ترى ياسمين على باهى بروان، الكاتبة البريطانية المرموقة, أن هناك كثيرا من «دموع التماسيح» المنهمرة على ضحايا مذبحة مسجدى مدينة كرايستشيرش فى نيوزيلندا, لكن بعد أن تُذرف دموع الحزن على القتلى، ويتم التحذير لبعض الوقت من نمو اليمين القومى المتطرف فى الغرب والتنديد بالعداء المتزايد للإسلام، ستعود الأمور إلى مجراها الطبيعى دون أن يسأل أحد: من المسؤول عن تزايد جرائم الكراهية ضد الإسلام والمسلمين؟. بالنسبة لبروان، الكاتبة فى صحيفة «إيفننج ستاندرد» البريطانية فإن الكثيرين فى بريطانيا والعالم، من سياسيين وصناع رأى ومثقفين واعلاميين، متواطئون. ففى النقاش العام، حتى عندما يكون المسلمون هم الضحايا دائما ما ترد, بعد تعبيرات الإدانة المستهلكة، استطرادات أخرى من بينها «لكن المسلمين يتحملون مسؤولية أيضاً» عن الكراهية التى يتعرضون لها». وزير الخارجية البريطانى السابق بوريس جونسون لم يعتذر عن وصفه المنقبات ب«صناديق بريد متحركة» أو «لصوص البنوك». صحفيون فى الصحف اليمينية مثل «ديلى ميل» و«ذى صن» لا يتورعون عن ذكر «ديانة» المتهم أو «عرقه» فى الجرائم المتورط فيها مسلمين - بريطانيون أو مهاجرون ولاجئون. هذه «اللغة السامة» التى تتعمد أن تُحط من شأن معتقدات معينة أو طريقة الملبس، أو التفكير ليست حرية رأى وتعبير بل عنصرية، كما يرى كثيرون فى بريطانيا من بينهم هارون خان، الأمين العام للمجلس الإسلامى فى بريطانيا. ويوضح خان ل«الأهرام» أن طلب المجلس وغيره من الهيئات الإسلامية من الحكومة البريطانية زيادة التمويل لتأمين المساجد دليل على «الاحساس الواضح بالخوف» لدى مسلمى بريطانيا وغالبيتهم مواطنون فى هذا البلد منذ عقود إن لم تكن قرونا. ولا عجب، فقد تزايدت جرائم الكراهية فى بريطانيا 40% عام 2018. وكانت هناك 94 ألف شكوى من جرائم كراهية مرتبطة بالمعتقد الدينى، 52% من هذه الشكاوى كانت خاصة بجرائم ضد المسلمين. لقد ُصدم العالم بمذبحة المسجدين فى نيوزيلندا، لكن كثيرا من مسلمى بريطانيا والغرب، لم يفاجأوا تماماً. ففى خطاب كتبه العشرات من الأكاديميين المسلمين والقادة الدينيين من بريطانيا وفرنسا وأمريكا والسويد وبلجيكا وهولندا وكندا ضمن دول أخرى ونُشر فى صحيفة «الجارديان» البريطانية بعد الهجوم الدموى، قال الموقعون على الخطاب: «هذه المذبحة كانت مستوحاة من كراهية الإسلام والمسلمين من التعصب الذى يغذيه أكاديميون وسياسيون متهورون ومنافذ إعلامية تُعطى منصات للذين يشوهون الإسلام والمسلمين دون عقاب... مستندين على قشرة الموضوعية». ويوضحون: «لم تبدأ المذبحة ضد المسلمين بمجرد إطلاق الرصاص من فوهة بندقية هذا الشخص... بل منذ عقود طويلة من الزمن، شهدت تقارير وسائل الإعلام المعادية للإسلام، ومئات بل آلاف الأعمدة الصحفية المليئة بالكراهية المطبوعة فى الصحافة، والعديد من السياسيين الذين يكرهون المسلمين، والتعصب الأعمى لوسائل التواصل الاجتماعى. لقد تم تصوير المسلمين باستمرار كمجتمعات مشبوهة، كأجانب لهم آراء بربرية تشكل تهديدًا لمجتمعنا. نحن الآن نحصد النتيجة الرهيبة لهذه العنصرية والاسلاموفوبيا المؤسسية التى تنتشر فى المجتمعات الغربية. وفى رأى هارون خان، فإن الاسلاموفوبيا أو الخوف من الاسلام يتم التساهل معه على أرضية «حرية التعبير». وهذه هى المعضلة فى نظر الكثيرين الذين يرون أننا فى مفترق طرق ونحتاج إلى تعريف للإسلاموفوبيا، أو التخلص من المصطلح كله لأنه «مضلل»، فهو ليس «خوف من الاسلام»، بل «عنصرية شريرة» ضد دين ينتمى إليه آلاف الأعراق والثقافات واللغات. وهذا هو جذر المشكلة كما تقول ياسمين على باهى بروان التى لا تحب استخدام تعبير «الاسلاموفوبيا» حيث تعتبر أنه تعبير «لا يقول شيئا». فما هو الخوف من الاسلام؟. هل هو الخوف من معتقداته الأساسية؟ هل هو الخوف من معتنقيه المهاجرين للغرب تحسبا أن يغيروا التركيبة الثقافية والاجتماعية والدينية فى مجتمعاتهم؟. هل هو خوف من المشروع السياسى -الايديولوجى المتطرف الذى تروج له تنظيمات ارهابية متطرفة من «القاعدة» و«داعش»؟. ليس هناك رد محدد لأن تعبير الاسلاموفوبيا ليس له تعريف واضح أو محدد أو متفق عليه. وهذا برأى ياسمين بروان «قد يكون كسلا متعمدا». فعدم وضع تعريف دولى متفق عليه للاسلاموفوبيا يجعل كل عمل ارهابى أو صور ذهنية منحطة عن المسلمين أو تمييز ضدهم يُوضع فى اطار «الاسلاموفوبيا». والاسلاموفوبيا، ليست جريمة يحاسب عليها القانون، بل أراء ومشاعر خائفة من الاسلام والمسلمين. «لماذا لا يتم دفن تعبير الاسلاموفوبيا ووضع تعبير آخر أدق وهو العنصرية؟»، تتساءل ياسمين بروان، موضحة وجهة نظر لطالما دافعت عنها. فهى تكره مصطلح الاسلاموفوبيا وتعتقد أنه «يضيع بوصلة» التعامل مع ظاهرة كراهية المسلمين والتمييز ضدهم. «إذا نقلنا الوصف من اسلاموفوبيا إلى تمييز عرقى -دينى وجريمة كراهية، هنا سيمكننا بدء محاربة هذا الداء المستشرى. فالتمييز على أساس العرق أو الدين وجرائم الكراهية من السهل تعريفها والمعاقبة عليها وإغلاق الأبواب أمام انتشارها على وسائل التواصل الاجتماعى أو السكوت عليها أو التسامح إزاءها عندما يرددها تيار سياسى معين». بعد حادث المسجدين فى نيوزيلندا، البعض انتقدوا ما اسموه ب«سذاجة» الغرب فى التعامل مع خطر اليمين القومى المتطرف. لكن الكثير من المتابعين يشعرون أن تعبير السذاجة «لين أكثر من اللازم». فالواقع أن هناك «تهاونا» أكثر منه «سذاجة». ففى نيوزيلندا نحو 70 جماعة يمينية متطرفة ظهرت منذ الثمانينيات، تتراوح ما بين «الرؤوس الحليقة» و«النازيين الجدد» و«سمو الجنس الأبيض»، وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، بات العداء للإسلام وكراهية المسلمين القضية الأساسية لهذه الجماعات. ومنذ أزمة المهاجرين عام 2015 بات الكثير من هذه الجماعات له حضور على المستوى الوطنى. وعالمياً، تضاعف نشاط تلك الجماعات على مواقع التواصل الاجتماعى منذ 2017. وفى حالات كثيرة كانت التهديدات واضحة باستهداف المساجد والمراكز الاسلامية فى الغرب، لكن لم يتم التعامل مع هذه التهديدات بجدية، فليس كل تهديد على الشبكة العنكبوتية يتحول إلى «بحر دم». لكن هذا ما حدث فى المسجدين فى نيوزيلندا. وذرف الدموع الجارى الآن هو «طقس تطهيرى» معروف، لكن البكاء لا معنى له. فبدون إعادة النظر فى مفهوم «الاسلاموفوبيا»، وطرح بدائل واضحة له، على رأسها «العنصرية ضد المسلمين» و«كراهية الإسلام»، يمكن تعريفها بدقة، ورصدها، وملاحقة المتورطين فيها، ومعاقبتهم... ستحدث حمامات دم جديدة.