لقد اقتضت حكمة الله (عز وجل) أن يفضل بعض النبيين على بعض، وأن يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس، وأن يتخذ من عباده شهداء، ويجتبي منهم أهلين ومخلصين، وأن يخص بعض الأزمنة والأمكنة بمزيد من الفضل، على أننا ندرك أن فضل أي من الزمان أو المكان إنما يرجع إلى تفضيل الله له وما اختصه به، فلا تكون العبادة للزمان نفسه أو للمكان نفسه، إنما هي لرب الزمان والمكان والعباد جميعًا. ومن فضل الله على عباده أن قرن أوقات رفع الأعمال إليه سبحانه بأوقات الطاعات، وبلحظات مباركات، فثمة رفع يومي، وآخر أسبوعي، وحصاد سنوي، أما الرفع اليومي فيبينه حديث نبينا (صلى الله عليه وسلم): «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون»، وهذان الوقتان وقت صلاة الفجر ووقت صلاة العصر أولاهما الشرع الحنيف عناية خاصة، بقوله تعالى: «وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا»، ويقول سبحانه: «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ»، فقد ذكر كثير من المفسرين أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «من صلى البردين دخل الجنة»، والبردان هما صلاة الفجر وصلاة العصر، وأطلق لفظ البردين عليهما على سبيل التغليب كالعمرين على أبي بكر وعمر، والقمرين على الشمس والقمر، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، يعني: الفجر والعصر». وأما الرفع اليومي فيكون ليلة الجمعة عشية كل خميس، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ»، وهذا الرفع أيضًا مرتبط بيوم يستحب صيامه وهو يوم الخميس وليلة مباركة هي ليلة الجمعة. وأما الحصاد السنوي فهو في هذا الشهر الذي نعيشه شهر شعبان، حيث كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يكثر من الصيام في شعبان، فلما سئل عن ذلك، قال: «هذا شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم». غير أنه ينبغي على المؤمن أن يظل على حذر من أمر الخاتمة، ذلك أن من قبض على شيء بعث عليه، ولا يدري الإنسان متى يقضى أجله، ولا على أي شيء يقبض، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إن أحدكم أو الرجل يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها» (السنن الكبرى)، ولهذا كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فقالت له عائشة: إنك تكثر أن تقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك، فقال (صلى الله عليه وسلم) : «وما يؤمنني وإنما قلوب العباد بين أصبعي الرحمن إنه إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه» (مسند أحمد). لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف