طرقات خالية، وأرفف تنوء بحمل الكتب التي بالكاد تجد من يطالعها، هذا هو حال سور الأزبكية في معرض القاهرة الدولي للكتاب، فالإقبال لا يزال ضعيفاً والباعة يستاءون من توقف المعرض لثلاثة أيام، ويرونه أمراً ضاراً بمصالحهم. حال السور لا يختلف كثيراً عن حال معرض الكتاب في يومه الأول، فلا يزال الإقبال ضعيفاً، والأجنحة خالية من الزوار، والأجنحة العربية خاوية على عروشها.
فلا تزال أرض المعارض المقام بها معرض الكتاب في دورته 43 غير مجهزة بالكامل لاستقبال الزائرين، فما أن تدخل إلى المعرض حتى تطالعك الشوارع مكدسة بالحصى والرمال والأرضيات غير المجهزة، فضلاً عن اختفاء "الأتوبيسات" التي كانت تسهل على الرواد استكشاف المعرض بأكمله، دون مشقة.
أيضاً سوء تنظيم الندوات الثقافية أثّر بالسلب على رواد المعرض، فبالإضافة إلى اعتذار الضيوف وعدم تواجدهم، لا يتم الالتزام بمواعيد بدء الأنشطة الثقافية، كما أن الندوات لا تجد الإقبال الكافي كالأعوام السابقة.
أجواء الثورة تلقي بظلالها على سور الأزبكية، حيث أن الباعة اهتموا بعرض الكتاب التي يتناول مضمونها الثورات المصرية والعالمية وطرق تغيير الحكم الديكتاتوري، هذا ما أكده لنا سيد صادق أحد باعة السور، الذي تتخصص مكتبته في بيع الجرائد القديمة والكتب الذي حرص على أن يكون مضمونها ثوري، كالتي تتحدث عن سعد زغلول وأحمد عرابي، والثورة الفرنسية، وطرق المقاومة السلمية لغاندي، وغيرها من الكتب.
الاهتمام بالمضمون الثوري لم ينس البائع أن يعرض الكتب الفنية، الذي أكد أن لها جمهورها الذي يبحث عنها من عشاق الفن، عاتباً على المسئولين إغلاق المعرض بعد بدئه بيومين الأمر الذي يتسبب في خسارة البائعين، داعياً إلى أن يستمر المعرض في أيام الاحتفال بالثورة كما هو.
شاركه في الرأي أيضاً صاحب مكتبة أخرى في السور قائلاً أن المسئولين عادة ما يستهينوا بسور الأزبكية، رغم دوره العظيم لعشاق المعرفة، قائلاً: أذهب إلى معارض كثيرة في البلدان العربية كالسودان وغيرها لكن دائماً مصر هي الأسوأ تنظيمياً بين كافة المعارض، من حيث التعامل مع أصحاب مكتبات السور، أو توفير الدعم اللازم لهم.
المكتبة التي تضم كافة أنواع الكتب أكد صاحبها أن كتب السور لم تعد زهيدة الأثمان كما كانت من قبل نظراً لعدم دعم الحكومة للسور، والاستهانة بأصحابه حيث لا يتم توفير أماكن متسعة لهم لعرض الكتب داخل مكانهم الأصلي في الأزبكية.
يشارك سور الأزبكية في معرض الكتاب الحالي ب93 كشكا، منها من أتى من الإسكندرية للحاق بموسم المعرض "الحاجة حكمت" صاحبة إحدى المكتبات أكدت أن التنظيم هذا العام هو الأفضل نظراً لتوفير مظلات لحماية السور من الأمطار، على العكس مما كان يحدث في السنوات الماضية، مؤكدة أن توقف المعرض يؤثر على الباعة بالسلب.
مشيرة إلى أن تعامل المسئولين مع أصحاب مكتبات السور أصبح أكثر احتراماً عما سبق، وأشارت إلى أن بعض مكتبات سور الأزبكية امتنعت عن المشاركة في المعرض خشية من عدم توافر الأمن، وهو ما نفته صاحبة المكتبة.
من جانبه قال حربي حسن المعروف ب "شيخ السور" أن جميع العاملين يشترون بكل أموالهم كتبا للتحضير للمعرض، مشيرا إلى أنهم أضيروا بشدة من تأجيله العام الماضي.
وطالب صاحب المكتبة بنقل تبعية السور من محافظة القاهرة إلى وزارة الثقافة، لأن الأخيرة يعنيها الكتاب وبإمكانها التصدي لمشكلات السور، واعتبر أن فاروق حسني أهمل سور الأزبكية رغم علمه بأنه نافذة عالمية مشرفة لمصر.
السور لا يقتصر فقط على الكتب، حيث يمكنك اقتناء لوحات مقلدة من أعمال الفنانين المستشرقين الكبار والتي تنقلك لمصر القديمة بطبيعتها وسحر آثارها وسكانها، وهي عبارة عن كروت صغيرة يقومون بتكبيرها على الكمبيوتر وبيعها ، وتجد رواجا لدى الجمهور الذي يقتنيها ويصل سعرها إلى ثلاثة جنيهات ونصف، وبعض هذه الصور نادرة مثل صور للقلعة منذ 200 عام، وكذلك تباع صور كتاب "وصف مصر".
لا يشترط الدخول إلى السور أن تكون جيوبك مثقلة بالأموال، فأي مبلغ تحمله يمكّنك من أن تبتاع الكتب التي تريدها، كيف لا وأسعار الكتب هناك تبدأ من خمسين قرشاً فقط.
كان باعة الكتب قبل سور الأزبكية يطوفون بالكتب على المقاهي حتى بدأوا يفترشون كتبهم شيئا فشيئا في ميدان العتبة أحد أهم ميادين وسط القاهرة بالقرب من دار الأوبرا وبمحاذاة حديقة الأزبكية التي سميت باسم الأمير "عز الدين يزبك" قائد جيش السلطان قايتباي الذي قام بتجميل منطقة الأزبكية وجعلها حديقة للقاهرة منذ سبعة قرون، واحتفظت الحديقة ببركة الأزبكية واستمرت حتى أمر الخديو إسماعيل بردمها وأقام على جزء منها دار الأوبرا للاحتفال بملوك أوروبا القادمين لحضور حفل افتتاح قناة السويس. ولا ينافس سور الازبكية في تفرده "الثقافي" الا ضفاف نهر "السين" بمدينة باريس الفرنسية فهما يشتركان في احتضان الثقافة وتقديمها للناس بقروش قليلة.