لأن «أمنا الغولة التى طقطقت الفولة«و«الديب الذى يطارد ذات الرداء الأحمر» أو الساحرة الشريرة التى تدبر المكائد للجميلة «سنوهوايت» باتت من مخلفات عصر سحيق لا يستثير خيال أطفال أو مراهقى الألفية الثالثة، أغرقتنا هوليوود بسيل من الأفلام عن غزاة من فضاء خارجى ومخلوقات فضائية يتعلق بها الصغار ويودعونها والدموع تترقرق فى أعينهم،أو بحكايات عن ثورة الروبوتات واحتمالات أن تتسيد بإمكاناتها سيدها، أو بمعنى أصح الإنسان الذى اخترعها..!! الغريب أن الحاجز بين الواقع والوهم الذى خلقته هذه الأفلام والروايات سقط للدرجة التى بات يصعب التفرقة بينهما، خاصة بعد التطور غير المسبوق فى علم الحواسب وظهور أجيال متطورة تؤدى كثيرا من المهام المعتادة للبشر، وتصميمها أحيانا على صورة الإنسان كالحسناء صوفيا وقرينتها الآسيوية- أول مذيعة روبوت فى اليابان- ، و«زانج زاو» أول مذيع آلى يقدم نشرات الأخبار فى الصين!! .. وعلى مدار الأسابيع الماضية عرضنا لحالة الانبهار بتطبيقات الذكاء الاصطناعى وتطلعات الإنسان لاستغلالها لتعفيه من مهام الحياة اليومية، والمخاوف التى سيطرت على البعض خشية أن تنقلب الآية، فيصدر الروبوت أوامره لإنسان، فى عبوديته له لا يملك إلا الطاعة!!.. ولكن بعد سلسلة طويلة من الأبحاث والجدل الذى شغل المتخصصين وشارك فيه العامة حول هذه الاحتمالية التى ثبت عبثيتها، انتقل النقاش لمرحلة مختلفة، أساسها التفرقة بين قدرات الذكاء البشرى والاصطناعى للوصول لصيغة تحقق أقصى فائدة ممكنة منهما.. وبالانتقال لهذه المرحلة والتأكد من أن الحواسيب مهما بلغت درجة إتقانها للمهام الموكلة إليها تفتقر لمفردات خيال الإنسان وإبداعه وضميره، التى مكنته من صياغة القوانين وتعديلها طبقا للمتغيرات واكتشاف العقاقير وأساليب علاج الأمراض المستعصية وإطلاق العنان لخياله ليبدع الفنون، تم طرح نوعية جديدة من الأسئلة على طاولة البحث من قبيل، تحديد طبيعة الأعمال التى يتم توظيف الروبوت فيها، والمخاطر التى تنجم عن سوء استخدامه من خلال برامج تؤدى للتمييز ونشر الكراهية خاصة فى مجال الإعلام أو المجالات التى تعتمد على تحليل الخطاب كالمنظمات الدولية، والقوانين والضوابط التى تضمن عدم إساءة استغلال المعلومات الشخصية وآليات تحديد المسئولية عن أنظمة الذكاء الاصطناعى وضمان المساءلة عن نتائجها. وفى هذا الإطار أعلنت المفوضية الأوروبية فى الأسبوع الماضى إطلاق مشروع تجريبى يهدف لاختبار ومناقشة مشروع القواعد الأخلاقية لتطوير وتطبيق تكنولوجيات الذكاء الاصطناعى المرتكز على الإنسان للتأكد من صلاحيتها وإمكانية تطبيقها على ارض الواقع. والمشروع يعد استكمالا لمسودة المبادئ الأخلاقية التى نشرتها هيئة مؤلفة من 52 خبيراً من مختلف القطاعات الصناعية والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني- تابعة للمفوضية الأوروبية- فى الصيف الماضى،بهدف جمع التعليقات والآراء للوصول لإجماع دولى حول القواعد والآليات التى يتم من خلالها توظيف البشر للذكاء الاصطناعى والتوافق على مبادئ أخلاقية تحدد المتطلبات الأساسية لتقنيات التعلم الآلى والقوانين واللوائح التى تتمحور حوله، وتتمثل هذه المتطلبات فى عدة نقاط منها: توظيف أنظمة الذكاء الاصطناعى لدعم حقوق الإنسان وعدم تقليل أو تقييد الحقوق الأساسية أو التضليل، وأن تكون البرمجيات آمنة وموثوق بها للتعامل مع الأخطاء والتناقضات خلال جميع مراحل دورة حياة أنظمة الذكاء الاصطناعى، وأن يتمتع المواطنون بالسيطرة الكاملة على بياناتهم الخاصة، وضمان عدم استخدامها لإلحاق الأذى بهم أو التمييز ضدهم، وضمان إمكانية تتبع أنظمة الذكاء الاصطناعى، ومراعاة القدرات والمهارات البشرية بما يضمن عدم تعطيلها، وأن يُستخدم الذكاء الاصطناعى لتعزيز التغيير الاجتماعى الإيجابى والمسئولية البيئية، مع وضع آليات لضمان المسئولية والمساءلة عن أنظمة الذكاء الاصطناعى. ولقد علق نائب رئيس السوق الرقمية الموحدة «أندروس أنسيب» على المشروع بأنه ميزة تنافسية لأوروبا، وقالت مفوضة الاقتصاد والمجتمع الرقمى «ماريا جابرييل» إنه أساس قوى لمناقشات دولية حول توظيف الإنسان للذكاء الاصطناعى. والآن ماذا عنا؟ هل سنطرق أبواب المرحلة الجديدة لنلحق بالركب أم سنكتفى بخيالات سينمائية وبعبودية وانبهار بآلة صنعها الإنسان ؟!.. لمزيد من مقالات سناء صليحة