تحقيق - على عبدالعزيز: بعد العملية الأخيرة التى استهدفت مسجد الروضة، والتى خلفت 305 شهداء وعشرات المصابين، ظهر جليًا أن مسئولية مكافحة الإرهاب ومواجهة قوى الشر ليست مقصورة على مجابهة السلاح بالسلاح فقط، وإنما مواجهة التطرف والإرهاب عن طرق كل ركن من أركان الدولة بداية من التربية داخل الأسرة نفسها وبعدها المدارس والكنائس والمساجد والإعلام للمجابهة الفكرية والعقائدية وملاحقة هذا الفكر منذ أن يأتى، وعدم السماح له بالدخول إلى عقول الأطفال والشباب من الأساس تزامنًا مع قوات الشرطة والجيش المسئولين عن المواجهة المسلحة. فالمواجهات الأمنية وحدها لن تقضى على الإرهاب، فالمجتمع بحاجة إلى تقويض كل ما يغذى التطرف وينميه فى العقول والأفكار.. وبذلك يصبح الإرهاب معركة الجميع بدءاً من البيت ومروراً بالمدرسة وحتى وسائل الإعلام بجميع أشكالها وأنواعها. المؤسسات الدينية ليست وحدها مسئولة عن محاربة التطرف رغم جهود الأزهر فى مكافحة الفكر المتطرف ورغم محاربته لمحترفى الفتاوى التخريبية بجميع الطرق.. إلا أن قضية الفكر المتطرف لا تتوقف عند مؤسسة واحدة، بل هى مسئولية الجميع.. ودور العبادة بشكل عام عليها دور دائماً ما يتم تريده عقب كل حادثة إرهابية.. وحقيقة الأمر التى يؤكدها الخبراء وأهل العلم والخبرة أن دار العبادة مؤسسة كاملة تربوية إضافة إلى كونها دينية.. وهى عامل مؤثر جداً فى تشكيل الفكر وتوجيه العقل.. خاصة أن دور العبادة فى مجتمع كمجتمعنا تحظى بثقة كبيرة فى نفوس المواطنين. القضية لا تنحصر فى محاربة الفتاوى الشاذة ومحاصرتها رغم أهميتها.. والجهد الكبير الذى يبذل فى هذا السبيل. ومن جانبه طالب الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، بسرعة إصدار قانون الفتاوى، الذى توافق عليه الأزهر والوزارة ودار الإفتاء المصرية، بإجماع، فى اجتماع اللجنة الدينية بمجلس النواب، لافتاً إلى أن مشروع القانون شديد التوازن، وسيضع الأمور فى نصابها. وقال فى بيان: «من الضرورى إتاحة فرصة الظهور الإعلامى لكل المتخصصين فى جميع المجالات والعلوم، على أن يكون هذا المنع مُبرَّراً ومُسبَّباً». وشدد على ضرورة منع غير المؤهَّلين وغير المتخصصين فى الخطاب الدينى من الخطابة والإفتاء، احتراماً للتخصص، ولطبيعة الخطاب الدينى، وكذلك عدم التضييق على المتخصصين وإقصائهم. واقترح الوزير أن تقوم المؤسسات الدينية، من خلال مراصدها وإداراتها المختصة، بتشكيل لجان لمتابعة ما يُبث ويُنشر إعلامياً فى الشأن الدينى، وأن تتخذ كل مؤسسة الإجراءات الإدارية والقانونية وما تراه مناسباً أو رادعاً تجاه أى تجاوز يصدر من المنتسبين إليها فى هذا الشأن، فضلاً عن مخاطبة المجلس الأعلى للإعلام بخطاب يمنع مَن يرى منعه للمصلحة العامة مُبرَّراً بأسباب المنع، حتى لا يخرج الأمر عن سياقه، كما طالب الوزير بأقصى درجات التعاون والحيطة لمنع تسلل عناصر الجماعات الإرهابية المتطرفة، وفى مقدمتها جماعة الإخوان، إلى عقول المجتمع عبر تسلل بعض عناصرها إلى وسائل الإعلام بصفة عامة، وإلى بعض برامج الخطاب الدينى بشكل خاص. وأضاف: «هذه هى الخطورة نفسها، لأن بضاعة هذه الجماعات الإرهابية هى المتاجرة بالدين، ولبس مسوح المتدينين، ومخادعة المجتمع بتسويق أنفسهم على أنهم حُماة الفضيلة، مستغلين عملية التدين الفطرى وحب الناس دينهم». الدكتور على محمد الأزهرى، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، رأى أن فكرة استضافة العلماء المتخصصين فى المجال الشرعى لا بد أن يكون بتنسيق مع الجهات الشرعية المختصة، خاصة أن هذه الفترة الحالية شهدت شططًا غير مقبول، لأن الفتاوى الشاذة التى صدرت من بعض الأساتذة هم فى المقام الأول ينتسبون للأزهر تُعد طامة كبرى، مؤكدًا أن المفتى أو من يتصدر للفتوى يمثل الأزهر ولا بد أن يكون على دراية بأقوال العلماء وعدم طرح الشاذ منها على العامة، إضافة إلى عدم الدخول فى الاختلافات والجزئيات التى ربما يتفرع عنها مسائل تؤدى بالعالم إلى وقوعه فى الزلل. وأكد فى تصريحات للوفد ضرورة عدم نشر الأمور الخلافية بين عموم الناس، وعدم الدخول فى أمور ليس من ورائها طائل، وعدم التظاهر بالعلم الغزير عن طريق نشر كا ما مخالف وشاذ، وأن من أخطر الأمور التى باتت تُهددُ صرح الدين مسألة الفتاوى غير الصحيحة، وقد يترتب عليها تحريم الحلال، وتحليل الحرام، والأدهى من ذلك فتاوى قد تتعلق بجواز إزهاق النفس البريئة، مضيفًا بأن السبب فى ذلك هو عدم الفهم الصحيح للفقه وأصوله، وعدم دراستهما أصلاً من الأساس، وعدم الدراسة الشرعية الصحيحة، أو دراسة المواد الشرعية دراسة إجبارية دون تطبيق واقعى، إضافة إلى عدم طلب العلم من مصدره الصحيح، وتعدد القنوات الإعلامية وتصدر غير المتخصصين، وتحرج المسئول إذا عُرضت عليه أى مسألة أن يقول لا أعلم فيظن أنها كبيرة أمام الناس إذا قال هذه الإجابة أمامهم، وأن هذه الأسباب هى أخطر على الإسلام من أعداء الإسلام أنفسهم. تعاون جميع المؤسسات داخل الدولة خاصة وزارة الثقافة، ضرورة أكد عليها الدكتور على الأزهرى، دون أن يكونا أعداء بين المؤسستين، إضافة إلى تدريس مادة بعنوان «مفاهيم مغلوطة» على جميع الطلاب، وتتضمن جملة من القضايا التى تثار محليًا ودوليًا كالخروج على الحكام والتكفير وإقامة الحدود والحاكمية والغلو والتطرف واجتزاء النصوص، ثم محاربة الجماعات التكفيرية فكريًا عبر تدشين صفحات بوسائل التواصل الاجتماعى ونشر الردود على شبههم. الإعلام.. تمهيد «عقل المواطن» لتقبل الرأى الآخر تقبل الرأى المختلف ضرورة هكذا يرى د. عادل صالح، أستاذ الإعلام بالجامعة البريطانية، مؤكداً أن الإعلام عليه دور كبير لا بد أن يتدخل فى أكثر من ناحية، أولها بطريقة مباشرة وصريحة لرفض هذا التفكير الخاطئ ثم بعد ذلك البدء فى تعليم المواطنين عن طريق الإعلام سماع وتقبل جميع الآراء، وعدم رفضها بعد إصلاح المنظومة الإعلامية، ونشر عدد من البرامج والموضوعات عبارة عن ندوات للرأى يدخل فيها المواطنون بشكل أساسى، وليس مجرد أن يقوم المذيع بإرسال معلومات فقط فى عزلة عن المواطنين المشارك الأساسى فى العملية الإعلامية. وأكد صالح فى تصريحات ل«الوفد» أن الأزهر لا يمكن أن يعتمد عليه وحده فى مجابهة الأفكار المتطرفة وإنما توصيل المعلومة من خلال مختلف المؤسسات وقادة الرأى، إضافة إلى ضرورة إزالة حالة الإحباط الكبيرة التى يشهدها الشارع المصرى عن طريق عرض نماذج للشباب والشخصيات الناجحة، وغيرها من المؤسسات الناجحة التى تبين بأن المواطن يجب أن يسعى ويعمل حتى يصل لهذه الطريقة، وتدشين رحلات للمساجد والكنائس معًا حتى يطلع الشباب على التاريخ والمفهوم الصحيح للأشياء. وطالبت سامية خضر، أستاذ اجتماع بجامعة عين شمس، استحداث منظومة قوية وشاملة، وتكون عبارة عن «ثقافية أدبية دينية إعلامية»، وهدفها الوحيد هو نشر الوعى الوطنى القومى على جميع الأصعدة، مشيرة إلى أن الماضى كان يحمل العديد من الظواهر الجميلة والمفيدة بداية من ذهاب الاخصائى الاجتماعى إلى الفصول والمدارس وفى طوابير الصباح حتى ينشر الوعى ويلعب على شخصية الطلاب ويستوعبهم ويعرف ما الذى يدور داخلهم، مطالبة بعودة هذا الأمر فى الوقت الحالى. وأكدت «خضر» فى تصريحات ل«الوفد» أن وسائل الإعلام عليها دور كبير للغاية فى الوقت الحالى، خاصة أن المواطنين يعتمدون عليها بشكل أساسى، وفى ظل انخفاض الوعى ووصول نسبة الأمية إلى درجة كبيرة، ووصول نسبة الإعلام الساقط والفاشل إلى 70% ينذر ذلك بمؤشر خطير جدًا فى توجه الرأى العام المصرى، وتفاهته كما نشاهد أغلب البرامج فى الوقت الحالى التى لا تفيد المواطن بأى شىء. أردفت أن الوضع الحالى يتطلب منظومة كاملة لمجابهة الإرهاب وليس كل فرد يعمل منفردًا، ومن الضرورى أن يتكاتف الجميع نظرًا للوضع الخطير الذى تمر به مصر حاليًا، خاصة أن ركن الأسرة لا يمكن الاعتماد عليه حاليًا خاصة مع انشغال الأب وعدم وعى الأم ونحتاج لمنظومة تؤثر بشكل جدى وكبير على الأسر والجامعة، بشرط أن يكون قادة الرأى من المدرسين والإعلاميين قدوة يمكن الاعتماد عليهم والاستماع للرأى الصواب من خلالهم، وأن العملية الأخيرة قامت بإسقاط القناع عن الإرهابيين بأن ذلك فى سبيل الله على حد كذبهم ونفاقهم، لأن ذلك ليس إسلامًا. سوسن فايد، أستاذ علم اجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أكدت أن العمل بشكل جماعى ضرورة فى الوقت الحالى، خاصة مع تكرار حوادث الإرهاب واتضاح أن المواجهة بطريقته الأمينة وحدها غير كافية ولابد من مواجهة التنشئة والفكر على جميع المجالات وبالتالى لابد من تكاتف جميع مؤسسات الدولة فى هذه المواجهة. هدف مشترك أكدت عليه فايد، لابد أن يتكاتف حوله الجميع يبدأ على عدة مستويات بالشباب واستيعابهم سياسيًا وفكرياً أيضاً، وبعد ذلك إصلاح المنظومة الإعلامية بطريقة غير مسبوقة لأنها المؤثر الكبير على جميع أطراف المواطنين بمختلف مراحلهم، ولابد أن تعمل على محاربة العقول خاصة مع ظهور مضامين إعلامية تتضمن عنفًا بشكل ظاهر وآخر خفى، ثم بعد ذلك العمل على مواقع التواصل الاجتماعى تجابه فئة الفيسبوك وما شابه، ومجابهة الفراغ الفكرى، تعمل بخطة على المدى القريب والبعيد، بالتزامن مع عمل المؤسسة التعليمية والدينية الذين عليهم عبء كبير أيضًا لابد أن يظهر بها تغيير جذرى فى المناهج وجميع أركانها. مواطنون: الدراما والفضائيات تغذى التطرف.. ولا تقدم قدوة حسنة! تنوعت آراء المواطنين تجاه المسئولية فى الحرب ضد الإرهاب والتطرف، لكنها تصب فى ضرورة تكاتف قوى المجتمع كله والبدء من الجذور فى هذه القضية التى تهدد أمن وسلامة المجتمع، وأكد أحد المواطنين أن المواجهات الأمنية تذبح أحلام الإرهابيين فى تمزيق الوطن وتحقق تقدماً.. لكن المسألة لا تتوقف عند مواجهة السلاح بالسلاح.. فقضية التطرف أساساً قضية فكرية تبدأ من الأسرة التى تتلقف الطفل وكيفما يتصرف الآباء ينمو الأبناء، فمن الصعب أن يسلم طفل من الأفكار المتطرفة إذا ما كان أبواه يميلان إلى التطرف والعنف فى كل تصرفاتهما. وقال أحمد عبدالقادر «موظف» إنه دائماً ما يراقب تصرفات أبنائه ويلاحظ آراءهم تجاه ما يعرض عليهم، لكن للأسف هناك مجتمعات أخرى ينخرط فيها الطفل، فهو لا يظل فى حضن الأسرة، بل يخرج إلى المدرسة. وقال: «لا أضمن كيف يتعامل معه المدرسون ومنهم ذو أفكار «مريبة».. وأضاف: أسلوب التعليم نفسه تلقينى.. لا يمنح الفرصة للتلميذ أن يبدع أو يبدى رأياً فى أى قضية، بل أحياناً أجد ابنى يحفظ ما بالكتاب نصاً ويخاف حتى من استبدال كلمة بأخرى حتى لا يخسر الدرجة. فيما أعربت فاطمة السيد «ربة منزل» عن سخطها مما يعرض فى الفضائيات ومن خلال الدراما، حيث تقدم نماذج سلبية وتبعد تماماً عن تقديم القدوة والمثل الأعلى.. فضلاً عن العنف المتزايد.. حتى فى الحوارات فى برامج التوك شو.. كثيراً ما تتحول إلى «مساخر» ويتشابك الضيوف بالألفاظ وبالأيدى.. فلا التعليم ولا الإعلام يمنحان أبناءنا القدوة، بل يعطوهما دروساً فى التمسك بآرائهم إلى حد العنف. قال أحمد عبدالعال، 50 عامًا، موظف، إن مكافحة الإرهاب مسئولية جميع المصرين، ويجب أن يتعامل معها الجميع على كافة المستويات بداية من الأهل عندما يقومون بتربية أطفالهم منذ الصغر، ثم المدرسة بعد ذلك لا بد أن يرجع لها الإخصائى الاجتماعى مرة أخرى، ويراقب الأفكار بداية من الطالب وحتى المدرس، ويعالج جميع الخلل بالمدارس، وبعد ذلك الجامعات لا بد أن تحتوى على أنشطة تفاعلية تعمل على التعريف بالوطنية والدين الصحيح وتكون هذه الأنشطة بنفس كثافة المحاضرات، إذا لم تكون أكثر منها. وسائل الإعلام من أهم الأشياء التى يمكن أن تدعم الإرهاب بشكل رئيسى أو تتخلص منه، على حد قول عبدالعال، مؤكدًا أن قوات الأمن لا يمكن أن تحارب الإرهاب وحدها، خاصة أن الإرهاب حاليًا ليس بقوة السلاح فقط، وإنما تواجه مصر فكرًا متطرفًا وتفكيراً إرهابياً فى الوقت الحالى.