استرخى على المقعد وأغمض عينيه مطلقا لخياله العنان بعد أن قرر أن يوظف «تحويشة» العمر فى اقتناء سيارة ذاتية التحكم و«ربوت» منزلى يخلصانه من منغصات وجهد ومشكلات التعامل مع البشر، بدءا من قيادته بنفسه سيارته ثم الاستعانة بسائق لا يكف عن المطالبة برفع أجره رغم الحوادث والمخالفات التى يرتكبها ويتحملها هو مرغما بصفته مالكا للسيارة، وصولا لزوجته الشكاءة البكاءة التى حملت حقائبها ورحلت بوصول الربوت الذى اختار ألا يمنحه اسما أو هيئة بشرية،- مثل جدته الجميلة صوفيا وقرينتها اليابانية الساحرة خشية أن تنازعه النفس الأمارة بالسوء فيقع فى غرامها!!،- ليظل مجرد آلة تقوم بمهام محددة دون اقتحام لخصوصيته أو «زن» أو نفقات إضافية!!. بعد انتهاء جولته بالسيارة التى قادت نفسها بنفسها بفضل البرامج المزودة بها وانتهاء مهامه التى تولى أمرها بالكامل «روبوتات» على كل شكل ولون، عاد لمنزله ليجد جرعات دوائه بجوار وجبة أعدها الربوت طبقا لإرشادات الطبيب، بعد انتهائه من التنظيف والغسل والمسح والكى.. قبل أن يمد يده للطعام سارع الروبوت لقياس ضغطه وسرعة نبضات قلبه والسكر وبعدها حقنه بالجرعة المناسبة من الأنسولين .. عندما استيقظ من قيلولته وجد بجواره قدح الشاى الذى أعده «الربوت» طبقا للتوقيت الذى برمجه عليه .. فى الأمسية تابع «الربوت» فى صمت إعداد الميزانية وقائمة طلبات البيت وترتيب الملابس فى خزاناتها وتغيير البرامج على الشاشات، التى حلت محل الصور العائلية واللوحات على جدران البيت، للترفيه عن صاحب الدار وإبعاد الملل عن نفسه .. قبل أن يأوى لفراشه ضغط على عدة أزرار لتغذية «الروبوت» بنتائج تحاليل وفحوصات «ربوت»المستشفى وتحديد مهام «الروبوت»المنزلى فى اليوم التالى وموعد عودته للعمل فى الصباح .. تثاءب وقال «يا لها من سعادة!!».. قبل أن يتلاشى آخر شعاع ضوء ينبعث من هيكل الربوت تردد فى فضاء الحجرة صوت يهمس «تفتكر؟!.. ربما!!». قد تبدو السطور السابقة مجرد خطوط عريضة لقصة من الخيال العلمى أو نبوءة مجنونة أو فكرة فلسفية لم تتبلور، حيث إن كل العناصر التى وظفها بطل الحكاية لتسيير حياته لم تصلنا بعد، لكن كل ما سبق أصبح واقعا فعليا حولنا، وإن اختلفت تفاصيله من شخص لآخر ومن منطقة لأخرى، يطرح أسئلته وقضايا فرضها زمن جديد بطله الذكاء الاصطناعى!!.. فالحواسب الآلية بأشكالها المختلفة، التى تظهر ابسط تجلياتها فى بلادنا فى تقليص تعاملاتنا البنكية مع العنصر البشرى وتحول معظمنا لماكينات الصرف الآلى للحصول على النقود والرواتب وتسديد الفواتير وحتى دفع التبرعات، باتت تشغل حيزا أكبر وأوسع انتشارا فى مناطق من العالم يطلقون عليها دولا متقدمة وأخرى صاعدة، لتحل محل العنصر البشرى فى جميع المجالات العامة وحتى فى البيوت!!. فلم يعد من الغريب أن يستعين البعض «بالروبوت» للقيام بالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال والمسنين!!..وفى خضم الانبهار بإمكانات الآلة العجيبة لجعل الحياة أكثر يسرا والاندفاع بكل قوة للاستغناء عن العنصر البشرى لتحل محله حتى فى الأعمال التى اعتدنا أن نطلق عليها إبداعية كالكتابة والترجمة وغيرها، توقف مفكرون وخبراء فى علم النفس والاجتماع أمام الظاهرة لرصد تداعياتها المجتمعية والأخلاقية. فى هذا السياق يتم طرح أسئلة جديدة من قبيل، «هل يأتى زمن يصبح فيه الإنسان تابعا يدين بالولاء للسيد «ربوت» القادر على أداء المهام بحرفية وإتقانها بمهارة؟!هل الاعتماد على «الروبوت» وتوظيف الذكاء الاصطناعى فى المهام اليومية يُفقد الإنسان مهارته ويعطل ملكة تفكيره؟! بما أن تطبيقات الذكاء الاصطناعى تتميز بسرعة ترتيب المعلومات واستخلاص النتائج دون تحيز، هل يمكن أن يحل الربوت مكان القضاة فى ساحات المحاكم؟! وماذا عن جوهر العدل والقيم المعنوية التى تحكم أداء البشر؟ هل يفرض زمن الروبوت مواثيق شرف ومنظومة ثقافية واجتماعية تختلف عن تلك التى عرفتها البشرية فى زمن ما قبل الرقمنة؟!» وللحديث بقية .. لمزيد من مقالات سناء صليحة