بعد جولة فى عالم القمار والمقامرين، كما يقدمه نجيب محفوظ، يبدو الاقتراب ممكنًا من الإجابة المقنعة عن جملة الأسئلة المطروحة فى مطلع دراسة الناقد مصطفى بيومي "المسكوت عنه في عالم نجيب محفوظ" حول ألعاب التسلية البريئة شائعة فى الحياة المصرية، وهو ما نجده فى الطاولة والكوتشينة والدومينو والشطرنج، لكن الانشغال النسبى بهذه الألعاب، بحثًا عن التسلية وإنفاق الوقت فى الترويح، يختلف جذريًا عن التورط فى المقامرة والمراهنات المادية التى تجلب أضرارًا فادحة على الأصعدة الاقتصادية والنفسية والصحية. - ليس صحيحًا أن الأغنياء وحدهم من يقامرون، لأنهم يملكون القدرة المادية، وليس دقيقًا- بالتبعية- أن قمارهم هذا جزء أصيل من منظومة الفساد التى تلتصق بهم، ذلك أن الداء يتفشى فى الطبقات الاجتماعية كافة، ويمارسه متوسطو الحال والفقراء والمعدمون، لأسباب ودوافع متباينة. - مع تعدد ووفرة الآثام الأخلاقية التى قد يُبتلى بها الإنسان، كالتعلق المفرط بالخمر والمخدرات والنساء، فإن القمار هو الأخطر والأفدح والأسوأ عاقبة، ذلك أنه الأسرع فى الدفع إلى هاوية الفقر والإفلاس، فالذين يتورطون فى سحره وجاذبيته لا يسهل عليهم التملص والإفلات. - مثلما يفيد القوادون وتجار المخدرات من زبائن الدعارة ومدمنى الهروب عبر الدخان الأزرق، فإن هناك من يحول القمار والمقامرين إلى مشروع يستهدف الربح، عبر توفير المكان الآمن بكل متطلباته والمفردات المصاحبة له، وهو جهد مدفوع الثمن، وتجارة يجرمها القانون وتحقق أرباحًا طائلة. - المصائر التعيسة للأغلب الأعم من المقامرين، فى عالم نجيب محفوظ، لا تعبر عن رغبة المبدع فى توقيع العقوبة الاجتماعية، بل إنها محاكاة وثيقة الصلة لمعطيات الواقع، الذى تبرهن أحداثه ووقائعه على صحة ما يجسده الكاتب الكبير، فلا يجنى المقامرون فى النهاية إلا الخراب والدمار. يكشف تحليل نجيب محفوظ لشخصيات المقامرين الأكثر أهمية، عن وعيه بتقاليد وطقوس اللاعبين المحترفين، وثمة توافق كامل بين الشخصية ودوافعها والمنهج الذى تتبعه فى إدمان القمار، ولا يخلو الأمر من طموح إلى التنفيس والتعويض، مرده إلى احتياجات نفسية ومادية وسياسية واجتماعية، ويعبر عن مآزق وأزمات فادحة معقدة. قد يكون صحيحًا أن القمار ليس ظاهرة واسعة الانتشار فى المجتمع المصري، لكن الحقيقة الراسخة أنه قائم وموجود، ويتخذ أشكالًا شتى، وفى كتابات نجيب، ما يعبر بصدق ودقة وموضوعية عن تلك المفردة التى تسهم فى تشكيل الواقع الاجتماعى المصري، ولا يمكن إهمالها أو إنكارها.