انقسمت وتباينت آراء الطلاب والأساتذة وعلماء الدين حول الدراسة الخطيرة التي أصدرتها لجنة الصحة بمجلس الشوري برئاسة د.محمود أبوالعزائم وأشارت إلي أن 60% من طلبة الجامعات المصرية دخلوا دائرة الإدمان. وقد تضمنت الدراسة كل طالب يمارس عادة التدخين وانتهاء بالوقوع في هاوية المخدرات. وقد انقسم الطلاب أنفسهم علي صدق وصحة المعلومات التي ذكرتها الدراسة ففي حين أكدها البعض نفاها الآخر والأغرب أن هناك من استقللها.. كما قال تامر.ب بكلية طب القاهرة: أنا لي 3 من الأصدقاء كل واحد منهم يدمن نوعاً معيناً من المخدر لدرجة أن أحدهم لا يستطيع الحضور إلي الكلية قبل أن يتناوله. وليس شرطاً أن يظهر عليه علامات الإدمان أو غيره فهو يتناول دواء معيناً وصل فيه لدرجة الادمان. أما الآخر فهو يتناول البانجو في السيجارة التي لا تفارق يده خاصة في وقت الراحة بين السكاشن. يضيف تامر: وقد حاولت معهم كثيراً دون جدوي فللأسف الشديد أصدقائي هؤلاء لديهم مشكلات أسرية متعددة ومتنوعة هي السبب في دفعهم لهذا الطريق رغم أنهم "أبناء ناس كويسين" وفي ذات الوقت لم أتركهم وأنا أصاحبهم علي عيوبهم تلك مع محافظتي علي نفسي. أما نسمة النجار بالفرقة الثانية بكلية علوم جامعة 6 أكتوبر فتؤكد أنها لم تعرف في حياتها فتاة تمسك بالسيجارة سواء داخل الجامعة أو خارجها. وبالنسبة للطلاب الذكور فهناك من يدخن السيجارة بالفعل وأحياناً داخل الجامعة لكن أكثر من هذا فلا أعتقد أن يحدث. تتفق معها "همس محمد مجدي" بالفرقة الأولي كلية الألسن مؤكدة أن هذه الدراسة لا يمكن أن تكون بهذه النسبة الكبيرة وإلا أصبح كل الطلاب مدمنين. أمر واقع ويري محمد زكريا بالفرقة الثانية كلية التجارة جامعة عين شمس أن انتشار الإدمان بين طلبة الجامعات بالفعل أمر واقع خاصة بعد الانفلات الأمني والأخلاقي الذي حدث بل وقبله أيضاً بسبب كثرة الضغوط النفسية والتعليمية والسياسية علي الطلاب مما دفعهم دفعاً نحو هاوية الإدمان بكل أشكاله وأنواعه ابتداء من التدخين "المغموس" وانتهاء بما هو أفظع من ذلك. ويؤيده محمد أحمد المليجي بمعهد الألسن بشارع مكرم عبيد مشيراً إلي أن كثيراً من الشباب وقع فريسة الإدمان بدوافع وظروف مختلفة وطلبة الجامعات فئة من هؤلاء الشباب. لكن لابد من البحث سريعاً عن وسيلة لإنقاذهم ووقاية البقية لا أن نظل نبكي علي الأطلال واللبن المسكوب الآن! إشكالية منهجية يعرب الدكتور حسام الدين عزب أستاذ الصحة النفسية بتربية عين شمس عن تشككه من مثل هذه الإحصاءات مشيراً إلي أن فيها إشكالية منهجية كبيرة حيث يختلط فيها الحابل بالنابل. بمعني أن هناك فرقاً جوهرياً علمياً بين "آرت ريسك" أي المعرضين للخطر. وبين "أكشوالي" أي من وقع في دائرة التعاطي بالفعل. وفي هذا المجال لدينا مجموعتان فرعيتان.. الأولي: التعاطي المؤقت في المناسبات والأفراح.. الثانية: من دخل الدائرة فعلاً. أضاف د.عزب: ومن المفروض ألا يتصدي أحد للإحصاءات إلا إذا كان علي درجة عالية من التخصص الدقيق. لأن مثل هذه الإحصاءات تخرج وعليها علامات استفهام كثيرة. فهل روعي فيها هذه التقسيمات ابتداء من التعرض لإدمان وانتهاء بالوقوع في دائرته؟ ثم إن هناك المتعافي من الإدمان والذي قد تحدث له انتكاسة. والمشكلة أن الاحصاءات تأخذ هذه الفئات كلها كمجموعة واحدة "باكج" وبالرغم من وجود تزايد في نسب الفئات وألوان الطيف المختلفة. لكنني لا أعتقد أن النسبة بهذه الدرجة التي رصدتها الاحصائية. وبحكم معايشتي للطلبة فلا أعتقد بصحتها. فتكلفة المخدرات كبيرة جداً علي فئة ومستوي الطالب. حتي الاحصاءات الرسمية لا نسلم بها مطلقاً بل نعتبرها مؤشراً علي تزايد الخطر. ويؤكد د.عزب أن المواجهة تبدأ بالتشخيص المبكر والبرامج الوقائية من أي ظاهرة مرضية. فهذا هو السبيل لقطع دابرها. فالوقاية تغني عن العلاج وليست خيراً منه فقط. ويضرب د.عزب مثلاً بشباب التحرير الذي تحدي المناخ السييء والضغوط التي مورست عليهم لأنهم وصلوا إلي درجة عالية من اليأس لأن البلد عاشت ستين عاماً من حالة الضياع وهؤلاء الشباب هم الذين سيدفعون الفاتورة لأننا "شخنا" أو كما قال الرجل التونسي "هرمنا" فكل هذا ولا شك مردوده سيء جداً علي الجميع ويدفع الشباب دفعاً إلي الإدمان بأشكاله المختلفة لإحساسهم بعدم جدوي أي شيء حتي الآن مما زاد من احباطاتهم. وهذا قد يؤدي بهم إلي العدوان إما ضد الآخر وهو المجتمع كله أو الذات. فتنتشر ظواهر العنف الجماعي والتدمير والاعتداء خاصة أن جزءاً من شبابنا هم من البلطجية. وقد حذرنا من ذلك منذ أكثر من 15 سنة. وأذكر أنني في مؤتمر عقد بالزقازيق بمشاركة د.أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر آنذاك أثرت قضية أطفال الشوارع وقلت: نجن ندق ناقوس الخطر من أن هؤلاء الأطفال سيتحولون إلي بلطجية في المستقبل وسبب العنف والجريمة في المجتمع. ولعلاج ذلك يطالب د.عزب بسرعة احتوائهم ليس فقط لحمايتهم بل لحماية المجتمع من شر مستطير فهؤلاء يتم استئجارهم! أما إذا تحول العدوان ضد الذات ففي هذه الحالة يتجه لسلوكيات الإدمان وأشكال مختلفة من الانتحار الصريح بالموت الفعلي أو المقنع بالتدخين والإدمان أو الهجرة غير الشرعية التي تتهددها مخاطر الموت وهو يتصور الغني والفردوس المفقود. وما لم يتحرك المجتمع بأسرع ما ينبغي للحاق بهؤلاء الشباب كما يحذر د.عزب فسيقعوا فريسة أمراض خطيرة كالإدمان والجريمة والانحرافات المختلفة. وعلينا البدء بالبرامج الوقائية ثم العلاجية لأن التعامل مع الادمان شأنه شأن أي تعامل مع أي ظاهرة موجودة في المجتمع فإن تعاملنا معه باستخفاف تفاقم خطره. احصائية مبالغة من جانبه يستنكر الدكتور جمال المرزوقي الأستاذ بكلية آداب عين شمس من نسبة هذه الدراسة المرتفعة جداً والتي تصيب بالذهول والدهشة قائلاً: بحكم احتكاكي وتعاملي مع طلبة الجامعة باعتباري رائد اتحاد طلاب سابقا ومسئول أنشطة ثقافية وجوالة. قد أري بعض الطلاب يدخنون السجائر. حتي هؤلاء المدخنون ليسوا بتلك النسبة العالية فهم لا يزالون يحتفظون بالاحترام المتبادل مع الأساتذة. أما الطالبات فنادراً جداً إن لم أكن لم أرها مطلقاً أن توجد طالبة مدخنة.. فكيف تشيبر الدراسة إلي أن نسبة 60% من طلبة الجامعات مدمنون مع أن النسبة الأكبر للطلاب أصلاً هي لبنات؟! فهل معني ذلك أم معظم أبنائنا وشبابنا وقعوا في هاوية الإدمان؟! بوابة المخدرات بنبرة الحزن علي الوضع المزري وما وصل إليه حال شبابنا يقول الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل أول وزارة الأوقاف سابقاً: هذه نسبة "كويسة" لأنني كنت أتوقع نسبة أكبر من ذلك نظراً لأنه ليست هناك رقابة من الاباء والمدرسين والأساتذة خاصة أن القري والأرياف الآن فيها معظم المدرسين يجلسون علي المقاهي وبأيديهم الشيشة أو الجوزة والمعروف في تلك المجتمعات أن السيجارة والشيشة هي البوابة الملكية للدخول إلي عالم المخدرات. وعندما نقول إن هذه النسبة قليلة لأن الرقابة معدومة نسمع عن أب يجلس مع أولاده علي مائدة الإفطار والعشاء وينبههم إلي ما يجب عمله ويذكرهم بما يجب الابتعاد عنه.ويعرض الشيخ منصور عبيد موقفاً تعرض له شخصياً فيقول: منذ خمس سنوات تقريباً كنت في زيارة لمسجد سيدنا الحسين ووجدت ما يقرب من 7 فتيات أو أكثر. كل واحدة تمسك بالشيشة. فذهبت وجلست علي كرسي بجوار إحداهن وقلت لها: يا ابنتي أنا غريب عن مصر وأخذت أسألها عن أماكن وأجريت معها حديثاً طويلاً إلي أن وصلت لسؤالها: ليه تشربي الشيشة؟! فنظرت إلي زميلاتها وقالت: تعالين. عمي الحاج بيسألني: ليه ماسكة الشيشة؟! فقالت إحداهن: بنعدل الطاسة.. وقالت الأخري: هذا مزاج.. والثالثة: لو ذقت ما نذوق طلبت لنفسك شيشة! وهكذا...! فقلت لهن: أنا في مقام الأب وسأقول لكن كلمتين: الأنثي أعظم شيء عندها الشفاه. فهي تسود من الدخان. والفم تخرج منه رائحة كريهة. والدخان يؤثر علي الرئة ويضر الكبد فقالت واحدة: والله أعرف كل هذا يا عم الحاج فأنا طبيبة. وأنت نطقت بالحق. يا جماعة أنا هسيب الشيشة من الآن.. وقالت الباقيات: هو في حد ربانا وما تربنش؟! روح ربي المجتمع ثم تعالي ربينا.. فقلت لهن: الذي لا يعلمه الاباء والأمهات تعلمه الأيام والليالي. انظرن حولكن أو اقرأن التاريخ. تأملن في واقع المجتمع. أنتن تنفقن أموالكم فيما لا يفيد وتلوثن البيئة.. فضحكت إحداهن وقالت: ماتيجي نوديك شلة الشباب الذي يحشش! فقلت: لا مانع.. قالت: سندلك علي المكان ولن نذهب.. سألتها: كم شاباً تعرفين يدمن؟ قالت: أنا في كلية الحقوق وأعرف أكثر من 15% منهم يدخنون الحشيش.. وسألت الثانية. فأجابت: أنا بتاعة إعلانات وكل اللي في المكتب معي يدخن حشيش وكوكايين وفي النهاية خرجت بأن المجموع الكلي 100 شخص مثلاً فإن المتعاطين أكثر من 90%. تجربة شخصية يضيف الشيخ الرفاعي: أذكر في الستينيات والسبعينيات وأوائل الثمانينيات أنني كنت أعمل مع د.جمال ماضي أبوالعزائم في عيادته بمنطقة العتبة لعلاج مدمني المخدرات. فكان يأتينا بنات ونساء ورجال وشباب. فإذا كان المجموع الكلي لهؤلاء مثلاً 100 شخص فالشباب وحدهم يشكلون 80% فالأمر إذن خطير ويحتاج لعدة طرق للعلاج.. أولها: مراكز الإعلام المنتشرة في المحافظات لديها أفلام عن ضرر المخدرات والطعام الفاسد. وكنا في الماضي يأتينا بمراكز إعلام المحلة الكبري ويذيعون هذه الأفلام. فأين ذهبت الآن؟ نطالب هيئة الاستعلامات بإعادة هذا النشاط فالأفلام المصورة لها تأثير قوي جداً. ثانياً: المسجد عليه دور كبير وأرجو ألا تكون الرسالة مباشرة. فعلي الإمام أن يتكلم عن البيئة وعدم تلويثها وإضرار صحة الآخرين من ذلك بسبب التدخين الذي يؤذي برائحته الجالسين ويضر بصحة المتعاطي. فعلي الإمام أن يدخل في بيان أضرار التعامل مع هذه الأشياء بعد أن يتكم عن تلوث البيئة وإلحاق الضرر بالاخرين. والاستعمار وكيف يغزو ويهدد كياننا ويدمر صحة شبابنا ويدفع بنا إلي الإفلاس العقلي. ثالثاً: الفن ودوره في الأفلام والمسلسلات والأغاني. كل ذلك لابد أن يؤدي دوراً واضحاً وبلا مواربة. ولعل من يقوم بهذا الدور الفنان محمد صبحي وحسن يوسف وغيرهما كثير من الفنانين المبدعين. رابعاً: كانت في الماضي هناك أغنية تقول: "الدنيا سيجارة وكاس" وأخري تقول: "يا مسلي صاحبك يا الدخان" إلي غير ذلك فأين الشعراء الآن والمبدعون؟ ألم يعلموا أن الدخان والمخدرات هي تجارة رائجة للاستعمار يدمر بها ويقتل ويفرق بين المجتمع والجماعات ويخلق جواً من الفساد؟! فلم لم ينهضوا خاصة في بيوت الثقافة وإصداراتها المتوالية؟! ولم لا يكون للفنان في الكاريكاتير والفنون الأخري دور؟! خامساً: دور وزارة التربية والتعليم. فنحن نعلم أن الأديان السماوية كلها حرَّمت الخمر والمخدرات والسجائر. فلم لم تقم وزارة التربية والتعليم بوضع منهج يبين ضرر الدخان وأضرار المخدرات وتكون هناك لجنة من علماء الإسلام ورجال الدين المسيحي والطب النفسي والجسدي تكون مهمتها وضع كتيب أو أكثر يتلاءم مع كل المستويات وتكون له قيمة أدبية في التدريس بحيث يكون الأستاذ قدوة فلا يري والسيجارة في يده أو الشيشة في فمه لأن فعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل لرجل. إلي ذلك من الأمور التي يجب أن نهتم بها حتي نقضي علي هذه المشكلة ومن خلال تجربتي التي تجاوزت أكثر من 20 عاماً مع أبي العزائم في مجال علاج المدمنين أقول: إن الأمر سهل إن صحت عزيمة القائمين.