عرفت الدساتير عندما أدركت الشعوب أهمية وجود اطار حاكم للعلاقات بين البشر داخل المجتمع الواحدتحل محل الاعراف والتقاليد الحاكمة للعلاقات فى العصر القديم، وبالتالى يمكن تعريف الدساتير بأنها مجموعة القواعد التى تحدد الحقوق والواجبات للافراد والدول فى التجمعات البشرية، ولجأت الشعوب الى الدساتير فى القرن الثامن عشر وكانت أولاها الولاياتالمتحدةالامريكية التى أصدرت اول دستور عام 1789، وبعدها النرويج عام 1814، وتلتها فرنسا 1852، ثم تأتى مصر وأصدرت دستورها فى العام 1882 فى عهد الخديو توفيق، وكان بامكانها أن تكون قبل النرويجوفرنسا لولا رفض الاحتلال الانجليزى اصدار الدستور الذى بدأ العمل من أجله فى عام 1805، وحتى دستور 1882 الغاه الاحتلال، الذى لم تعرف بلاده دستورا حتى الان مكتفية بوثيقة العهد الاعظم التى صدرت عام 1215وهى اقدم وثيقة لكنها لم تتحول الى دستور كبقية الدساتير العالمية المعروفة، لكن إصرار المصريين كان دافعا لنصرهم فأصدروا دستور 1923 الذى إلغاه الزعيم مصطفى النحاس عندما قال مقولته الشهيرة : من أجل مصر أصدرت دستور 23 ومن أجل مصر ألغى دستور 23، وكان الإلغاء فى عام 1930 قبل أن يعود بعد عامين ويستمر حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952، وقبل الاستطراد فى تاريخ الدساتير العالمية وماجرى عليها من تعديلات دورية ليس فى بلد واحد وانما فى بلدان عديدة بلغ عددها اكثر من خمسين مرة، يجب التوقف امام حقيقة محورية، وهى أن الدساتير ليست كتبا منزلة من السماء حتى تأخذ قدسية الكتب السماوية التى أتى بها الرسل، وإنما هى قواعد قانونية اتفق البشرعلى صياغتها لتكون إطارا لتعاملاتهم، وفصلا بين سلطاتهم يحتكم اليها حال نشوب اى خلاف بين القوانين، أوتعد على حقوق الافراد التى أقرها الدستور، ورغم ذلك لم يحظ دستور واحد بالتوافق التام على مواده، فهناك دائما مجموعة معارضة لهذا البند او ذاك او لهذا الدستور كله جملة وتفصيلا، لكن الاقتراع عليه يمنحه الشرعية ويصبح تطبيقه قانونيا بالاغلبية، ومن هنا ظهر مصطلح دولة القانون باعتباره الحاكم الاول للعلاقات بين الافراد، او بينهم وبين السلطة، ومع تسارع الاحداث والتطورات واتساع جغرافية الدول وكثرة عدد سكانها ، جرت فى النهر مياه كثيرة تتطلب تعديلات فى الدساتير لتواكب الحراك الوطنى فى كل بلد حسب ظروفه، فظهرت التعديلات الدستورية التى ازالت عن الدساتير لقب المقدس، لانه من صنع البشر وبالتالى يتطلب تدخلا من المشرع بين الحين والآخر لتلبية الاحتياجات ومواكبة الدستور للتطلعات وقبل التوقف امام الشأن المصري، نذكر بأن امريكا عدلت دستورها 27 مرة، اولها بعد عامين فقط من سريانه، حيث اضافت اليه عشر مواد، وفرنسا التى أخذت عنها دول عدة، غيرت دستورها وعدلته 15 مرة، وتصدرت النرويج قائمة التعديلات فى العالم بعدما عدلت دستورها 53 مرة، وروسيا بكل مسمياتها اصدرت ست دساتير اولها 1905 أدخلت على الدستور الذى اصدرته عام 1936 نحو 30 تعديلا، ودستور1977عدل ست مرات ودستور 1993 عدل اربع مرات، ورغم حداثة دستور الصين الذى صدر عام 1954 فإنه تعرض للتعديل ست مرات آخرها العام الماضي، وهاهى المانيا التى اصدرت دستورها عام 1949عدلته 36 مرة اخرها 2017، ونأتى الى مصر التى اخضعت دستورها الصادر فى يناير 2014 لتعديل فى بعض المواد فى ابريل من عام 2019، سنجدها من أقل الدول تعديلا لدستورها، فالدستور الاول ألغى بعد عامين، والثانى عمل به من عام 1923 الى 1952 - من بينهما عامان جمد فيهما - وجاء الاعلان الدستورى عام 1953 ليستمر حتى عام 1956 الذى شهد صدور دستور جديد لكنه سرعان ما عدل بسبب الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، واستمر حتى عام 1964، وجاء دستور 1971 الذى عدلت بعض مواده عام 1980 وفى عام 2005 عدلت المادة 76 الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، ومن هنا تبدو عملية التعديل مواكبة لحراك سياسى او شعبي، وليس من اجل التغيير، وهاهى التعديلات التى طرأت على دستور 2014 ، تؤكد أن الدساتير تخضع لعوامل الزمن ومتغيرات المراحل السياسية والاجتماعية وفئات المجتمع تأصيلا للقاعدة التى تقول إن التغيير سنة الحياة، إذ بات لزاما أن تستفيد مصر من ثروتها البشرية التى تخطت المائة مليون نسمة، لتستأنس برأى أصحاب الخبرات من خلال اعادة مجلس الشورى الذى كان قرار إلغائه خطأ وجب تصحيحه، كما أن المرأة التى باتت شريكة الرجل فى كل المواقع تستحق تمثيلا واقعيا لها فى المجلس النيابي، وكذلك الإخوة الاقباط والعمال والفلاحون والمصريون بالخارج وذوو الاحتياجات الخاصة، فضلا عن أن الواقع أكد أن مدة الرئاسة المحددة بأربعة اعوام قليلة ولاتسمح بتحقيق خطة خمسية على الاقل ، لكل هذا كان التعديل ضروريا من أجل استقرار الوطن. لمزيد من مقالات أشرف محمود