فى العصرين المملوكى والعثمانى شهدت القاهرة وحدها حوالى 300 سبيل لمن لا يستطيع شراء الماء من السقاة وكان معظمها عبارة عن منشآت خيرية أسسها الأمراء والأغنياء لمنفعة الناس، وفى عام 1801 كون السقاءون لأنفسهم طائفة، وظهروا فى شوارع القاهرة، وحملوا «قرباً» من الجلد ذات خرطوم طويل من النحاس. هكذا قال ابراهيم عنانى عضو اتحاد المؤرخين العرب مشيرا إلى أن السقائين لعبوا دورا دوراً مهماً فى المحافظة على أمن مدينة القاهرة، ففى فترة غياب أى تنظيم متخصص لمقاومة الحرائق .. تقوم طائفة السقائين بدور فرقة من جنود المطافيء. و«السقا» هو من كان ينقل المياه من النهر فى «قربة» من جلد الماعز على حمار أو على ظهره ويمر على البيوت ينادى «يعوض الله» ويناديه من يريد المياه للدخول، ويقوم بوضع قربة الماء فى «زير» فخاري، ويتقاضى أجراً، لايتجاوز أكثر من مليمين، ولكى يحصل «السقا» على ثمن خدماته يكتفى غالباً بأن يسجل على باب من يتعامل معه خطوطاً بعدد «قرب» المياه التى أحضرها له، وأحياناً أخرى يستخدم عقوداً من الخرز الأزرق يسحب منها خرزة عن كل واحدة يحضرها له، وعندما تنتهى كل خرزات العقد .. يقوم السقا بتسوية حسابه مع عميله. وأضاف العنانى قائلا: عاشت مهنة السقا منظمة حسب قواعد دقيقة كما تشهد الدفاتر السنوية التى تحررها مراقبة الأسواق، ويولى المحتسب ومساعدوه تلك المهنة العناية الفائقة، خاصة أنها تؤثر على الصحة العامة تأثيراً مباشراً .. ويضطر «السقاءون» إلى أن ينزلوا النهر بعيداً عن الشاطئ وعن الأماكن الملوثة القريبة من المراحيض والحمامات ومساقى الحيوانات وكان محظوراً عليهم أن يخلطوا مياه الآبار بمياه النيل، وعليهم أن يجعلوا «قربهم» وجرارهم فى حالة نظافة تامة. فى عصر الجبرتى والحملة الفرنسية .. تطور نظام طائفة السقائين، وانقسم إلى طوائف متخصصة .. هناك ثمانى طوائف لهم، خمس طوائف تقتسم السقائين الذين يعبئون المياه من النيل لنقلها على ظهور الجمال أو الحمير .. وهؤلاء يمثلون مناطق باب اللوق، وأحياء باب البحر، وحارة السقائين وقناطر السباع .. وهذه الطوائف تتولى القسم الغربى من المدينة، ولقد سكن معظم السقائين فى المكان المعروف بكفر الشيخ ريحان فى عابدين والذى أطلق عليه «حارة السقائين» وظل هذا الاسم ملتصقاً بهذا المكان حتى نهاية القرن التاسع عشر. وظلت «مهنة السقا» من المهن الأساسية حتى جاء عصر الخديو إسماعيل الذى تم فيه مد المواسير، وحلت شبكة من الحنفيات، محل السبيل، ووضعت الشركة صاحبة الامتياز عند هذه الحنفيات موظفين مهمتهم الإشراف على توزيع المياه وتحصيل الثمن من المستهلكين، وبعد فترة اندثرت مهنة السقائين تماماً.