الانتقال من نظام تعليمى عقيم يقوم على التلقين، إلى آخر يؤسس للإلمام بمبادئ التعلم والاستيعاب، أمر شاق ومجهد، لاسيما إذا كان نظام التلقين استمر لعدة عقود، وهى فترة زمنية طويلة جدا، كفيلة باستقراره، بشكل أظهر سلبياته الكاملة، حتى تشوهت معالم المنظومة التعليمية تماما، وأضحت الدروس الخصوصية بكل سوءاتها أحد أخطر آثاره الجانبية، وما مثلته من ضغط كبير على كاهل الأُسر المصرية. لذلك قُوبلت فكرة التطوير بردود فعل مناهضة، وهذه من سمات التطوير، وأكثر من عارض التطوير كانوا المستفيدين من المنظومة البالية القديمة، كل ذلك معروف ومفهوم. خاصة أن المنظومة الجديدة للتعليم تقضى تماما على مافيا الدروس الخصوصية، فلا يوجد مُدرس واحد يستطيع أن يتوقع الامتحان واضعا لطلابه إجاباته، ومن ثم بات على الطلاب التدريب على المنهج العلمى بإطار مختلف يقوم على استخدام بنوك المعلومات والتدريب على حل الأسئلة بمفردهم، ومع استخدام التابلت بتقنيته، أصبح متاحا للطالب أن يؤدى امتحانه فى أى وقت بدءا من الساعة التاسعة صباحا وحتى التاسعة مساءً فى أى مكان، رغم أن الوقت المحدد للامتحان هو ساعة، يتم حسابها منذ لحظة تسجيل دخوله. كل ذلك يؤكد أن المنظومة الجديدة تعمل وفق فكر متطور مغاير تماما لما سبق، إلا أننا بصدد التحدث عن بعض النقاط السلبية، ومبعث حديثنا، ليس النقد لمجرد النقد، ولكنه بهدف تصويب ما يعترى المنظومة الجديدة من عوار، قد يصيبها بدرجة تُقلل ثقة الناس بها. دعونا فى البداية نوضح أن طريقة استيعاب الأسر لمنظومة التعليم الجديدة متفاوتة، فجميعهم لا يملكون رفاهية التعامل مع الانترنت بنفس الدرجة، سواء من حيث المعرفة أو التعاطي، أضف على ذلك أن هناك الكثير منهم، لظروفهم المادية، لا يوجد فى منازلهم إمكانية التواصل مع الانترنت، بما يعنى أن البديل الأمثل لعدد غير قليل من الطلاب أن يكون التواصل مع الانترنت المجاني، من خلال المدرسة، وهذه النقطة تحديدا، رغم عدم الولاية الكاملة لوزارة التربية التعليم عليها، إلا أنها وعدت بتوفيرها، ومع هذا هناك عدد غير معلوم من المدارس، لا تتواصل مع شبكة الانترنت فى أماكن متفرقة من المحروسة. أما النقطة الثانية، فهو ما حدث يومى الأحد والاثنين الماضيين، حينما وجد طلاب الصف الأول الثانوى صعوبة فى الولوج للموقع الخاص بالامتحان، المقرر له ساعة، رغم أن الوقت المتاح للدخول عليه هو 12 ساعة! ومنهم من لم يستطع الدخول لتأدية الامتحان طوال ال 12 ساعة، وسمعنا كلمة السر: «السيستم واقع»، سمعناها فى عديد من الجهات، كمبرر لتوقف العمل، خاصة أنها, «الجهات», أعلنت أنها تطورت وأصبحت تتعامل وفق نظام الكترونى للتسهيل على الناس!, إلا أن الأمر مع وزارة التربية والتعليم، كان متوقعا أن يأخذ منحيً آخر، ولكنه لم يحدث، وأياً كانت المبررات التى سيقت لتهدئة الناس، إلا أنها لم تُعجب البعض، ممن آمل أن تفى الوزارة بوعودها وتصدُق رؤيتها. لأن ما حدث يوم الأحد الماضى من توقف للسيستم وما أعقبه من تصريحات تؤكد بعدم تكراره، وبتلافى هذا الخطأ، تكرر يوم الاثنين أيضا، حتى أعلنت الوزارة إيقاف منصة الامتحانات الخاصة بالصف الأول الثانوى لاستكمال ضبط المنظومة، ومراجعة المكونات التكنولوجية بالمدارس، وهم ما وُجه بردود فعل غاضبة. لأننا كتبنا من قبل فى أكتوبر الماضى، بداية العام الدراسى الحالى، مؤكدين ضرورة وجود بنية أساسية قوية وسليمة، فى كل المدارس، وطالبت وغيرى كثير بأهمية وجودها، حتى نرى تطورا فاعلا وشاملا، كانعكاس حقيقى للرؤية التى أعلن عنها وزير التربية والتعليم، والتى ساندناها و دعمناها بقوة، لأنها تبنى لمنظومة تعليمية محترمة، تؤسس لجيل مختلف، يستطيع من خلالها العبور بمصر لأُفق متميز فعلا و ليس قولاً. ولكن يبدو أن الرياح أتت بما لا نشتهيه، فحتى الآن، هناك خلل ما، فقد تأخر تسليم التابلت عن موعده المحدد، ومن ثم خرجت تصريحات الوزارة لطمأنة الناس، بأن هذه السنة الصف الأول الثانوى صف تجريبى فقط، ولا تُضاف درجاته لدرجات المرحلة. وحينما انتظر الناس مشاهدة بشائر التجربة التى روجت لها وزارة التربية والتعليم، حدث ما شاهدناه جميعا، ولا ضير أن تُكتشف المعوقات ونحن فى طور التجربة لتصويبها، ولكن الضير على تكرار هذه المعوقات. نعود ونكرر، أننا بصدد منظومة تعليمية جديدة، لم يألفها الناس، تحتاج لبنية تكنولوجية قوية، لابد من الاعتناء الكامل بها، واضعين فى الاعتبار امتلاك كل عناصر الدقة والحرفية المطلوبة لوجودها و ترسيخها، وهم ما يبدو أنه لم يحدث بالشكل المأمول. أتمنى من الوزارة، أن تتريث فى تصريحاتها المؤكدة من خلالها أن المنظومة تعمل بشكل تام، ولا يوجد ما يشوبها من معوقات، وأن تأخد وقتها اللازم للتيقن التام من سيرها بالانضباط المطلوب. وأن يصبر الناس دون أن يعتريهم القلق على أبنائهم، لاسيما أنه تم التأكيد عليهم أن الصف الأول الثانوي، هو صف تجريبي، بما يعنى أننا فى مرحلة التجريب، و لم نبدأ بعد مرحلة العمل الجاد، وهى لن تتأخر كثيرا. [email protected] لمزيد من مقالات ◀ عماد رحيم