يسهم الإعلام، مع غيره من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، فى تشكيل منظومة القيم السائدة فى المجتمع، كما يشارك الإعلام فى مناهضة العنف والتعصب والتطرف ومكافحة كل أشكال التمييز، حيث يُعد التنوير والتثقيف والتوعية والتنمية وتبصير الرأى العام وظائف أساسية للإعلام، لا غنى عنها فى عالمنا المعاصر. ونشير هنا إلى مجموعة من المنطلقات، أولًا: يُمثل الحوار عملية إنسانية وضرورة حياتية للإنسان، ولا تستطيع المجتمعات الحديثة التخلى عنه، فالحوار فرصة جيدة لتبادل الآراء ومناقشة الأفكار ونقل التجارب والخبرات، حول مختلف القضايا والموضوعات، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذى يتطلب طرح جميع الرؤى والاعتقادات، واحترام الرأى والرأى الآخر. ثانيًا: إذا كان الإعلام، إلى جانب غيره من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، يُسهم فى تشكيل منظومة القيم والمبادئ والأفكار العامة، فإنه الأمر الذى يعنى مسئولية مشتركة بين الجميع فى نشر ثقافة المواطنة والحوار وبناء السلام. ثالثًا: تمثل المسئولية الاجتماعية مبدأً مُهمًا والتزامًا أصيلًا للممارسات الصحفية والإعلامية، فالمسئولية هى الوجه الآخر للحرية، ولا توجد حرية دون مسئولية، فأنت حر لكنك مسئول فى الوقت ذاته، ما يمكن التعبير عنه بمصطلح «الحرية المسئولة» التى تُعلى المصلحة الوطنية وتحقق الخير العام، ومن ثم فإنها تفند الآراء المتطرفة والأفكار المتعصبة التى من شأنها إثارة القلق وتغذية التوتر بين المواطنين، وبالتوازى، فإنها تهتم بترقية الذوق العام والحس الوطنى عبر تسليط الضوء على المبادرات المجتمعية التى تدعم المواطنة والحوار والسلام المجتمعى وتناهض العنف والتمييز والتطرف. رابعًا: فى إطار تفعيل دور الإعلام فى دعم ثقافة الحوار ومناهضة العنف فمن الواجب التزام الجماعة الصحفية والإعلامية بمجموعة المعايير والضوابط المهنية المتعارف عليها مثل الحياد والمصداقية والموضوعية وتحرى الدقة والتأكد من المعلومات قبل نشرها وتحقيق التوازن بين أطراف المجتمع ومكوناته، والفصل بين الرأى والخبر، واحترام الحق فى الخصوصية، واختيار المصادر المناسبة، وعدم الانحياز إلى طرف ضد آخر، والحرص على نقل وعرض جميع وجهات النظر من كل الأطراف والمسئولين، وعرض القضية بجميع جوانبها ووضع حلول لها، والالتزام الكامل بحقيقية الأحداث. خامسًا: يعانى الصحفيون والإعلاميون فى ممارساتهم اليومية بعض الضغوط والمشكلات، ومن ذلك الاضطرار لمراعاة السياسة التحريرية للوسيلة الإعلامية التى يعملون فيها، والتى قد تختلف مع قناعاتهم الشخصية، كما يضطرون إلى إرضاء مالك الصحيفة أو القناة التليفزيونية، بغية تحقيق الربح المادى والانتشار أو لأسباب سياسية، أيضًا الاضطرار إلى إرضاء أطراف معينة داخل المجتمع، كتيارات فكرية وأيديولوجية أو أحزاب وقوى سياسية، بالإضافة إلى تأثير الإعلانات والمُعلنين على ما يُقدم من مواد صحفية وإعلامية. وفى المقابل يقع بعض الصحفيين والإعلاميين فى أخطاء مهنية لأسباب عديدة منها ضعف التكوين الأكاديمى والمهنى، وعدم الاهتمام بمتابعة الجديد، والبحث عن الشهرة والرغبة فى تحقيق الانتشار أو الربح المادى. وختامًا يتطلب الأمر الاهتمام بالتدريب والتوعية والتثقيف، وإصدار التقارير الدورية المعنية بالممارسات الصحفية والإعلامية، وإعمال منظومة المحاسبة والمساءلة، من خلال الهيئات المنظمة للعمل الإعلامى فى مصر، وتشمل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة، بالإضافة إلى نقابتى الصحفيين والإعلاميين، وتشجيع الجماعة الصحفية والإعلامية على نشر مواد صحفية وبث برامج إذاعية وتليفزيونية تلبى احتياجات المواطنين، تدعم المواطنة والحوار وتناهض العنف والتطرف. لمزيد من مقالات د. رامى عطا صديق