يحفل عام 2019، الذى بدأ منذ أيام قليلة، بالكثير من المناسبات القومية المهمة، ويمثل الاحتفاء بها تنشيطًا للذاكرة الوطنية وبالأخص عند جمهور الشباب ممن لم يعاصروا تلك المناسبات والأحداث، فالقراءة الجيدة للتاريخ تحقق التواصل بين الأجيال وتقرب بينهم، وتُسهم فى تشكيل هوية المواطن، حيث تدعم الانتماء للوطن والارتباط به، كما أنها ترسخ قيمة التماسك الاجتماعى بين المواطنين عبر التركيز على المشترك بين مكونات الجماعة الوطنية، وفى الإجمال فإن معرفة الماضى تساعد على قراءة الحاضر والتطلع للمستقبل فى ضوء الاستفادة من الخبرة التاريخية، وما تحمله من انتصارات حققها المواطنون وبنوا عليها، فى مواجهة انكسارات اجتهدوا فى تجاوزها. فى هذا الإطار يحتفل المصريون هذا العام بمرور مائة وخمسين عامًا على افتتاح قناة السويس عام 1869م فى عصر الخديو إسماعيل (1863- 1879م) الذى يُعد المؤسس الثانى لمصر الحديثة بعد جده محمد على (1805-1848م) على الرغم مما حمله عصر إسماعيل من إيجابيات وسلبيات، أما قناة السويس التى تربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر فكانت مشروعًا كبيرًا وضخمًا استمر العمل فيه عشر سنوات، حيث كان المشروع قد بدأ فعليًا فى عهد سعيد والى مصر (1854-1863م) عام 1859م، وقد شهدت قناة السويس، باعتبارها ممرًا مائيًا له أهميته فى الحركة التجارية الدولية، وعبر كل هذه السنوات الكثير من التوسعات والمشروعات، كان أحدثها مشروع قناة السويس الجديدة التى افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى 6 أغسطس 2015م. ويُذكر أن الاحتفال بافتتاح قناة السويس قد شهد بداية الاهتمام بفن الأوبرا فى التاريخ الحديث، حين تأسست دار الأوبرا (الخديوية ثم الملكية ثم المصرية)، بأمر من الخديو إسماعيل، وهى أول دار أوبرا فى إفريقيا، كانت تقع أولًا بين حى الأزبكية وميدان الإسماعيلية (التحرير)، قبل أن تحترق فى 28 أكتوبر 1971م، وتنتقل بعد ذلك إلى منطقة الزمالك حيث المقر الحالى الذى تم افتتاحه فى 10 أكتوبر 1988م، ما يعنى أيضًا مرور مائة وخمسين عامًا على دار الأوبرا فى مصر. ومن المناسبات القومية أيضًا مرور مائة عام على ثورة سنة 1919م ضد الاحتلال البريطاني، للمطالبة بحق المصريين فى الاستقلال التام والتخلص من القوات الجاثمة على صدر البلاد منذ عام 1882م، فكانت ثورة شعبية فجرت كوامن العبقرية فى الشخصية المصرية بتعبير بعض المؤرخين، حيث أظهرت اندماج المصريين، من حيث تكاتفهم وتكاملهم، من طلاب وفلاحين وعمال وموظفين، من المسلمين والأقباط، الرجل والمرأة، فى القاهرة وفى غيرها من الأقاليم. كما تحتفل الجماعة الأكاديمية المصرية فى مجال الإعلام بمرور ثمانين عامًا على بدء التعليم الإعلامى فى الجامعات المصرية، حيث بدأ هذا النوع من التعليم عام 1939م مع تأسيس معهد التحرير والترجمة والصحافة بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا) على يد مجموعة من الأساتذة، ثم تحول هذا المعهد إلى قسم الصحافة بكلية الآداب عام 1954م، وفى عام 1971م تحول القسم إلى معهد الإعلام، وفى عام 1974م تحول المعهد إلى كلية الإعلام، كأول كلية مستقلة للإعلام فى منطقة الشرق الأوسط، كما أنها تُعد الكلية الأم لما تأسس بعدها من أقسام وكليات ومعاهد للإعلام فى القاهرة وفى عدد من المحافظات بالوجهين القبلى والبحري، سواء فى الجامعات الحكومية أو الكليات والمعاهد الخاصة، وهنا يتطلب الأمر وسط هذا الزخم البحث فى تطوير المقررات الدراسية والأنشطة المجتمعية وأجندة البحوث العلمية لمواكبة العصر وتطوراته التكنولوجية وتلبية الاحتياجات الاتصالية للمواطن والمجتمع. ويشهد عامنا الحالى أيضًا مرور خمسين عامًا على معرض القاهرة الدولى للكتاب الذى بدأ عام 1969م، وهو يُعد أضخم معرض للكتاب فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية، كمًا وكيفًا، من حيث المعروض من الكتب العربية والأجنبية، المؤلفة والمترجمة، ومشاركة عدد كبير من دور النشر المصرية والعربية والأجنبية، بالإضافة إلى الفعاليات التى يشهدها المعرض من ندوات ثقافية وعروض فنية، وسط حضور جماهيرى واسع، ما أكد المكانة الثقافية للقاهرة. مناسبات قومية متنوعة، تجمع بين المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية والفنية، آملين أن تأخذ كل مناسبة نصيبها من الاهتمام اللائق، وألا تمر دون وقفة تأمل وتحليل، فلا نتوقف عند حدود الاحتفاء بل نتجاوز الاحتفاء إلى تقييم الوضع الحاضر والتفكير فى بناء المستقبل. لمزيد من مقالات د. رامى عطا صديق