تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولى عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، افتتح الشيخ نهيان بن مبارك، وزير التسامح فى دولة الإمارات العربية المتحدة أمس «المؤتمر العالمى للأخوة الإنسانية»، الذى ينظمه مجلس حكماء المسلمين بالتزامن مع الزيارة التاريخية لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الكاثوليكية إلى الدولة، وبمشاركة قيادات دينية وشخصيات فكرية وإعلامية من مختلف دول العالم، بهدف تفعيل الحوار حول الأخوّة الإنسانية وأهميتها ومُنطلقاتها وسبل تعزيزها عالميا. وتتضمن أجندة المؤتمر على مدى يومين، سلسلة من جلسات النقاش وورش العمل التى تجمع مختلف الأديان السماوية والعقائد لترسيخ قواعد العقد الاجتماعى الذى تتفق عليه الإنسانية جمعاء. وسيشمل برنامج المؤتمر ثلاث جلسات رئيسية، تبحث فى مجملها عن أفضل السبل لإرساء ثقافة السلم بديلا للعنف والنزاعات العقائدية والعرقية وترسيخ مفهوم المواطنة فى مواجهة التطرف الديني. وقال الشيخ نهيان فى كلمته الافتتاحية: «يعد هذا المؤتمر بمثابة فاعلية متعددة الثقافة قائمة على التسامح الذى يُمكن ويُشجع المحبة والحوار والتفاهم والاحترام. وسوف تؤسسون اتحادا عالميا يهدف إلى تحديد التحركات التى من شأنها تأكيد القيم المشتركة ومحاربة قوى التطرف والإرهاب المدمرة والفقر وسوء التغذية وتدهور أحوال المرأة وإفساد البيئة والأمية والكراهية والتحامل والجهل العلمى والتقني، والظلم وعدم وجود رعاية صحية.» وأضاف : «لقد رأينا الحكمة فى الإمارات العربية المتحدة ممثلة فى شخص مؤسس دولتنا، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان بن نهيان الذى عرف باسم «حكيم العرب». كان زايد مفكرا حرا ومبدعا، كان واسع المعرفة وكان دائم البحث عن الأفكار الجديدة ولم يتردد فى التأقلم مع الحقائق الجديدة أو المتضاربة. استطاع الشيخ زايد بهذه الطريقة أن يحكم على الأمور ببعد نظر وطور قدرة غير عادية على فهم الأمور المحيرة». وأضاف: «تميزت قيادة الإمارات العربية المتحدة بالحكمة، إذ مثلت جزءا كبيرا من ثروتنا. فقد قدر رئيس الإمارات العربية المتحدة سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب الرئيس ورئيس الوزراء وحاكم دبى وسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبى ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قيمة الحكمة كما اهتموا بتنمية الصفات التى تعزز الأفعال الحكيمة.» واختتم كلمته بالقول: «أقف أمامكم اليوم وزيرا للتسامح فى دولة الإمارات العربية المتحدة. أقف أمامكم رمزا رسميا لالتزام بلادى بالتسامح كمكون أساسى لمجتمعنا. أقف أمامكم أدلة حية على التزامنا المستمر بالتسامح. نحن نعلم أن التسامح لا يزدهر فى غياب الإجراءات الحكيمة.» من جهته أعرب السفير أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن سعادته فى المشاركة فى هذا المحفل المهم كونه يجمع كوكبة من رجال الدين والخبرة الذين اجتمعوا من جميع أركان الأرض تحت سقف دولة الإمارات للمشاركة فى تحقيق مبادئ الأخوة الإنسانية التى تتجاوز بجوهرها القبيلة وكل أشكال العصبية. كما أكد أن الأديان ليست هى المسئولة عن التطرف الذى شهده ويشهده العالم اليوم كون الرسالات السماوية حملها وطبقها بشر لذلك يمكن لهم أن يخطئوا أو يصيبون. وأكد أن التطرف هو موقف من الحياة فأصحابه يلغون الآخر بحجة أنهم يمتلكون الحقيقة كاملة ويجدون لأنفسهم أيضا أحقية التسيّد على الآخرين. وشدد على أن الأخوة الإنسانية والتسامح هما صنوان لا يفترقان، فالبشر مختلفون بالأفكار والعقائد والعادات ومفهوم التآخى الإنسانى لا يهدف إلى تنميط البشر أو حملهم على إنكار ما بينهم من اختلاف، فالاختلاف رحمة والرحمة تقودها فضيلة التسامح. ونوه أبو الغيط إلى أن الإنسانية هى منهج وطريق حياة، ليست قيمة يكتسبها الإنسان بمجرد الميلاد، بل هى فضيلة يتعلمها ويمارسها، لذلك فقد قامت الجمهورية المصرية بالاحتفال بقامات تاريخية ثلاث تمثل التسامح فى أجمل صوره وهم أنور السادات والزعيم نيلسون مانديلا والرجل الحكيم الذى أسس دولة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن نهيان طيب الله ثراه كونها قيادات ذات رؤية وبصيرة والنظرة الشاملة، وقد قادوا بلادهم لمستقبل مشرق لتنعم به شعوبهم. كما ألقى الدكتور جيمس زغبي، رئيس المعهد العربى الأمريكي، كلمته أمام الحضور وأشار فيها إلى أن العالم اليوم يعيش بأوقات مقلقة جداً لأن هناك مجموعات تسعى لتحويل الدين إلى سلاح توجهه فى وجه الآمنين، وأن مجتمعات العالم اليوم باتت غير محصنة من هذا الأمر، فالمسئولية منوطة بالجميع، لذلك يعد هذا المؤتمر فى غاية الأهمية كونه يجمع المئات من قادة الأديان لمناقشة سبل تعزيز التسامح والاحترام المشترك، خاصة أنه يعقد فى دولة الامارات، عاصمة التسامح، التى يشعر جميع قاطنوها والزائرين لها بالأمان الاستثنائي. و أكد سعادته بأن هذه الفاعلية هى فرصة جديدة لبناء العائلة الإنسانية عبر جميع ممثلى الأديان المجتمعين اليوم. من جهته، توجه نيافة الأنبا يوليوس، أسقف عام بطريركية الأقباط الأرثوذوكس، بالنيابة عن قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، بكلمة توجه فيها بالشكر لدولة الامارات قيادة وحكومة وشعبة والجهات المشاركة. وقال إن فكرة المؤتمر تعد فكرة رائدة فعالة تسهم فى ترسيخ قيم الإخاء والمحبة بين مختلف سكان الأرض، وأن البشر من أصل واحد واخوة فى الإنسانية. وشدد على أن تعاليم السيد المسيح تدعو إلى المحبة والتعايش والتآخى كباقى الأديان السماوية. كما نوه نيافته بأن الكرامة الإنسانية هى ميزة منحها الخالق إلى أعضاء الاسرة البشرية الواحدة، كوننا فى قرية كونية تعيش فيها أسرة واحدة تجمعها مقومات أساسها الكرامة الإنسانية التى تفرض عليها العديد من الحقوق والواجبات. وقال : إن التعايش السلمى هو الضمان الحقيقى للقضاء على مظاهر التطرف والعنف، ويتوجب علينا نحن الجنس بشرى أن نبحث دائماً على القواسم المشتركة قبل الاختلافات، وإقامة جسور التواصل بين المجتمعات كافة وتبنى ثقافة الحوار والتسامح وقبول الآخر كونها أصبحت من الحاجات الملحة اليوم فى عملية بناء الإنسان وغرسها فى نفوس الأجيال الناشئة كى يتحملوا أعباء المسئولية فى المستقبل. وأضاف أن دولة الإمارات باتت اليوم نموذجا حيا للتميز فى إرساء ثقافة الإخاء والتسامح وتحويلها إلى منهج حياة لتحقيق السلم العالمي. واختتم كلمته بأن هذا المؤتمر يعد من المبادرات المهمة التى تحقق قيمة المشاركة والسلام، وأنها تعكس قيم الآباء المؤسسين لدولة الإمارات التى أسسها الشيخ زايد رحمه الله كونه قائدا ممتلئا بالحكمة والخير والإنسانية. وفى كلمة ألقاها الدكتور أولاف فيكس تافيت، الأمين العام لمجلس الكنائس العالمى للاتحاد السويسري، قال إن مجتمعات العالم اليوم أسرة بشرية واحدة، وكل عائلة تمتلك العديد من الاختلافات والتحديات، لكن ما يتجاوز هذه التحديات ويجعلها تشعر بالسلم والأمان هو الحب بمفهومه المتكامل؛ فالحب هو فضيلة، وبهجرها تصبح المخاطرة كبيرة، فبها وحدها فقط تتحقق مبادئ العدالة والسلام والوحدة والاتحاد. وأكد أن الأولوية اليوم التركيز على كيفية التعامل مع موضوع التطرف، كونه حقيقة متوحشة وواحدة من أكثر السموم التى تدمر حياتنا بتبعات مميتة ومهدمة. وأشار إلى أن التعددية الدينية هى حقيقة ترجع أسبابها لتاريخ تطور الإنسان، لكنها ليست السبب وراء إلغاء الأخوة التى تجمعنا، كوننا نشترك بالإيمان بالله. وأضاف أن العالم اليوم يعيش تحديات جمة تتطلب من الجميع أن يقف وقفة واحدة صريحة باسم الله ولمصلحة كل البشر من خلال إعلاء قيمة المواطنة وهجر جميع أشكال التمييز والعنصرية.