الأساس فى العلاقة ما بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة وإسرائيل هو صيغة التحالف الذى قد يعتريه البرود أحيانا، لكنه يحافظ على استمراريته فى كل الأحيان وازدهاره فى أغلبها .فالعلاقة تشهد حاليا حالة من الدعم «المطلق»، بدون أدنى مراعاة للتوازنات الإقليمية والدولية، من جانب الجمهورى دونالد ترامب، على النقيض من التحفظ الشديد لسلفه الديمقراطى باراك أوباما فى مؤازرة تل أبيب. لكن قبل هذا كله كان هناك عدد من المحطات الأساسية المؤثرة. اللافت أن بداية قصة التحالف الأمريكي-الإسرائيلى كانت بفشل الكونجرس الأمريكى عام 1944 فى تمرير قرارين بدعم قيام دولة يهودية على أراضى فلسطين. وكان سبب ذلك المخاوف الداخلية من تأثير هذه الخطوة على موازين القوى خلال فترة الحرب العالمية الثانية، واستعداء العالمين العربى والإسلامي. لكن المخاوف تم تجاوزها، وكان ل«عامل الانتخابات» الفضل فى ذلك، وهو أحد العوامل الموجهة لمسار التحالف لعقود تالية. فعقب دعم قرار الأممالمتحدة بتقسيم أراضى فلسطين فى نوفمبر 1947، خالف الرئيس الديمقراطى هارى ترومان تحفظه السابق واعتراضات بعض عناصر إدارته وتحديدا وزير خارجيته جورج مارشال، بإعلانه أول اعتراف بالمحتل الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية عام1948، والذى صادف الانتخابات التى خاضها ترومان للفوز بولاية ثانية. أعقب تلك البداية المدوية، فترة «برود» فى العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية، فقد عارض الرئيس الأمريكى دوايت إيزنهاور العدوان الثلاثى على مصر بمشاركة إسرائيل مع فرنسا وإنجلترا،خوفا من المد السوفيتى بالشرق الأوسط قبل الحرب الباردة. واستمر الفتور خلال سنوات الرئيس جون كنيدى المعدودة فى الحكم. مرحلة التقارب الثانية، بدأت مع صعود الديمقراطى ليندن جونسون، الذى وصفه مؤرخون بأنه «الصديق الذى لم تجد إسرائيل أفضل منه»، فكان أول رئيس أمريكى يستقبل رئيس وزراء إسرائيليا فى زيارة رسمية . وزاد من مبيعات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل ليصبح المصدر الرئيسى لسلاحها بعد تخلى فرنسا عن اللقب. والأهم، أن فى عهده تم صك مبدأ» التفوق العسكرى النوعي» لإسرائيل بين جيرانها بالشرق الأوسط، والذى التزمت به الإدارات المتوالية من حينها. ورغم شكوك الجمهورى ريتشارد نيكسون فى ولاء اليهود داخل مؤسسات الحكم الأمريكي، إلا أن إدارته كانت من أقوى مؤيدى تل أبيب. أما الجمهورى جيرارد فورد، الذى تركزت سياسته إزاء إسرائيل على دعمه لحركة «الحرية من أجل اليهود السوفيت» وهو ما شكل له أرضية قوية بين يهود أمريكا، ووراثته كيسنجر كوزير خارجية، الذى عارض تعنت إسرائيل فيما يخص مفاوضات الانسحاب من أراضى سيناء. وهو ما أدى إلى تفجير«أزمة مراجعة العلاقات» والتى تخللها تعليق مساعدات وصفقات سلاح لإسرائيل لمدة ستة أشهر كاملة وحتى تدخل مجلس الشيوخ بفضل ضغط اللوبى اليهودي. وتعتبر ولاية الجمهورى رونالد ريجان من أهم محطات العلاقات الثنائية، حيث تخللها توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجى عام1981، ومنح إسرائيل مكانة «حليف من خارج حلف الناتو» عام1989، فضلا عن تحرير التجارة بين الجانبين منذ 1985. فى عهد ريجان، أصبحت الشركات الإسرائيلية لها حق نظيرتها الأمريكية فى طرح عطاءات بمشاريع وزارة الدفاع الأمريكية . إلا أن العلاقات توترت بفعل تهديد إسرائيل بضرب المفاعل النووى العراقي، ورفضها خطة ريجان لإنهاء الحرب فى لبنان،وبدء المباحثات الأمريكية مع منظمة التحرير الفلسطينية. أما إدارة الديمقراطى بيل كلينتون، فشهدت ولايتها الأولى تقاربا فى الرؤى مع حكومة إسحاق رابين، و تم توقيع اتفاقيات أوسلو حتى كاد أن يحقق بالفعل حلم السلام الإقليمي، حيث منح كلينتون تل أبيب أول عقوبات على البرنامج النووى الإيراني. لكن تبدل الحكومات وهبوط بنيامين نيتانياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية دفع بالتعاون إلى طريق مسدود. ومع انطلاق الحرب على الإرهاب فى عهد بوش الأبن، كان هناك اتهامات للإدارة الأمريكية بإضعاف التحالف التاريخى مع إسرائيل، فى سعى لتدعيم التحالف مع دول الشرق الأوسط فى حروبها بالمنطقة. ويلاحظ أن الحرب ذاتها ضد الإرهاب كانت وراء إطلاق ما سمى ب «خطة الطريق»، وذلك لأن التصدى للقضية الفلسطينية على أساس حل عادل بقيام الدولتين كان قد تم تشخيصه كأحد العلاجات لحركة تصدير الإرهاب من الأقليم إلى الغرب. ولكن فى كل المقاربات لم يأت رئيس جمهورى أو ديمقراطى بموقف يتجاوز تماما فكرة «الدولتين» إلا فى عهد ترامب الذى قدمها كهدية خاصة للمشروع الإسرائيلي. ويعوض عن حالة التوتر الشديد التى دامت خلال ولايتى سلفه أوباما وبلغت حد احتجاج نيتانياهو أمام جلسة مشتركة للكونجرس الأمريكى على رعاية أوباما لاتفاقية 2015 النووية مع إيران.