ديمقراطية السماء والحوار شديد الرقي من رب العباد هو ما نحتاجه جميعا لنرتقي بأنفسنا ونعلو بحواراتنا ونسمو بكلماتنا لنصل معا إلى الرقى الكامل في جميع تعاملاتنا وتوجهاتنا، ونعى أن الكلمة هي الأداة الأولى والأساسية لرقي الإنسان ولرفعة الدول والمجتمعات، فعندما أمر المولى عز وجل القلم ليكتب ويسطر علم الخلائق ما كان وما سوف يكون وما هو كائن قبل أن توجد الخلائق ومنذ مجيئها وحتى قيام الساعة عندئذ جفت الأقلام وطويت الصحف، فالمنطق ألا حوار بعد ذلك، لكن المولى الإله بعظمته المتفرد على سائر مخلوقاته عندما قرر خلق الانسان أجرى حوارا غاية في الرقي والسمو مع ملائكته بشأن ذلك المخلوق. يقول المولى في كتابه الكريم "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون"، تعالوا نتمعن معا في هذا الحوار الإلهي من رب السماء وعظمته في استماعه لرفض ملائكته للمخلوق الجديد الذي نوى ربهم خلقه رغم عدم احتياج المولى لذلك، فهو الإله الأوحد المتفرد بذاته وجلاله عن مشورة ما هو أدنى منه من خلقه، ولكن سياق الحوار جاء درسا من الإله الخالق لعباده وملائكته معا من أجل إقرار أهمية الحوار بين العباد وبعضهم رؤساء ومرؤوسين. بل ذهب المولى في حواره مع ملائكته لما هو أبعد من ذلك وهوعدم التفرد بالقرار وحتى ولو كان صادرا ممن يملك الأمر والنهي من عباده، بل إقرار حق من لا يملك القرار في المناقشة والرفض والقبول حسب ما يرتضيه المقام، وإلا فالأولى هو تفرد الله بالقرار دون مشورة الملائكة، ولكنه الحوار الهادف المعلم للبشرية أهمية الحوار بعيدا عن الغطرسة والتكبر والأنا، وما أكثرهم اليوم. وعندما يقول المولى عز وجل للملائكة "أنبئوني بأسماء هؤلاء" ردوا "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا" وهنا يلاحظ ملائكة الرحمن عجزهم وجهلهم بعلم الله وحكمته من خلقه للإنسان، وأنهم عديمو الخبرة والعلم، وهنا يقرر المولى حقيقة دامغة وثابتة وراسخة رسوخ السماوات والأرض أنه الله الواحد والإله الأوحد وأنه محيط بالزمان والمكان وأنه علام الغيوب. ويأمر المولى آدم المخلوق الوليد للحظات دون سابق علم أو معرفة بقوله "يادم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض"...الخ ومع ذلك أعطاهم الله بفضله حرية الحوار وإبداء الرأي وهو العليم والمحيط بهم، فهل لنا أن نتعلم من حوار السماء؟، وللحوار بقية.. لمزيد من مقالات فهمى السيد