يقدم نجيب محفوظ رؤية بالغة الأهمية عن ظاهرة العنوسة فى المجتمع المصري، منذ بدايات القرن العشرين إلى قرب نهايته، وعلى الرغم من إدراكه أن العنوسة تطول الرجال والنساء على حد سواء، فإن تركيزه الأكبر، كما هو الحال فى معطيات الواقع، ينصب على عنوسة المرأة. في الدراسة التي تناولت عالم أديب نوبل "المسكوت عنه في عالم نجيب محفوظ" نجد عالم الكاتب الكبير يبرهن على أن جمال الفتاة لا يعنى تزايد الفرصة فى الزواج المبكر والنجاة من العنوسة، وأن الدمامة- فى المقابل – لا تقف حائلًا أمام الزواج، فالمسألة تتجاوز الشكل الخارجى وتعكس تفاعل مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية المتشابكة. من ناحية أخرى، فإن بعض الفتيات اللاتى يتأخر زواجهن، ويضعهن المجتمع فى خانة العنوسة، تعشن حياة طبيعية مستقرة فى انتظار أمل يراودهن فى الزواج من حبيب بعينه، أو لوجود أسباب موضوعية لا تجعل للقلق وجودًا فى أعماقهن، وليس من النادر الاستثنائى – فى هذا السياق- أن تتزوج من توحى المؤشرات جميعًا بأنها قد استقرت فى خندق العنوسة. القضايا السابقة يناقشها الفصل الأول، الذى يحمل عنوان «على حافة العنوسة»، أما الفصل الثانى فيناقش «العنوسة الإرادية»، حيث الامتناع عن الزواج لأسباب تتعلق بالفتاة الموصوفة بالعنوسة، ومن ذلك إيثار حياة الاستهتار والانفلات الأخلاقى والشذوذ، أو الارتباط القوى المؤثر بقصة حب قديمة تحول دون الارتباط بحب جديد يقود إلى الزواج، وقد يكون الإضراب عن الزواج رهينًا بتجارب جنسية صادمة موجعة تصنع حاجزًا مع الرجال جميعًا. يتوقف الفصل الثالث: «لعنة العنوسة»، أمام ردود الفعل المتباينة للفتيات الموصوفات بالعنوسة، فمنهن الراضيات المستسلمات اللاتى يستقر بهن المقام على شاطئ اليأس، وقطاع منهن يسكنه التوتر والغضب ويتفنن فى صناعة أجواء النكد والتعاسة، وقد يصل التطرف فى رد الفعل إلى مرحلة الانتحار والتخلص من الحياة. يؤكد عالم نجيب محفوظ أن العنوسة نتيجة منطقية لعوامل اجتماعية واقتصادية، دون إنكار وإهمال لبعض العناصر الذاتية، وأن الانعكاسات السلبية للظاهرة ليست فردية فحسب، بل إنها أيضًا تطول محيطًا أوسع من العانس نفسها، ووفق هذا التصور الصحيح الدقيق، فإن القضية اجتماعية فى المقام الأول، وتقليص آثارها وتداعياتها رهين بحراك عام شامل يرادف تطور المجتمع وتقدمه ونموه.