وقفت «خيرة» تلك السيدة التى ترتسم على قسمات وجهها سنوات عمرها الذى تجاوز الثانية و الستين ترتدى ملابسها السوداء أمام المقابر بقرية الرحمانية فى مدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة تبكى على ابنتها «إيمان» التى لم تتجاوز العشرين من عمرها بينما ابنها الأكبر محمود يحمل جثة شقيقته ليواريها الثرى، بينما وقف الشقيق الأصغر والشقيقات الثلاث مع الام الثكلى وسط دعاء من أهل القرية لتلك الأسرة بالصبر على فقدانهم ابنتهم الصغرى. إلا أن خال الفتاة و شقيق الأم الذى حضر العزاء عقب الدفن كان الوحيد من بين أفراد العائلة الشارد وغير المصدق لرواية الأهل بوفاة الفتاة الشابة وفاة طبيعية ، فالأسرة كانت دائماً ما تُعنف الفتاة و تحاول تصويرها أمام أهل القرية على إنها مريضة نفسياً على غير الحقيقة ، ليقوم الخال بإبلاغ الشرطة و النيابة العامة فتكون بداية الكشف عن جريمة أغرب من الخيال من خلال فريق البحث الذى امر به اللواء جمال عبد البارى مساعد وزير الداخلية لقطاع الامن لسرعة كشف غموض الحادث. وبدأ التحقيق بمراجعة تقرير مفتش الصحة الذى وجد به إقرار من الأم بأن الوفاة طبيعية و بسؤال مفتش الصحة قرر أن الفتاة كان بها اصابات بالرقبة إلا أن أسرة الفتاة قررت بأنها مريضة نفسياً و كانت تعانى الصرع ليأتى قرار النيابة باستخراج الجثة و تشريحها و يوكد تقرير الطب الشرعى أن سبب الوفاة هو الخنق. المفاجأة وبمواجهة الأم بتقرير الطب الشرعى بدأت المفاجآت تتكشف لتنهار الأم و تعترف بقتل ابنتها من خلال خنقها، وتسرد كيف أن زوجها الذى توفى منذ خمسة عشر عاماً ترك لها أربع من البنات أصغرهن إيمان المجنى عليها وولدين الأكبر هو محمود، و ليلة الحادث عادت إيمان من الخارج فقام شقيقها الأكبر محمود بتعنيفها والاعتداء عليها بالضرب وعندما استيقظت الام من النوم فى منتصف الليل وجدت ابنتها نائمة فقامت بخنقها حتى فارقت الحياة بينما أنكر محمود الشقيق الأكبر اشتراكه فى الجريمة . إلا أن خال الفتاة أكد خلال التحقيقات أن والد الفتاة توفى و ترك قطعة أرض كانت من نصيب الفتاة مساحتها ستة قراريط وأن هذه الأرض أصبحت الان ارضا للبناء وقيمتها المالية كبيرة بعد أن كانت ارضا زراعية كما أكد أن الفتاة كانت طبيعية و لم تكن تعانى من الصرع أو أى مرض نفسى وأن عددا كبيرا من الشباب تقدم لخطبتها إلا أن الأم وإشقاءها كانوا دائماً يرفضون و يعتدون عليها بالضرب لرغبتهم فى الاستيلاء على ميراثها، وقد جاءت تحريات المباحث الجنائية لتؤكد حسن سلوك الفتاة وأنها كانت تخرج من المنزل هرباً من سوء معاملة الأسرة والام لها و تعود فى اليوم نفسه، لتوجه النيابة بعدها تهمة القتل العمد للأم ولشقيقها محمود و تهمة عدم الإبلاغ عن الجريمة للشقيق الأصغر والشقيقات الثلاث. المحاكمة و أمام محكمة دمنهور برئاسة المستشار سامح عبد الله رئيس المحكمة و عضوية المستشارين حاتم محمود و عاصم نعيم، وقف أفراد الأسرة الأم و بجوارها أبنائها الخمسة يحاكمون، و مع بدء المحاكمة كان المشهد أكثر غرابة فالأم تبكى داخل القفص و تصرخ طالبة من هيئة المحكمة التحدث ليُسمح لها فتبكى قائلة: «أنا معترفة أنا قتلتها وخسرت بنتي» ونظرت الى أبنائها الخمسة بجوارها قائلة: «مش هاخسر أولادى الباقين» أنا من ارتكبت الجريمة و قتلتها، محمود إبنى الكبير ملوش دعوة وسط صمت من أبنائها إلا أن إحدى بناتها حاولت التحدث فما كان من الام إلا أن وضعت يدها على فمها قائلة أنا اللى قتلت لتقضى المحكمة على الأم بالسجن المؤبد خمسة وعشرين عاما تقضى براءة الشقيق الأكبر محمود من تهمة الاشتراك فى القتل لإعتراف الأم وبراءة الشقيق الأصغر و الشقيقات الثلاث من تهمة عدم الإبلاغ عن الجريمة طبقاً للمادة 45 من قانون العقوبات التى تعفى الزوج و الزوجة و الأبناء من عقوبة الإبلاغ عن جريمة إرتكبها أحد الأقارب من الدرجة الأولى ليخرج الأبناء من قفص الاتهام وتذهب الأم الى غياهب السجن لتقضى الباقى من عمرها حسرة على ما اقترفت يدها بقتل إبنتها، ويظل وجه ابنتها وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة عالقة فى ذهن الأم التى تجردت من مشاعر الرحمة و الخوف على أولادها و يخرج خال الفتاة ينظر الى شقيقته وهو يسأل نفسه هل كان على حق عندما ابلغ عن شقيقته و كان سبب فى دخولها السجن لتتفكك اوصال تلك االعائلة بالموت والسجن.