تنطوى المنظومة الإلكترونية لامتحانات الثانوية العامة التراكمية على العديد من الايجابيات، ويؤخذ عليها أيضا العديد من السلبيات، وربما يكون الوقت الآن مناسبا للحوار بعد أن هدأت عواصف التجريب والاحتجاجات، وسوف ابدأ بالإيجابيات فى المنظومة الجديدة.. اولا: أكدت الوزارة أن ما يتم انجازه لأولى ثانوى هو منظومة امتحان إلكترونية ومنصة إلكترونية لمصادر التعلم بالتعاون مع بنك المعرفة، وليست نظاما تعليميا جديدا للمرحلة الثانوية، ولا تتضمن تطويرا للمناهج ولا طرق التدريس وهذا أمر جيد لبدء حوار موضوعي. ثانيا: كنت ومازلت من المؤيدين للتحول لنظام الامتحانات الالكتروني، وميكنة العملية الامتحانية برمتها، وبالتالى هذا توجه إيجابى للدولة ويجب دعمه. ثالثا: تطوير البنية المعلوماتية والشبكات فى المدارس الثانوية شيء إيجابى للغاية ومطلوب ليس فقط للامتحانات وإنما لميكنة المنظومة ككل. رابعا: توفير تابلت لكل طالب لتوفير مصادر التعلم من بنك المعرفة، وللامتحان عليه، هو أمر إيجابي، ويحمد للدولة رغم كل الصعوبات الاقتصادية التى تمر بها، مع التحفظ على الإجراءات المتبعة. خامسا: تغيير نمط الامتحانات والأسئلة لتقيس مهارات التفكير العليا، ولا تعتمد على قياس مهارات الحفظ والقدرة على التذكر فقط، بالاضافة للتصحيح الإلكترونى لتقليل تدخل العامل البشري، هى قرارات صائبة فى مجملها. أما عن سلبيات أسلوب التطبيق والحلول الممكنة لتلك السلبيات فهى تتضمن النقاط التالية: اولا: استيراد المنظومة الإلكترونية للامتحانات يجعلنا مديرين ومشغلين لها فقط، ولا نستطيع إنتاج نسخ أكثر تطورا منها، ويمكن تلافى ذلك بامتلاكنا كود المصدر من الشركات المنتجة له لكى يتسنى لنا تطويره بعد ذلك بأنفسنا. فضلا عن أن تطوير النظم الجديدة وخاصة الرقمية منها عادة (بل يجب) ان يتم بالتوازى مع وفى وجود النظام القائم، والذى يظل فى مكانه ويستخدمه كل المستخدمين لحين التأكد من انضباط النظام الجديد بعد اختباره على عينات ممثلة وليس على الجميع، أما عندنا فقد توقفت منظومة امتحانات أولى ثانوى الحالية تماما لصالح التجربة الجديدة، وادى ذلك الى توقف العملية التعليمية ذاتها طول العام بالنسبة لهؤلاء الطلاب ومنهم ابنتى وهم متضررون بشدة نتيجة لذلك. ثانيا: التجارب التعليمية التى لها آثار تربوية على الطلاب تختلف تماما عن تجارب منصات التواصل الاجتماعى او نظم التشغيل أو برمجيات نظم المعلومات، والتعامل معهما بنفس الأسلوب لا يصح خاصة أن البرامج الدراسية تخضع لخطط محددة الأهداف والتوقيتات والنتائج. كما ان بناء بنوك الأسئلة يستغرق وقتا وتدريبا طويلا جدا لكى يكون النظام متوافقا مع المعايير العالمية للتقويم الطلابي، وبالتالى لا يصح تطبيقه (كبداية) على مرحلة حاسمة كالثانوية العامة خاصة عندما يصاحبه مشروع الثانوية التراكمية والكتاب المفتوح أيضا، ويمكن تلافى ذلك باستخدام امتحان قومى موحد مثل الموجود حاليا الى حين بناء بنك أسئلة حقيقي، وذلك لضمان تكافؤ الفرص للطلاب، ولكى لا ندخل فى نزاعات قضائية. ثالثا: التصحيح الالكترونى له إشكاليات كثيرة تظهر عادة فى أثناء الاستخدام، ولا يجوز حسب رأيى أن نعتمد عليه كليا فى بداية التطبيق دون وجود آلية للتأكد، وربما تكون فورمة الإجابة الورقية (الشابلونة) هى تلك الآلية المطلوبة كمستند ورقى لإجابات الطلاب، ويتم تصحيحها آلياً باستخدام الماسح الضوئى أيضا كنسخة احتياطية لاستخدامها اذا دعت الحاجة لذلك، وهذا إجراء ضرورى جدا، ولا يستغرق تصحيح ورقة الطالب اكثر من ثانيتين فقط. رابعا: من الصعب جدا توفير تابلت لكل طالب من طلاب اولى ثانوى الى ما لا نهاية، واعتقد ان النية الحسنة لا تكفى هنا، والعالم ينفذ ذلك فى مراكز اختبار ثابتة، وليس فى تابلت شخصى مع الطالب الممتحن، وهو ما يمكن اتباعه بحفظ وتثبيت التابلت فى الديسك فى المدرسة لكى يستخدمه كل طالب لكل دفعة، وبذلك يكون لدينا بعد 3 سنوات تابلت لكل طالب فى كل المدارس الثانوية ولا نشترى بعد ذلك اَى جهاز. وهو ما يمكننا من إجراء الامتحانات وفق المعايير العالمية تحقيقا للعدالة وتكافؤ الفرص بين الطلاب. خامسا: لم تتوافر للتجربة ظروف الامتحان الفعلى حسب تصريحات الوزارة، ولذلك لا تعتبر تجربة حقيقية يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل، واعتقد أن ذلك سيؤثر فى القرار القادم لان الأمر لا يحتمل إخفاقا جديدا، والرأى ان تتم الامتحانات فى مايو ورقية، مع عقد امتحانين تجريبيين لكل الطلاب وليكن فى مقررين فقط، ولو لم تنجح التجربة يعاد الامتحانان ورقيا. فضلا عن انه لم يتم أى تقويم أو تقييم موضوعى من ناحية المعايير القياسية للامتحانات لكل مقرر على حدة للامتحان الاول الذى تم فى يناير الماضى من حيث معايير الصلاحية و الموثوقية والعدالة ونوعية الأسئلة او إجابات الطلاب او الاوبن بوك، للاستفادة منها فى التجربة الثانية، وعلى سبيل المثال فان الامتحانات المماثلة فى الدول الآخرى لها نسب محددة لكل نوع من أسئلة الامتحان لتقيس مهارة او هدفا تعليميا محددا، و منها مهارات التذكر والتفكير والتعبير وغيرها. سادسا: لا يصح من وجهة نظرى ان نرسل هذه الرسالة للطلاب ان الامتحانات ستقيس القدرة على التفكير والفهم فقط، وأنها لا ترتبط مباشرة بالمنهج الدراسي، وانه مسموح دخولهم بالكتاب (أوبن بوك) بغرض تخفيف الضغط النفسى عليهم، وهو ما أدى لان يتغير الطلاب 180 درجة للنقيض، وان تضعف همتهم فلا مذاكرة ولا دروس ولا أى شيء انتظاراً لمجهول لا يعرفونه، والظن عندى ان تغيير أسلوب المناهج وأسلوب التدريس وتدريب المدرسين لكى يكونوا مرشدين وكوتش للطلاب يسبق تغيير نمط الامتحانات. فضلا عن أن التعامل مع الطلاب على أنهم كلهم طلاب متفوقون سيعرفون كيف يتعاملون وستكون لديهم الرغبة والقدرة بنفس القدر على الاستفادة والاندماج فى نمط التعليم التفاعلى والذاتى هو افتراض لا اعتقد انه صحيح، وسوف يتضرر غالبية الطلاب من غير المتفوقين من هذا الافتراض غير الصحيح، والحل عندى أن يظل المنهج الورقى موجودا لكن نطوره لتحقيق كل الأهداف والتوافق مع منظومة الامتحان الجديدة، ويكون ذلك إلى جانب التابلت الذى سيكون موجودا فى المدرسة. لمزيد من مقالات د. أحمد الجيوشى