نائب رئيس جامعة حلوان يقابل الطالبة سارة هشام لبحث مشكلتها    تعرف على أهداف الحوار الوطني بعد مرور عامين على انطلاقه    برلماني: ما يتم في سيناء من تعمير وتنمية هو رد الجميل لتضحيات أبناءها    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    البلطى والبورى الأكثر تراجعًا    ساعة زيادة لمواعيد غلق المحال التجارية بسبب التوقيت الصيفي.. لهذا السبب    مشروعات سيناء.. عبور إلى الجمهورية الجديدة    مزاد علني لبيع عدد من المحال التجارية بالمنصورة الجديدة    رئيس COP28: على جميع الدول تعزيز طموحاتها واتخاذ إجراءات فعالة لإعداد خطط العمل المناخي الوطنية    نادر غازي يكتب: الصمود الفلسطيني.. و"الصخرة" المصرية    خبير علاقات دولية: مواقف مصر قوية وواضحة تجاه القضية الفلسطينية منذ بداية العدوان    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    فقرة فنية خاصة للاعبي الزمالك في مران اليوم استعداداً للقاء دريمز    كلوب: سأكون الأكثر ثراء في العالم إذا تمكنت من حل مشكلة صلاح ونونيز    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    النصر يتعادل مع اتحاد كلباء في الدوري الإماراتي    بسبب سوء الأحوال الجوية.. حريق 5 منازل بالكرنك    بالإنفوجراف والفيديو| التضامن الاجتماعي في أسبوع    كانت جنب أمها أثناء غسيل المواعين.. غرق طفلة داخل ترعة الباجورية في المنوفية    السينما العربية يكشف عن ترشيحات النسخة 8 من جوائز النقاد للأفلام    ملخص فعاليات ماستر كلاس بتكريم سيد رجب في «الإسكندرية للفيلم القصير» | صور    وسائل إعلام إسرائيلية: سقوط صاروخ داخل منزل بمستوطنة أفيفيم    حياتى أنت    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    صحة دمياط تطلق قافلة طبية مجانية بقرية الكاشف الجديد    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    نائبة تطالب العالم بإنقاذ 1.5 مليون فلسطيني من مجزرة حال اجتياح رفح    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    وكيل وزارة الصحة بأسيوط يفاجئ المستشفيات متابعاً حالات المرضى    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    مواعيد صرف منحة عيد العمال للعمالة غير المنتظمة    «مياه دمياط»: انقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة 8 ساعات غدًا    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأهرام» تنشر مذكرات الفريق أول محمد صادق(2)..
أسرار إحباط أول صفقة أسلحة ألمانية لإسرائيل.. زوجة قيادة إخوانية تفضح «العلاقات النسائية» لأعضاء الجماعة

* صادق: منعنا تزويد تل أبيب بزوارق سريعة ودبابات ومدافع وسيارات
* ألمانيا تعرض 70 مليون مارك لعدم قطع عبد الناصر العلاقات بين البلدين
* ضابط ألمانى اعترض على تسليح إسرائيل حتى «لا نخسر العرب جميعا»
* نجحنا فى تحويل المظاهرات الطلابية المناهضة لمصر إلى مسيرات تأييد
* تهريب قائد نازى من سجون ألمانيا إلى مصر مقابل آلاف الوثائق السرية
فى الحلقة السابقة من مذكراته المهمة، كشف الفريق أول محمد صادق، وزير الحربية الأسبق، عن الكثير من أسرار الحركات الوطنية السرية التى رفضت الاحتلال، وسعت لاستقلال مصر.
أكد أن الجمعية الوطنية المصرية التى عرفها المصريون باسم «جمعية الانتقام» كانت أول نواة لمقاومة قوات الاحتلال الإنجليزى التى بدأت تجثم على مصر منذ يوليو 1882.
أضاف أنه فى نهاية 1906 تم إنشاء «جمعية التضامن الأخوى» لتقود العمل ضد قوات الاحتلال.
أشار إلى أن ضباط القوات المسلحة كانوا يستلهمون فى تجمعاتهم السرية تاريخ النضال الوطنى ضد الوجود الأجنبى، وكان ماثلا أمام أعينهم تضحيات أبناء الشعب وقادته من أجل هذا الهدف.
لفت صادق إلى أنه من أوائل الذين انضموا لتنظيم «رجال الفداء» ووصف أعضاءه بأنهم من «الأكثر وطنية وصلابة، وصدقا مع النفس، وقدرة على إعلاء المصلحة العامة على الخاصة، وإيثار مصر على أنفسهم، واستعدادهم للتضحية من أجلها بالروح».
وعن هذا التنظيم صدر أول منشور فى تاريخ القوات المسلحة للتحريض على الثورة.
توقف طويلا أمام فترة عمله بالحرس الملكى، حيث كان والده اللواء أحمد باشا صادق قائد هذا الحرس، وأتاح له تلك الفرصة لتوزيع المنشورات داخل القصور الملكية.
قالها صريحة: «لم يمنعنى منصب أبى ومسئولياته، من تحمل مسئوليتى الوطنية تجاه بلدى وضد قوات الاحتلال، وضد الفساد».
أوضح أن دور جمال عبد الناصر الثورى برز بعد معركة 1948، فقد «تمكن جمال عبد الناصر بذكائه من التعامل مع كل القوى السياسية فى مصر... وسعى للسيطرة على معظم التنظيمات السرية داخل القوات المسلحة، وكان تنظيما الفرسان والطيران فى مقدمة تلك التنظيمات للاستفادة من خبرتها فى العمل السرى وطباعة المنشورات...».
واصل صادق رصد محطات مهمة فى مسيرة العمل السري، حتى قيام ثورة 23 يوليو. وبعد خروج الملك من مصر، توجه إلى مقر مجلس قيادة الثورة، والتقى جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، حيث رحب به الأخير ترحيبا شديدا... «كنا صديقين من نفس الدفعة، درسنا وعشنا وتخرجنا معا وجمعت بيننا ظروف العمل فى بعض الأحيان».
انتهى اللقاء بتعيينه قائدا للحرس الجمهورى، وهو برتبة الصاغ «رائد» الأمر الذى اعتبره لفتة طيبة من قادة ثورة 23 يوليو.
وفى هذه الحلقة ينتقل بنا صادق إلى ألمانيا الغربية حيث عمل ملحقا حربيا لمصر. بدأ عمله هناك عام 1963، وانتهى عام 1965 نتيجة لقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وشهدت الفترة بين هذين العامين الكثير من الإنجازات التاريخية يتحدث عنها فى السطور الآتية.
المشير عبدالحكيم عامر والعميد أركان حرب محمد صادق خلال مناورة فى فايد 1962
قبل أن يصدر المشير عبدالحكيم عامر قرارا بإيفادى إلى ألمانيا الغربية، سألنى إذا ما كنت على استعداد للعمل بهذه الدولة الحساسة والمهمة؟ وهل يمكننى أن ألبى الاحتياجات المطلوبة منى حتى وإن كانت السلطات الألمانية ستفرض رقابة شديدة على تحركاتى؟
وأوضح المشير أن العلاقات المصرية الألمانية ليست جيدة، لاعتقاد المسئولين الألمان ككل المسئولين بالدول الغربية أن مصر تدور فى الفلك السوفيتى، وأن علاقات مصر بألمانيا الشرقية ستؤثر بلا شك على عملى وعلاقاتى.
فأجبته بأن التوفيق من الله.
وللعلاقات القوية التى كانت تربطنى بالمشير، رأيت أن أستفسر عن نقطتين مهمتين، الأولى: هل اتفق مع الرئيس عبدالناصر على هذا القرار؟ والثانية: هل هى عملية إبعاد لى؟ .. وبتلقائية محببة فى المشير سألنى إذا كنت أخشى أن يظن عبدالناصر أننى من رجاله؟ .. فقلت له: نعم. .. فقال: سأتصل بجمال الآن.
وفعلا اتصل به أمامى، وأخبره أنه سيقرر إسناد مسئولية منصب الملحق الحربى فى ألمانيا لمحمد صادق، وأنى موجود معه الآن، فوافق عبدالناصر، وطلب أن يحادثنى، فهنأنى بالمنصب، وتمنى لى التوفيق.وبعد أن وضحت النقطة الأولى، قال المشير: يا محمد، ولماذا أقرر إبعادك أو التخلص منك؟ إننى فى حاجة إلى جهودك فى ألمانيا، ولم أجد أفضل منك لأسند إليه هذه المسئولية.
لقاءات علنية ومكشوفة
قررت أن أسافر إلى ألمانيا بالبحر، لتتاح لى فرصة قراءة عدد من الكتب فى قواعد العمل الدبلوماسى، والتاريخ الألمانى، والنظام السياسى والاقتصادى بعد تقسيم ألمانيا إلى دولتين. وبدأت فى ممارسة مسئولياتى بالعاصمة الألمانية بون عام 1963، ولم تكن العاصمة أكثر من قرية صغيرة على شاطئ نهر الراين، تقرر اختيارها عاصمة لألمانيا بعد هزيمة النازى، لمجرد أنها المدينة التى ولد ونشأ بها مستشار ألمانيا القوى كونراد اديناور.
وبهدوء عملت على تكوين شبكة من العلاقات مع العسكريين الحاليين والسابقين، ومن مختلف الأسلحة، ولم أنس الطلبة المصريين، وباقى أعضاء الجالية المصرية الذين كانت شكوك السلطات المصرية تحاصرهم تماما، وتصنفهم على أنهم أعداء النظام، فلم أبال بنصائح البعض فى القاهرة، وبنيت جسورا معهم، وقررت أن أكتشف مواقفهم بنفسى لا استنادا إلى التقارير والشائعات.
ومضت الحياة بإيقاعها السريع، وكثرة الانتقالات التى تعهدت أن أجعلها سياسة ثابتة لى، لأعطى الانطباع للمخابرات الألمانية أننى رجل كثير الأسفار، سريع الحركة، وإن تعمدت أن تظل كل لقاءاتى علنية ومكشوفة سواء مع العسكريين والمدنيين الألمان أو مع المصريين طلبة وجالية أيا كانت ألوان أعضائها السياسية.
كان المصريون فى الخارج يبحثون عن الحقائق والمعلومات التى تنقصهم عن أحداث كبيرة، مثل الوحدة المصرية السورية والانفصال السورى والتدخل المصرى فى اليمن وقرارات يوليو الاشتراكية وغيرها من الأحداث الكبرى التى تعيشها مصر.
وحرصت أن أطلعهم على الحقائق كما أعرفها، وكان ذلك من أهم عوامل الثقة التى ربطت بيننا، ونهجت نفس النهج مع الألمان، فما أن أواجه بسؤال حتى أجيب بما أعرفه من حقائق، ولما كنت أعلم ما يجب أن يقال وما لا يجب أن يقال، كانت إجاباتى مقنعة للسائل. وكان هذا أسلوبى أيضا مع الملحقين العسكريين، وكنا جميعا نسعى وراء المعلومات.. الملحقون العسكريون، والقادة، وضباط المخابرات الألمان، ورجال الأحزاب، والصحفيون.
ووجدت طريقى إلى البرلمان الألمانى «البوند ستاج» وكانت جلساته وتقارير لجانه مفيدة جدا، وغنية بالمعلومات.
خيوط اكتشاف «الصفقة»
بدأت خيوط اكتشاف صفقة الأسلحة الألمانية لإسرائيل، وأنا أقضى أول إجازة قصيرة لى بمصر. فوجئت باتصال تليفونى من الفريق سليمان عزت قائد القوات البحرية، يطلب منى أن نلتقى. وفى مكتبه أخبرنى أنهم يبنون غواصة جيب، وينقصهم جهاز حدده لى، وطلب أن أبحث عن مهندس ألمانى متخصص، فالألمان يبنون مثل هذا النوع من الغواصات فى المنطقة المطلة على بحر البلطيق.
وكانت مصر قد انغمست بقوة منذ نهاية الخمسينات وطوال النصف الأول من الستينات فى مجال الصناعات الحربية، مستفيدة من المصانع التى بناها رجل الصناعة المصرى أحمد باشا عبود، واتجه المسئولون عن هذا النشاط إلى ألمانيا للاستفادة من خبرة العلماء ورجال الصناعة الألمان. وبعد عودتى لألمانيا فى النصف الثانى من عام 1963 بدأت أسعى لتلبية طلب الفريق سليمان عزت قائد القوات البحرية فى العثور على خبير ألمانى يمكنه أن يقود فريق العمل المصرى لطريق النجاح لبناء الغواصة الجيب. هذا النوع الصغير الحجم من الغواصات كان يتناسب وخطط القوات البحرية وأهدافها. وكانت القوات البحرية قد بدأت فى إنشائها سرا منذ فترة ليست بالقصيرة دون أن تحقق النتائج المرجوة. ومنذ أن توليت مهام الملحق الحربى فى ألمانيا سعيت لتوثيق علاقاتى بالقادة والضباط الألمان خاصة هؤلاء الذين لم يخفوا كراهيتهم لليهود والدولة اليهودية، ولحسن الحظ كان من بين هذا الفريق عدد كبير يشغل عددا من مقاعد الصفوف الأولى.
ومن خلال دراستى مجالات عمل وتخصص هذه النخبة من الأصدقاء تذكرت أن النقيب «ايرهارد» صديق يعمل بالبحرية الألمانية. ولأول مرة تعرفت عليه، اكتشفت انه فقد عينا من عينيه، ومع ذلك ما زال يعمل بالقوات البحرية الألمانية، ولم تؤثر إصابته على عمله أو مستقبله.
ووجهت دعوة لصديقى ايرهارد وزوجته للعشاء حيث احتسى المشروب الكحولى الذى يفضله ويسميه الألمان «شنابس» وأفرط ايرهارد قليلا فى الشرب. وعندما وصل إلى مرحلة السكر ظهر وجهه النازى، وأفاض فى الحديث عن اودلف هتلر والمرحلة النازية، وأعلن ولاءه للنازية، مجد ألمانيا والألمان. تركته يتحدث دون مقاطعة، ورأيت وهو يواصل الشرب أن أمهد للحديث للوصول إلى الهدف، فطلبت منه أن يحدثنى عن عالم الغوص والغواصات بصفته خبيرا فى هذا المجال، فإذا بالقائد الألمانى ينتفض غاضبا ويخاطبنى بأسلوب حاد قائلا: «جنرال صادق يجب أن تعلم أننى عارضت حتى النهاية تزويد إسرائيل بغواصات أو دبابات أو أى أسلحة ألمانية، وطرحت حججى أمام القيادة الألمانية وكان أن نجحت فى عدم تزويد إسرائيل بالغواصات، أما بالنسبة للدبابات والمدافع والسيارات فلم أوفق».
وقال: إن القوات البحرية ستقوم بتسليم إسرائيل زوارق بحرية سريعة.
أما عن تسليم باقى الأسلحة الخاصة بالقوات البرية فهو لا يعلم عنها شيئا فمعلوماته مقصورة على القوات البحرية.
وأضاف أنه أبلغ قياداته أن هذه الصفقة العسكرية لإسرائيل صفقة خاسرة وأنه إذا تم تنفيذها وعلم العرب بها فسنخسر العرب جميعا.
رسالة عاجلة من القاهرة
حتى تلك اللحظة لم أكن أعلم شيئا عن الصفقة، وكانت الفرصة متاحة لاستثمارها لمعرفة حقيقة هذه الصفقة التى تحدث عنها. ولأن القائد الألمانى تصور أننى على علم سابق بالصفقة أو ببعض تفاصيلها نتيجة للسؤال الذى طرحته عليه كمدخل للحديث فلم يجد ما يمنعه من مواصلة الحديث معى عن الصفقة وتفاصيلها، وعن أسرار العلاقة بين ألمانيا وإسرائيل، والضغوط التى تمارسها الولايات المتحدة لتزويد إسرائيل بهذه الصفقة. وكذلك الضغوط التى تمارسها إسرائيل لابتزاز ألمانيا عسكريا كما تبتزها ماليا واقتصاديا بحجة التكفير عن «الهولوكوست».. ولم ينس القائد الألمانى أن يخبرنى أن هذه الغواصات يتم بناؤها فى هانوفر.
وحافظت على نفس الخط، وأخبرته أن مصر على علم تام بالصفقة، فاعترف ايرهارد بأن ذلك خطأ فادح، وقعت فيه الحكومة الألمانية. وبعد انصراف الضابط الألمانى، بدأت أرتب أفكارى والأسلوب الأمثل الذى يجب أن أسلكه فى ضوء المعلومات المهمة التى سقطت فى يدى الليلة .
ومبكرا طلبت مدير المخابرات الألمانية لتحديد موعد عاجل، لمعلومات وصلتنى فى رسالة عاجلة من القاهرة. فأخبرنى أن لديه موعدا فى التاسعة والنصف صباحا، فقلت له، إننى أريد موعدا قبل ذلك. وتحدد الموعد فعلا قبل التاسعة والنصف. واستقبلنى الرجل فى مكتبه، فأخبرته أننى تسلمت رسالة من القاهرة تستفسر عن صفقة الأسلحة الألمانية الإسرائيلية والتى تضم دبابات ومدافع وسيارات وغواصات وزوارق. وصعق مدير المخابرات الألمانى من هذه المعلومات، وطلب منى محاولة تهدئة الموقف، وحاول شرح أبعاد وحقائق هذه القضية الطويلة والمعقدة.
وفى خطوة تالية طلبت موعدا مع وزير الدفاع الألمانى. وقلت للوزير، إن الرئيس عبدالناصر مستاء للغاية من الموقف الألمانى، وإنه يريد توضيحا وردا واضحا، بعد أن نقلت له المعلومات التى سبق أن قلتها لمدير المخابرات مضافا إليها المعلومات التى وردت فى رد مدير المخابرات ونحن نتحدث معا.وأخبرت المسئول أن مصر ستتخذ موقفا تجاه ألمانيا، وسيكون ذلك الموقف نتيجة للمعلومات الخاصة بهذه الصفقة وموقف ألمانيا منها.
وفى مساء نفس اليوم أرسل إلى لودفيج ايرهارد مستشار ألمانيا زوج أخته، فى محاولة لمساومتى على تهدئة الموقف ومنع مصر من اتخاذ موقف متشدد. ووصل الأمر إلى أن عرض الرجل دفع 70 مليون مارك لمصر، مقابل ألا يعلن عبدالناصر قطع العلاقات مع ألمانيا الغربية.
ومن مكتبى الذى توجهت إليه فورا أرسلت صورة من التقرير الذى كتبته إلى كل من الرئيس عبدالناصر والمشيرعامر ووزير الخارجية. ولأن التقرير تضمن معلومات دقيقة عن أول صفقة سلاح ألمانية لإسرائيل فقد استخدمت مصر هذه المعلومات للهجوم على ألمانيا ودورها فى مساندة إسرائيل عسكريا. وعلى ضوء هذه الحملة الإعلامية والسياسية واسعة النطاق تم تجميد الصفقة. وأبلغنى سامى شرف رسميا تقدير وثناء الرئيس عبد الناصر على جهودى فى الكشف عن هذه الصفقة، وطريقة معالجتى واستثمارى لها .وكانت هذه المعلومات الخاصة بالصفقة التى قررت ألمانيا تجميدها مقدمة لمعلومات عسكرية أكثر سرية وأهمية تمكنت من معرفتها من خلال علاقاتى بالقيادات العسكرية الألمانية وكان معظم هذه المعلومات يتعلق بحلف الأطلنطى وخططه وبرامج تسليحه. وقد عرفت فيما بعد أن عبدالناصر كان شديد الاهتمام بهذه المعلومات وأعتقد أنه نجح فى توظيفها والاستفادة منها خلال اتصالاته مع القادة السوفيت، وظل مكتب الرئيس يطلب منى المزيد من هذه المعلومات، وكلما بعثت بتقرير تلقيت الثناء من الرئيس وبعد فترة كان مكتب عبدالناصر يبلغنى ثناء السوفيت أيضا وإشادتهم بنشاطى فى ألمانيا الغربية!
رحلة صيد فى بون
الإنجاز الثانى المهم فى ألمانيا الغربية كان الابن الشرعى لعملية إلقاء القبض على قائد نازى كبير أودعته السلطات الألمانية السجن رهن المحاكمة، ومن خلال المحنة التى كان يعيشها، قرر أن يرسل صديقته لى، لتعقد معى صفقة، ففى مقابل تهريبه من السجن، سأحصل على حقائب من الوثائق عن اليهود والصهيونية وإسرائيل.
ودرست الأمر من كافة أبعاده، بعد أن تيقنت من صدق الرجل وأن الأمر ليس كمينا للملحق الحربى المصرى ورأيت أن الصفقة متكافئة، قررت تعيين صديقة القائد سكرتيرة بمكتب الملحق الحربى المصرى، لسهولة الاتصال ونقل المعلومات والتعليمات. ووضعت خطة لتهريب القائد وحارسه معا بعد أن وافق الحارس على الهرب وتهريب القائد، وفى مزرعة استأجرتها من أجل خطة التهريب كانت تنتظرهما طائرة صغيرة «بروبيلر» لتنقلهما إلى مزرعة خيول بالقرب من الحدود السويسرية. وبالمزرعة كان فى انتظار الجميع جوازات سفر جديدة وبطاقات سفر إلى القاهرة.
وبعد سفرهما نظمت سفر أطفالهما والمربية الخاصة، ليقيم الجميع معا بالقاهرة. وسلم الرجل الوثائق للقاهرة، وكانت قيمتها عالية. وعندما نظمت المخابرات الألمانية خلال نفس الفترة رحلة صيد للملحقين الحربيين بالعاصمة بون، اقترب منى مدير المخابرات فى نهاية الرحلة وسألنى عما إذا كان «الصيد ثمينا...» فأجبته بأننى أخرج لأول مرة فى رحلة صيد بألمانيا، وكل ما أتمناه ألا أكون الأخير فى ترتيب الصيادين اليوم، فابتسم الرجل، وقال إننى أعنى شيئا آخر، فرددت عليه مندهشا: «لا أعلم ماذا تعنى..».
وللقصة فى مصر بقية، فالقائد الألمانى بعد أن استقرت أوضاعه بالقاهرة، اكتشف الجميع أنه «زئر نساء» وأنه كان على علاقة بكل من صديقته والمربية، واكتشفت صديقته ما يجرى، فما كان منها إلا أن أخبرت صحفيا ألمانيا يقيم بالقاهرة ويعمل بها بوجود القائد النازى الهارب بالقاهرة. وخططت مع الصحفى لتصويره بما يؤكد صدق قصته الصحفية، وفعلا تمكن الصحفى من التقاط صورة له بفندق مينا هاوس. وذاع الخبر وفوجئت سلطات الأمن الألمانية بوجود القائد الهارب فى القاهرة، وكانت الشكوك قد اتجهت إلى الاتحاد السوفيتى ودول أوروبا الشرقية.
وحضر إلى القاهرة أكثر من 70 صحفيا ومصورا ألمانيا وبصحبتهم عدد من المسئولين بالمخابرات الألمانية، وروت لهم «صديقته» القصة كما عرفتها، وكان ما تعرفه قليلا جدا ولكن أهم ما اكتشفته السلطات الألمانية أننى طرف فى هذه القضية. وانتهت القصة بأن وافق القائد الألمانى على تسليم نفسه لألمانيا الغربية لاستكمال فترة سجنه، ولم تعترض القاهرة على قرار القائد الألمانى.
تصحيح أوضاع الطلبة
كنت قد حرصت قبل سفرى إلى ألمانيا على جمع المعلومات المتاحة وقراءة التقارير السياسية والأمنية الخاصة بالجالية المصرية، ومن بين ما سمعت اتهام الطلبة المصريين الموجودين هناك، بالانتماء للإخوان، أو على الأقل العمل على نصرة قضية الإخوان نتيجة نشاط سعيد رمضان ورجاله الموجودين بألمانيا، بل رأيت أن هذا الاتهام قد تحول إلى اقتناع لدى المسئولين. ورفضت هذا الاتهام وهذه الصورة. وبعد أن وصلت إلى ألمانيا، وحتى قبل أن أستقر بدأت أتصل بهم وأدعوهم وأحاورهم وأناقشهم وأجيب عن أسئلتهم. كانوا فى حاجة للرعاية، فالبعثة التعليمية والمكتب الثقافى والسفارة ككل تنأى عنهم ولا يقوم أى من هؤلاء المسئولين بدوره تجاههم. وكان الطلبة من جانبهم ساخطين متبرمين من هذا الموقف السلبى للمسئولين المصريين. وحاولت تصحيح هذه الأوضاع بقدر ما أستطيع وتدخلت وضغطت واتصلت بالقاهرة من أجل هذا الهدف.
كانت الغالبية منهم قد ابتعدت كثيرا عن الوطن، وافتقدوا بذلك أسرهم التى غابوا عنها طويلا. وساهم البعد عن الوطن فى الانقطاع عن الأخبار، وكان مصدر معلوماتهم أجهزة ووسائل الأعلام الأجنبية، بكل ما هو معروف عن موقفها السلبى من مصر ومن جمال عبدالناصر.
ولم أخف عنهم الحقيقة، أجبت عن أسئلتهم، وأرضيت فضولهم وشوقهم للمعلومات وبحثهم عن حقيقة ما يجرى فى الوطن. وحاولت أن أزيل الشبهات التى رأوا أنها تحيط بمستقبلهم. وبالاتصال المباشر والحوار تولدت علاقة صداقة واحترام بيننا. ولم أحاول من قريب أو بعيد أن أشير إلى الصورة المرسومة لهم أو الاتهامات الموجهة إليهم.
حقيقة الأوضاع فى مصر
أما نفوذ سعيد رمضان بين الطلبة فلم يكن خافيا، كان يعمل هو ورجاله بهمة ونشاط مستغلا بعض سلبيات النظام وعدم وضوح الصورة لدى الطلبة، وبدأت أجمع معلومات عن سعيد رمضان القائد الإخوانى وأعوانه الذين يعتمد عليهم. ولفت نظرى أن الرجل يعيش فى جناح بفندق كبير ومشهور.
واستطعت أن أصل إلى زوجة أحد مساعدى سعيد رمضان، وأن أكسب ثقتها، فبدأت تحكى لى الكثير مما تعرفه عن العلاقات النسائية لزوجها وللقائد الإخوانى، وبعد أن اطمأنت ووثقت بى، سألتها عما إذا كانت مستعدة لعقد مؤتمر صحفى تعلن فيه ما تعرفه، فوافقت.
وحضر الصحفيون وبعض المصريين الموجودين بألمانيا، وبدأت الزوجة تحكى، كيف طردها زوجها فى الساعة الثانية صباحا بسبب اعتراضها على وجود امرأة أخرى معه بمنزل الزوجية. وتحدثت عن سعيد رمضان وزوجها وعن حياة الرفاهية التى ينعمون بها وقالت إنها لا تعرف من أين يأتون بكل هذه الأموال أو كيف ؟.
ولأول مرة يتعرف الطلبة المصريون على حقيقة الأوضاع فى مصر، ويحتكون بمواطن مصرى يهتم بهم وبمشاكلهم، حتى وإن كانت مسئوليته المباشرة هى رئاسة المكتب الحربى.
ولأول مرة يرون جانبا مهما من الصورة الحقيقية لزعامات إخوانية، والتى تتناقض تماما مع ما يدعون إليه. وكان الشرخ الذى أصاب صورة سعيد رمضان ومساعده واحدا من الأسباب الرئيسية لتراجع النشاط الإخوانى بين الطلبة والجالية المصرية خلال تلك المرحلة.
وحدث خلال فترة عملى بألمانيا الغربية أن أصدرت الحكومة المصرية قانونا يؤثر على أوضاع الطلبة هناك ومستقبلهم. وجرت عملية تحريض واسعة النطاق قادها اتحاد الطلبة والمسئولون الطلابيون بالولايات الألمانية المختلفة. وأرسلت عددا من الرسائل والبرقيات لكل مستويات المسئولين أطلب إلغاء القانون، وأحذرهم من إعداد الطلبة الموجودين بألمانيا مظاهرة حاشدة معادية لمصر والحكومة والرئيس عبدالناصر. وأصم المسئولون جميعا آذانهم، بل لم يهتم أى منهم بالرد على رسائلى وبرقياتى.
وقبل موعد الإضراب بساعات، تساءلت ولماذا لا أكتب لعبدالناصر مباشرة، وأرسلت برقية نصها: من اللواء محمد صادق الملحق الحربى المصرى فى ألمانيا إلى الرئيس عبدالناصر «سيبدأ الطلبة المصريون فى ألمانيا صباح باكر إضرابا ضد مصر وضدكم بسبب القانون الذى أصدره مجلس الوزراء. أقترح إعادة النظر فى مضمونه».
وبعد ساعات تسلمت برقية من جمال عبدالناصر يخبرنى فيها بأنه يبعث بتحياته إلى أبنائه الطلبة فى ألمانيا الغربية ويعتز بهم، ويحمل لهم أطيب المشاعر، ويطلب منى إبلاغهم بأنه أصدر أمرا بإلغاء القانون فورا.
واتصلت باتحاد الطلبة فى بون وسلمتهم نسخة من برقية عبدالناصر، ولم ينم الطلبة وقضوا الليل يتصلون بزملائهم فى الولايات الألمانية لإعلامهم بمضمون رسالة عبدالناصر. وفى الصباح تحركت المظاهرات الطلابية كما كان مخططا لها، ولكن تأييدا لمصر وعبدالناصر.
وفى عام 1965 انتهت فترة عملى بألمانيا نتيجة لقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ولا شك أننى استفدت كثيرا من هذه الفترة. وعدت من ألمانيا لأتسلم عملى كبيرا للمعلمين بالكلية الحربية، قبل أن أتحمل مسئولية إدارة المخابرات الحربية فى منتصف عام 1966.
وكنت تلقيت قبل نهاية عملى بألمانيا الغواصة الجيب التى تتسع لفرد واحد هدية من الأصدقاء الألمان الذين تعاونوا معى طوال سنوات عملى هناك, وقد عدت بهذه الغواصة وسلمتها للقوات البحرية.
الرئيس عبدالناصر والفريق أول فوزى والفريق صادق فى أثناء مناورة حربية

فى الحلقة الثالثة.. «السبت» المقبل:
* القوات المسلحة «بريئة» من نكسة 1967
* عامر حاول إلغاء قرار «الانسحاب» بعد فوات الأوان

رابط الحلقة الأولى:
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/696357.aspx


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.