يرجع تاريخ حديقة الأزبكية إلى أكثر من سبعة قرون، وتعود تسميتها إلى اسم الأمير عزالدين يزبك؛ قائد جيش السلطان قايتباى، الذى قام بتجميل منطقة الأزبكية، وجعلها حديقة للقاهرة، واحتفظت الحديقة ببركة الأزبكية، واستمرت كذلك حتى أمر الخديو إسماعيل بردمها، وأقام على جزء منها دار الأوبرا؛ للاحتفال بملوك أوروبا القادمين لحضور حفل افتتاح قناة السويس، فقد كانت بركة قديمة مساحتها حوالى 60 فدانا، ثم ردمت فى عام 1864، وكلف الخديو إسماعيل المهندس الفرنسى «ديشان» مسئول بساتين باريس، بإنشاء حديقة مساحتها 20 فدانا، وبالفعل أنشئت الحديقة، وزودت بحوالى 2500 مصباح غاز.
ظلت حديقة الأزبكية، رغم ما مر عليها من تغيرات تشتهر بسورها الحديدى الأسود، إلى أن تم هدم السور مع بداية ثورة يوليو 1952م، فتحولت الحديقة إلى مكان يدخله عامة الشعب، وتم إقامة سور حجرى مكان السور الحديدى، الذى تحول إلى مكتبات ثقافية، تحولت بمرور الوقت إلى منارة إشعاع للفكر والثقافة، وشيئا فشيئا تحول المكان إلى معرض دائم ومفتوح للكتب القديمة.
كان باعة الكتب قديما قبل إنشاء السور يطوفون بالكتب على المقاهى، حتى بدأ الباعة يعرضون كتبهم فى ميدان العتبة؛ أحد أهم ميادين وسط القاهرة، بالقرب من دار الأوبرا، وبمحاذاة حديقة الأزبكية. وبدأ البائعون يعرضون كتبهم بجانب السور منذ عام 1926م ، وكثيرا ما كانت البلدية (شرطة الإشغالات) تطاردهم.
وفى عام1957م تم منح باعة الكتب تراخيص مؤقتة كباعة متجولين لبيع الكتب، وعندما هدم السور الحديدى الذى كان حول الحديقة جلس الباعة على الأرض حول أطراف الحديقة، وفى بداية التسعينيات نقلت أكشاك السور«المحلات الصغيرة المؤقتة» إلى منطقة «الدراسة»، ثم عادت مرة أخرى إلى منطقة الأزبكية عام 1998م بعد غياب خمس سنوات.
أطلق على سور الأزبكية اسم «جامعة الفقراء»، حيث يحصل الراغبون فى القراءة والعلم من أبناء الطبقة الفقيرة على ضالتهم بأسعار زهيدة.
وكان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، يتردد بنفسه على سور الأزبكية كثيرا لاقتناء الكتب التى يريدها، والاطمئنان على حال الباعة، وكذلك فعل بالمثل الرئيس الأسبق أنور السادات، قبل أن يكون رئيسا لمصر، وبعد أن أصبح رئيسا لها، كما ذكر هو هذا فى كتابه الشهير «البحث عن الذات».
ولا تنبع أهمية سور الأزبكية فقط من أنه مكان لبيع الكتب القديمة، وإنما لأنه أصبح على مر السنين واحدا من أهم الأماكن، التى يمكن لأى إنسان أن يجد فيها ضالته، حتى إنه أصبح «المكان الذى يساهم فى تشكيل ثقافة المصريين»، نظرا لما تزخر به مكتباته، التى يبلغ عددها الآن 133 مكتبة، بأمهات الكتب فى جميع المجالات، فهو يعد مقصدا لكل من يبحث عن أى كتب أو مراجع لا يجدها، سواء من طلبة الجامعات، أو من الأساتذة والباحثين فى جميع المجالات، كما أنه يزخر بباعة المجلات والصحف القديمة التى تؤرخ لتاريخ مصر.