فى داخل كل شخصية عالمية مشهورة جوانب إنسانية واجتماعية لا يعرفها إلا المحيطون بها ، الذين يعيشون معه ويخالطونه ويعرفون تفاصيل حياته اليومية ، وماذا يحب وماذا يكره ؟ وماهى الأكلات المفضلة له ؟ كل هذه التفاصيل الصغيرة تظل سراً فى حياة كل إنسان ، حتى تظهر ورقة قديمة تكشف بعض هذه الحكايات الإنسانية. ومثال على ذلك هذا المقال الذى عثُرت «الأهرام» عليه فى أحد أعداد مجلة «الاثنين» فى شهر نوفمبر 1946 والتى أهداها لنا عاشق الأوراق القديمة الأستاذ عمر عبد الجواد بعنوان «سعد يطلب الملوخية» الذى كان سكرتيراً للجمعية المصرية فى ليون بفرنسا وانتدبته الجمعية لاستقبال الزعيم فى ميناء طولون عندما أطلق سراحه من معتقل جبل طارق وكان من بين المستقبلين ثلاثة من أعيان المصريين، هم جعفر فخرى باشا وحرمه، وحفنى ناجى بك، ورجل يهودى اسمه مسيو جاك سيون كان يملك فيلا أنيقة على كورنيش مارسيليا أطلق عليها اسم فيلا سعد مبالغة فى تكريم الزعيم. وقال له سعد حبذا لو أكلنا الملوخية الخضراء، فما كان من مسيو سيون إلا أن هرع الى شركة مساجيرى ماريتيم وكلفها بإحضار كمية من الملوخية الخضراء على أول باخرة تبحر من الإسكندرية. ويقول أبو النور إنه لم تمض خمسة أيام حتى كانت رائحة الملوخية تفوح على كورنيش مارسيليا، وأكل سعد وأكلنا معه الملوخية والفتّة والبورانى، وعلق سعد على الأكلة الشهية بقوله إن خضرة هذه الملوخية تذكرنى بخضرة وادى النيل، وعندما وصل الموكب إلى ليون أمر الطبيب سعد بالراحة التامة، ولما كان عليه أن يحضر الحفلة الساهرة المقامة له فى فندق «دى لوروب» لم يجد بدا من ندب صاحبة العصمة أم المصريين لشهود الحفلة، فجلست أم المصريين فى ركن من القاعة تتحدث الى مدام هريو ولما حان وقت تناول نبيذ الشرف رفع مسيو هريو كأسه قائلاً : إسمحى لى سيدتى أن أشرب نخب الزعيم المريض ونخب صحة المريض الآخر ويعنى بذلك الوطن المريض، فأجابته أم المصريين وهى ترفع قدحاً من الماء يسرنى أن أبادلك هذا الشعور فأشرب نخب فرنسا قدحاً من الماء الزلال طبقاً لتقاليدنا الإسلامية. ويضيف أبو النور أن لسعد مقدرة فائقة يعرفها القليلون هى أنه ما إن ينهال عليه الصحفيون جميعاً بالأسئلة حتى يلتقطها كلها بسرعة غريبة ويجيب عنها واحداً بعد الآخر بسرعة الآلة الفوتوغرافية فى التقاط الصور . وقد حضر لزيارته من باريس الكاتب الكبير كلود فارير فقابله سعد مرتدياً الروب دى شامبر والطاقية، وبعد اللقاء انحنى الكاتب الأشهر أمام الزعيم الأشهر انحناءة كبيرة بعد مقابلة دامت أكثر من ساعة خرج بعدها الكاتب يقول هذا هو الزعيم مبنى ومعنى.