التفاصيل مخيفة فى قضية الرشوة فى الشركة القابضة للصناعات الغذائية، لأنه حتى إذا قضت المحكمة بتبرئة المتهمين، ومن حقهم أن نتوقع لهم احتمال البراءة، فإن هذا لا ينفى أن هناك جرائم كبرى قد وقعت بالفعل. فإذا كان المتهمون أبرياء عن حق، أو أن الأدلة ضدهم لم تكن كافية، أو أن هناك آخرين فعلوها وتمكنوا من التملص، وأن الشبهات ثارت حول الأبرياء، فإن المؤكد أن هنالك ثغرات فى نظام سير العمل تسمح باقتراف مثل هذه الجرائم! لأن الوقائع، التى رصدتها أجهزة التحريات وجمع المعلومات، بعد جهد مشكور، واقتنعت بها النيابة العامة، تقول إن اتفاقات تجارية ضخمة ضد القانون واللوائح كانت تُبرَم باسم الشركة مع آخرين، بقرارات فردية دون مشاركة فعّالة واضحة من مجلس الإدارة، كما أنه لم يكن هنالك وجود ملحوظ للجمعية العمومية المنوط بها مراجعة القرارات ومساءلة متخذيها..إلخ! بما يعنى أن الآلية المعمول بها لا تستهدف عملياً ضبط الإجراءات وإحكام القبضة على سير الأمور، بل على العكس فإنها تسمح بانتهاك القانون وتُشجِّع من يتردد على أن يستسلم للمغريات أو أن يبادر بنفسه، وفق تفاصيل الاتهام، بطلب الرشوة وبتحديد شكلها: بمبالغ تُعَد بوحدة المليون، ومجوهرات، وتعيين بعض أفراد الأسرة فى وظائف براتب 20 ألف جنيه فى الشهر..إلخ. ليس المطلوب فقط أن ينال من انتهكوا القانون عقابهم، ولكن الأهم هو التوقف بمنتهى الجدية لمعرفة كيف ظهرت هذه الاختلالات فى نظام سير العمل، وكيف فرضت نفسها، وكيف أذعن لها التيار العام، وكيف استخدمها مقترفو الجرائم، ثم كيف تُعالَج، وكيف يمكن إنجاز الإصلاح بأقصى سرعة. ثم: هل تسيّب هذه الشركة هو حالة استثنائية؟ ومن يضمن أن الداء لم يضرب شركات أخرى؟ وما هو النظام الذى به يمكن الكشف عن كل الشركات حتى هذه التى لم تظهر فيها جرائم بعد؟ وأما مناشدة الرقابة الإدارية المواطنين بالإبلاغ عن أى وقائع فساد، وهى مناشدة عظيمة ومُقَدَّرة، فإنها لا تكون فاعلة ومؤثرة إلا عندما يتوافر الأمن للمواطنين من بطش حيتان الفساد. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب