المشهد أسفل الدرج يشبه الحداد. المديرة والمدرسون والمدرسات فى صمت وعيونهم متحجرة، يشاهدوننى وأنا أجرى صارخا فيهم: أريد مفارش ملاءات.. عرفت فيما بعد أننى قذفتهم بشتائمى، فصمتوا ذهولا إلا أستاذة العلوم الجديدة محاسن، والتى رفعت عقيرتها صارخة فى مدرس العلوم أستاذ سمير "يا لهوى يا ناس بيزقنى ويجرى".. والتفتت إليه قائلة: - انت ندل وحقير - متفتحيش بقك.. مروءة ايه اللى بتسألى عليها فى زلزال؟ - بتزقنى اقع على ظهرى وتعدى من فوقى عشان تهرب انت جبان زقتنى.. زقيت العيال؟! - لا.. أجيبلك كرسى وشاى وأموت أنا؟.. الروح حلوة أنا مدريتش بنفسى.. يا هانم إن جالك الطوفان حطى ابنك تحت رجلك.. " صرخت فيهم" - كفاية.. اتلحلحوا يا ناس.. فيه معجنة فوق.. البنات بتموت جاءت صرختى فيهم وأنا أدس أصابعى فى فم الفتاة قصيرة الشعر كى أخرج ما انحشر بفمها من بقايا الساندوتش وأعدل رقبتها إلى الجانب الأيمن. صرخت فى الدادة: تعالى افردى رقبتها دوروا على الحكيمة دكتور يا.... اتحاكموا بعدين.. حملقت مندهشا والجيب الرمادى الذى انحسر عن فخذيها يسيل عليه ماء كريه الرائحة.. اسقط فى يدى جريت عائدا وأنا انده أشجع الواقفين وأقدرهم على حمل منال منى ريمون أبلة ماجدة الحقونى، مع توالى صراخى فيهم تقدموا تباعا بعد زوال الخضة.. وهلت بشائر الفتيات محمولات على الأعناق أو بين اثنين أسرعت الدادات والفراشات بفرد بطاطين ومراتب من غرفة الألعاب بالدور الأرضى، وانكفأت عليهن بعض المدرسات والطالبات من أقاربهن يصلحن من انفراج ثيابهن ويغسلن وجوههن بالماء. واتسعت حلقة البنات اللاتى ينتحبن ومديرة المدرسة انهارت وألقت بنفسها على كرسى كان بالفناء وحملقت فى ذهول، رغم بنيانها القوى، إلا أن قلبها انخلع تماما ضاعت قوتها وتلاشى جأشها الذى اشتهرت به فى مديرية الجيزة التعليمية وقتها ووكل المدرسات طفقن يمسحن الماكياج والكحل والبودرة، التى جعلت وجوههن مسخا من البكاء وفرك الأعين. تسع فتيات فقدن الوعى وثلاثة لم يستطعن حبس بولهن من الرعب.. أسرع الأستاذ الصعيدى مدرس اللغة العربية إلى غير عابئ بالرائحة التى انبعثت إلى من ولاء تلميذة الصف الأول، التى كتب الله لها حياة جديدة على يدى.. قبلنى مثنيا على وتوالى المدرسون فى كيل عبارات الثناء.. دقيقتان وأفقت على هذه الرائحة والبلل تحاملت على قدمى وهما لا تتحملان جسدى وأنا أسرع إلى الحوض بطرف الفناء لأغرق ملابسى وقميصى بالماء، وهنا صاح ديكى ونقرنى لأفيق عائدا منتظرا حكاية جديدة. لمزيد من مقالات ياسر عبيدو