ككل ، ولذلك يوصى العديد من الخبراء بضرورة الحد من ثقافة العمل الزائد ،والتى تؤدى فى الكثير من الأحيان للظاهرة الشهيرة التى تعرف باسم «كاروشي» أو الموت بسبب ضغوط العمل الزائدة وهو الأمرالذى يتطلب إصلاحات أكثرجدية وصرامة من قبل الحكومة اليابانية.