أيهما تفضل، طبيبا يتعاطف معك ويتمتع بصبر أيوب ليحاول تهدئة مخاوفك والإجابة عن أسئلتك وشرح مراحل علاج وأسباب تناول عقاقير، على الرغم من تأكده انك لن تستوعب معظمها بسبب القلق وعدم دراستك للطب، إدراكا لحقيقة أن العلاقة بين الطبيب ومريضه وتوازن الثانى نفسيا جزء من بروتوكول العلاج، أم أداة حاذقة تقوم بالمهمة فى صمت ولا تعير أسئلتك أو مخاوفك أدنى اهتمام، فتتركك فريسة لهواجسك؟! أيهما أفضل، قاضيا لديه القدرة على قراءة ما بين السطور ويدرك أن وراء نصوص القانون التى صاغها البشر روح القانون ومتغيرات تتطلب تعديل القوانين لتحقيق العدل، وفى سبيل ذلك يحتاج لوقت أطول لدراسة كل قضية والإلمام بجميع جوانبها، أم قاضيا آليا يجمع البيانات ويتخذ القرار بسرعة طبقا لنصوص القانون والأحكام السابقة التى يختزنها فى ذاكرة إلكترونية؟! السؤالان السابقان نموذج لبعض من القضايا التى بات يثيرها الاندفاع المحموم والانبهار بتطبيقات الحواسب الآلية، خاصة الإنسان الآلى أو الروبوت كما يطلقون عليه، الذى تصور البعض فى غمرة حماسهم انه البديل المستقبلى الذى سيضع الإنسان بكل قصوره وسوء أدائه على الرف، ليحل محله فى كل شىء «الروبوت المعجزة!!» ففى هذا السياق ظهرت تساؤلات عن تأثير تطبيقات الذكاء الاصطناعى ليس فقط على مواثيق وقواعد مهن بعينها، كالطب والقضاء والإعلام والتدريس، يعد التواصل الإنسانى والبعد النفسى فيها من الأساسيات، بل أيضا حول ما قد تؤدى إليه هذه الممارسات من تغيرات فى طريقة تفكيرنا واتخاذنا القرارات، وفى منظومة القيم والعادات التى تشكل هوية الإنسان ككل!!. فالسؤال الأول الذى تصدر السطور السابقة يطرح بطريقة غير مباشرة جانبا من الجدل المثار حاليا حول المساحة التى يجب أن تشغلها تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى حياتنا وسقف تطلعاتنا وطموحاتنا لما يمكن أن تقدمه هذه التكنولوجيا وإذا ما كانت ستلغى الإبداع البشرى أو كانت فوائدها تعوض ما نفتقده بغياب التعاطف والتفاعل بين البشر، يوم أن نختارها بديلا عن التواصل مع البشر!!.. وبينما لا يشغل البعض إلا المحصلة النهائية للعمل وإتقانه أيا من كان، بغض النظر عن الجانب الإنسانى - مثل جراح القلب البروفيسير ستيفن وسبى فى كتابه « حكايات الموت والحياة على طاولة غرفة العمليات» الذى عبر فى سياق حديثه عن تجاربه عن مفهوم مشابه بقوله «إن المريض لا يحتاج لطبيب يتعاطف معه ولكن لطبيب يدرك ما يعانيه المريض ويحتفظ بمسافة كافية بينهما تجعله قادرا على مساعدة مريضه» -، يؤكد البعض ضرورة مراعاة البعد البشرى فى المعادلة والتفرقة بين قدرات الذكاء البشرى والاصطناعى ومحصلة أداء كل منهما للوصول لصيغة تحقق أقصى فائدة من خلال حسن توظيفهما. عند هذا الحد لابد أن نتوقف أمام الفرق بين العقل البشرى أو«الذكاء البشرى» والاصطناعى طبقا لتوصيف العلماء لكل منهما..فالطفل يمكنه التعرف على القطة بمثال أو مثالين فقط فى حين يتم استخدام كم لا حصر له من صور القطط لبرمجة الكمبيوتر للتعرف عليها !!.مع ذلك لابد أن ندرك أن السرعة الفائقة فى عملية فحص وتنظيم البيانات واسترجاعها تعد أهم عوامل الانبهار بالكمبيوتر. وبالتالى فإن الذكاء الاصطناعى المتاح فى الوقت الحالى ضيق، بمعنى أن قدرته تتمثل فى أداء مهامه المحددة مسبقا فقط. بل إن المهام التى يؤدى فيها الذكاء الاصطناعى أداءً أفضل من البشر، لا تتحقق فيها بالضرورة النتائج التى يتوصل إليها العقل البشرى. وعند هذه النقطة تحديدا يفرض مفهوم الكفاءة نفسه على المعادلة.. «فالكفاءة» قيمة يعتمد تقييمها سلبيا أو إيجابيا على النتائج النهائية لأى مهمة. وبالتالى علينا ألا نغفل فى غمرة حماسنا سرعة تطبيقات الذكاء الاصطناعى المشكلات الكارثية، التى تقع فى عملية الترجمة مثلا!!، نتيجة الاستسلام بلا قيد ولا شرط لآلة جهنمية صنعها البشر، ثم قرر البعض اتخاذها بديلا لعقولهم.. وللحديث بقية.. لمزيد من مقالات سناء صليحة