صدرت مؤخرًا عن مؤسسة «مجاز» الثقافية للترجمة والنشر موسوعة «المسكوت عنه فى عالم نجيب محفوظ» للكاتب والناقد مصطفى بيومى، والذى يؤكد فى مقدمته أنه «على الرغم من كثافة التناول النقدى للكاتب الكبير، فإن عشرات الجوانب فى عالمه لم تحظ ببعض ما تستحقه من اهتمام وتحليل، ومن هنا تأتى دراستنا هذه، التى تضم اثنين وعشرين بابًا وتتناول بعض المسكوت عنه نقديًا». ........................... ومن بين الفصول المهمة التى يتناول فيها بيومى الجيش المصرى فى أدب نجيب محفوظ والذى يتميز برؤية ناضجة متوازنة عن الجيش المصرى، وتتشعب هذه الرؤية لتحيط بعدد من الأبعاد والزوايا المهمة، التى تتعلق بالصلة الوثيقة التى تجمع المؤسسة العسكرية بمجمل مفردات الحياة المصرية فى تجلياتها المختلفة، إذ يؤكد على الانصهار الكامل لضباط الجيش المصرى فى نسيج الواقع، وقد خصص له بيومى أربعة فصول تناول فيها «الجيش والمجتمع، والجيش والسياسة، ثم حروب الجيش المصرى وبعد ذلك أجيال من الضباط» ويؤكد فيها الكاتب ان نجيب محفوظ كان يعلى من شأن الجيش المصرى ووطنيته، ويتعامل مع ضباطه وجنوده وفق المعايير والمقاييس الإنسانية، ومن هنا يأتى نضج وطزاجة وتفرد شهادته. وينتقل بنا بيومى من الجزء المخصص للجيش إلى جزء خاص بالشرطة المصرية فى عالم نجيب محفوظ حيث يقول فى التمهيد لهذا الجزء من الموسوعة «التمهيد» أمام قضية بالغة الأهمية والخطورة: «ضرورة الشرطة وفلسفة الأمن»، وفيه ما يبرهن، من خلال معطيات عالم نجيب محفوظ، على أن مؤسسة الشرطة مشترك رئيس بين الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى عرفتها الحضارة الإنسانية عبر المراحل التاريخية كافة، وهى مؤسسة تخدم النظام القائم وتدافع عن مصالحه وتنشغل بتكريس قيمه والإعلاء من شأن توجهاته ومبادئه ومصالحه». وحسب الكاتب فإن» الدراسة، فى مجملها، ليست إلا رصدًا أمينًا وتحليلاً موضوعيًا للرؤية التى يقدمها نجيب محفوظ فى أعماله الروائية والقصصية، وغاية المأمول أن تقدم صورة صادقة لا تتحامل على المؤسسة الأمنية ولا تفرط فى الحماس لها». ويعرج بنا بيومى إلى موضوع آخر ضمن المسكوت عنه فى عالم نجيب محفوظ ألا وهو «القمار والمقامرون» حيث يكشف الكاتب فى تحليل نجيب محفوظ لشخصيات المقامرين الأكثر أهمية، عن وعيه بتقاليد وطقوس اللاعبين المحترفين، وثمة توافق كامل بين الشخصية ودوافعها والمنهج الذى تتبعه فى إدمان القمار، ولا يخلو الأمر من طموح إلى التنفيس والتعويض، مرده إلى احتياجات نفسية ومادية وسياسية واجتماعية، ويعبر عن مآزق وأزمات فادحة معقدة. وحسب الكاتب «قد يكون صحيحًا أن القمار ليس ظاهرة واسعة الانتشار فى المجتمع المصرى، لكن الحقيقة الراسخة أنه قائم وموجود، ويتخذ أشكالاً شتى. وفى كتابات نجيب، ما يعبر بصدق ودقة وموضوعية عن تلك المفردة التى تسهم فى تشكيل الواقع الاجتماعى المصرى، ولا يمكن إهمالها أو إنكارها». وفى ستة فصول يناقش بيومى ظاهرة «الانتحار» فى عالم نجيب محفوظ والتى يخلص منها حسب قوله أنه «لمزيج من الأسباب الدينية والثقافية، لا يمثل الانتحار ظاهرة واسعة الانتشار فى مصر، لكن الوجود المحدود آخذ فى التصاعد، وما يتم تسجيله من محاولات غير ناجحة للانتحار، يبرهن على أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وثيقة الصلة بالاحتقان السياسى، قد تؤدى إلى زيادة المعدلات، خضوعًا للأسباب الأكثر شيوعًا فى المجتمعات الإنسانية كافة: صدمات الحب ومعاناة الفقر وغياب المعنى». وفى ثلاثة فصول أخرى يناقش ظاهرة من أهم الظواهر الاجتماعية فى وقتنا الراهن وهى ظاهرة «العنوسة» فى عالم نجيب محفوظ حيث «يؤكد عالم نجيب محفوظ أن العنوسة نتيجة منطقية لعوامل اجتماعية واقتصادية، دون إنكار وإهمال لبعض العناصر الذاتية، وأن الانعكاسات السلبية للظاهرة ليست فردية فحسب، بل إنها أيضًا تطول محيطًا أوسع من العانس نفسها. ووفق هذا التصور الصحيح الدقيق، فإن القضية اجتماعية فى المقام الأول، وتقليص آثارها وتداعياتها رهين بحراك عام شامل يرادف تطور المجتمع وتقدمه ونموه». منتقلا بنا إلى ظاهرة ربما تكون الاخطر من سابقتها وهى ظاهرة «الطلاق» فى عالم نجيب محفوظ الروائى حيث يبدى نجيب محفوظ اهتمامًا لافتًا بظاهرة الطلاق فى المجتمع المصرى، وتمثل الشهادة التى يقدمها رؤية عميقة واعية، تبرهن على طبيعة العلاقة الجدلية التى تربطه بالحياة المصرية فى مناحيها المختلفة، فهو يأخذ منها ويضيف إليها. منتقلا بنا إلى ظاهرة أخرى من المسكوت عنه فى عالم نجيب محفوظ وهى ظاهرة «الشذوذ الجنسى» والذى ركز فى مقدمته على وجود فارق هائل، لا يمكن إنكاره أو إهماله، بين الشرق والغرب، فى التعامل مع الظاهرة، التى تنتشر فى كل زمان ومكان، وأكدت أن إدانة الكاتب الكبير للشذوذ لم تحل دون سعيه لاستثمار الظاهرة من أجل الكشف عن كثير من مظاهر الخلل غير الجنسى فى المجتمع المصرى.