«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرشوة في القانون المصري والفساد المجتمعي
نشر في المشهد يوم 13 - 05 - 2015


جريمة الرشوة
إن من الأمور الخطرة التي يمكن أن تحطم المجتمع، هي تهشم الصلة بين الفرد والدولة، حيث من المعروف ان هناك علاقة تعاونية بين الفرد والدولة تتمثل بصيغة الحقوق والواجبات، فعندما يلاحظ الفرد استشراء الفساد في مؤسسات الدولة وحتى في أركانها، فقد لا يعير أهمية لما يصدر عنها من قرارات ولا ينظر لها نظرة احترام بل ويخالفها لعدم جدواها في محاربة الفساد، وربما تكون هي منغمسة فيه وممهدةً له، وتلك الوضعية ربما تشجع البعض على الانغماس في ممارسة الفساد ليقينٍ منهم بعدم جدوى القانون في معاقبة المخالفين، واطمئنانهم بعدم وقوعهم تحت طائلة القانون لضعفه وتهاونه في هذه المسألة.
1. تمهيد :
وفقاً للمادة 106 من قانون العقوبات رقم 47/1936 المرتشي في جريمة الرشوة هو الموظف في الخدمة العامة والمعهود إليه القيام بأي واجب بحكم وظيفته (فقرة أ).
المادة 106/1936 توضح لنا الأفعال الإجرامية التي يقترفها الموظف العام أو من بحكمه وبالتالي تتبعها أفعال الراشي.
هكذا طلب الموظف يقابله إعطاء من الراشي والأخذ من الموظف المرتشي يقابله إعطاء من الراشي وقبول المال أو المنفعة من المرتشي يعني عرض بوعد من الراشي.
2. أركان الرشوة :
في الأصل أركان الرشوة تشير إلى الركن المادي الذي يعبر عن النشاط الإجرامي والأفعال المكونة لجريمة الرشوة وإلى الركن المعنوي الذي يعبر عن إرادة و علم المرتشي باقتراف أفعال الركن المادي لجريمة الرشوة. أما فيما يتعلق بصفة الموظف العام فمن المفيد أن نحدد صفة المرتشي كموظف عام لأن جريمة الرشوة لا يمكن اقترافها إلا من فاعل يتمتع بصفة الموظف العام أو من بحكمه.
3. صفة المرتشي كموظف عام :
يصنف القانون الجنائي جريمة الرشوة و يدرجها ضمن الجرائم التي تشترط توافر صفة معنية في شخص الفاعل الرئيسي للجريمة، ويترتب علي ذلك أن الرشوة لا تقع إلا من فاعل يتميز بصفة الموظف العام أو من بحكمه وفقا لقانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936 و ما ورد في المادة 5 من تعريف لمصطلح الموظف في الخدمة العامة.
التفسير اللغوي للحالات التي يسردها المشرع في المادة 5 تشير إلى الموظف العام ولا تشمل الأشخاص الذين تحال إليهم مهام من الدولة لتنفيذ أعمال عمومية. بشكل عام الموظف العام هو كل شخص يعمل بشكل دائم في أحد المرافق العامة التي تديرها الدولة أو شخص قانون عام (وزارات الحكومة ومصالحها ووحدات الحكم المحلي وخدمة الهيئات العامة وجهاز الشرطة والجيش و الأمن.. الخ
4. شروط صفة الموظف العام :
- أداء وظيفة من أجل خدمة الدولة أو شخص إداري عام.
- أن يخضع الموظف لنظام اللوائح الداخلية التنظيمية للقطاع العام.
- تقاضي أجر من أموال الدولة أو شخص إداري عام.
- لا يشترط في الموظف أن يؤدي وظيفته بصفة دائمة.
الموظف العام قد يكون أيضا أجنبي بصورة دائمة أو مؤقتة بشرط أن تسمح له قوانين الدولة بأداء وظيفة عامة.
تظهر قي الأفق مشكلة حول إذا ما كان يتوجب أن يكون قد صدر قرار صحيحبتعيين الموظف أو تم وقف أو انقطاع علاقته الوظيفية لفترة مؤقتة أو نهائية، فهل تتوفر جريمة الرشوة في هذه الحالات أم لا ؟
يرى بعض الفقهاء وجوب أن يكون قرار التعيين صحيحا كي يكتسب الشخص صفة الموظف وبالتالي في حالة بطلان القرار بتعيين الموظف لا يمكن تطبيق أحكام الرشوة عليه، أما إذا كانت إجراءات التعيين فقط ناقصة عندئذ يحتفظ الموظف بصفته كموظف عام ويمكن مساءلته عن جريمة رشوة.
الرأي الآخر يرى أن مباشرة الموظف مهام وظيفته بشكل فعلي رغم بطلان التعيين أو نقص إجراءاته لا يحول دون تطبيق أحكام الرشوة. من ناحيتنا نتفق مع وجهة النظر الثانية التي تقبل بتطبيق أحكام الرشوة رغم بطلان إجراءات التعيين أو نقصانها لأن الانطباع الفعلي الواقعي الذي يتركه الموظف هو تمثيله للدولة والقيام بأداء مهمة وظيفة عمومية فعلية. وقف الموظف عن العمل مؤقتا للبث في مخالفة إدارية أو جنائية لا يحول دون مساءلته عن جريمة رشوة في حالة اقترافها أثناء وقفه عن أداء وظيفته لأن هذا الوقف لا يلغي صفته كموظف عمومي، أما في حالة فصله بشكل نهائي أو تقاعده وعدم ممارسته مهام فعلية لوظيفته عندئذ تزول صفته كموظف عمومي ولا يمكن مساءلته عن جريمة رشوة في حالة اقترافها منه.
المادة 5 من قانون العقوبات 74 لسنة 1936 تعتبر الأشخاص التالية في حكم الموظف العام: - كل من يشغل وظيفة مدنية. - كل وظيفة يعين أو يختار لها الشخص الذي يشغلها بحكم القانون.
- كل وظيفة مدنية انتهت صلاحية التعيين لها أو العزل منها بأي شخص أو جماعة من الأشخاص الذين يشغلون وظيفة من الوظائف السابقة.
- كل حكم أو فيصل في أية إجراءات أو قضية أحيلت للتحكيم. - أي عضو لجنة تحقيق عين بمقتضى تشريع. - الشخص المنوط به تنفيذ إجراءات محكمة. - جميع الأشخاص المنتسبون إلى الأجهزة العسكرية أو البوليس. - الأشخاص المستخدمون في دوائر الحكومة. - رجال الدين. - الشخص المستخدم لدى سلطة بلدية. - مختار القرية.
نظراً لاتساع دائرة الأشخاص التي يشملها تعريف الموظف العام في عصرنا هذا نرى أنه من أجل تحديد هذه الأشخاص يجب الرجوع إلى تعريف القانون الإداري وذلك لأن الحقبة الزمنية التي أقر القانون 74 لسنة 1936 للعمل به في فلسطين لا تتجاوب ومعطيات التطور الهائل في عمل مؤسسات الدولة والأشخاص العاملين فيها وبشكل عام التنظيم الإداري وبالتالي تحديد معنى الموظف العام لا يتعارض مع مبدأ "لا العقوبة ولا جريمة دون نص قانون". فيما يلي نذكر بعض الفئات التي يجب أن يشملها مصطلح "الموظف العام":
- المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها.
- أعضاء المجالس النيابية العامة والمحلية (منتخبين أو معينين).
- المحكومون والمدراء ووكلاء النيابة والحراس الفضائيون.
- كل شخص مكلف بخدمة عمومية.
- أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة تساهم في مالها.
- القائمون على شئون الأحزاب السياسية والعاملون بها (رئيس الحزب) يعتبرون موظفين للحكومة فيما يتعلق بالأعمال الحزبية.
5. الركن المادي لجريمة الرشوة
يتمحور تحقيق الركن المادي لجريمة الرشوة وفقا للمادة 106 من القانون رقم 74 لسنة 1936 حول قيام الموظف العام أو من بحكمه بأخذ أو قبول مال أو منفعة لنفسه أو لغيره أو القبول بوعد مقابل القيام بأداء فعل أو امتناع عن فعل يدخل في مجال وظيفته.
مما سبق نستنج أن الركن المادي لجريمة الرشوة يتألف من ثلاثة عناصر أساسية:
- الأخذ و القبول و الطلب
- المنفعة التي يحصل عليها الموظف جراء فعله أو امتناعه.
- الإخلال بمهام وظيفته والقيام بفعل أو الامتناع عنه مقابل الفائدة.
1.5. الأخذ والقبول والطلب
- الأخذ :
يعتبر الأخذ أحد أهم مظاهر تنفيذ الركن المادي لجريمة الرشوة التي تنص عليها المادة 106 من القانون رقم 74 لسنة 1936. الأخذ يعني تسلم الفائدة أو المنفعة من المرتشي ودخولها في حيازته.
- القبول :
يعبر مصطلح القبول عن عرض الراشي بتقديم منفعة أي كان نوعها إلى المرتشي (الموظف) وقبول الأخير بأخذها. كما نرى إثبات قبول الموظف بالمنفعة يعرض صعوبة مقارنة مع الأخذ الذي يعبر عن فعل إيجابي ملموس يمكن إثباته. القبول يرتكز إلى طلب الفائدة أو المنفعة من المرتشي وموافقة الراشي بالمقابل على القيام بها أو بعرض من الراشي بتقديم منفعة و قبول من المرتشي
من وجهة نظرنا نرى أن إثبات فعل القبول يجب أن يحاط بضمانات موضوعية أكثر من أن تكون معنوية لأننا كما نعلم فعل القبول ينطوي على إرادة داخلية تكمن في عالم الراشي أو المرتشي الداخلي ومن الصعب أن يثبت اقتراف الجريمة بناءاً على عناصر معنوية، لذلك نرى أن تجريم أفعال القبول يتوجب القبول بها فقط في حالة اقترافها بشكل أكبر من خلال قواعد النظرية الموضوعية.
- الطلب :
آخر صور تحقيق الركن المادي لجريمة الرشوة هو طلب الموظف العام أو من بحكمه الحصول على فائدة أو منفعة أيا كانت مقابل القيام بفعل أو امتناع عن فعل. طلب الموظف من الشخص ذو الحاجة قد يرتكز إلى إعطاء فائدة أو الحصول على وعد منه بتقديم الفائدة.
عنصر الطلب يتحقق بالتالي إما بالاستجابة لطلب الموظف وتنفيذ إعطاء الفائدة من الراشي وإما بقبول الموظف وعداً من الراشي بتقديم الفائدة فيما بعد.
في حالة أن الموظف قد طلب منفعة لكن الشخص ذو الحاجة لم يستجيب إلى هذا الطلب من الأرجح أن الموظف ينفذ شروع في جريمة رشوة لأن الطلب كفعل يعتبر أحد عناصر الركن المادي لجريمة الرشوة ولاكتماله يجب الإدلاء بقبول هذا الطلب من الراشي
2.5. المنفعة :
تطرقت المادة 106 من القانون رقم 74 لسنة 1936 إلى تحديد موضوع المنفعة بمصطلح "مالاً أو منفعة مهما كان نوعها". وفقاً لهذه العبارة يمكن لموضوع المنفعة أن يكون مادي أو غير مادي. مع كذلك يشترط القانون بالمنفعة أن تكون محددة فلا يمكن القبول بعرض الراشي منفعة على المرتشي دون تحديد لها مثل أن يتفوه بعبارة "أعطيك كل ثروتي" أو " سوف تكون راضياً" الخ. موضوع المنفعة قد يكون نقودًا أو عقاراً أو مأكولات الخ
مشكلة تدور حول وجوب توافر تناسب فيما بين المنفعة والفعل أو الامتناع عن الفعل. يذهب الفقه المصري إلى عدم وجوب تناسب فيما بينهما لأن العبرة في الإخلال بنزاهة الوظيفة العامة والنصوص المتعلقة بالرشوة و لا يشترط تناسب بينهما فالجريمة تتحقق بأي حجم من المنفعة، بينما يجب لفت الانتباه إلى أننا يجب أن نقبل بانتفاء القضية الجنائية في حالة قبول الموظف لقطعة من الحلوى أو كوب شراب و بالتالي لا تقع جريمة الرشوة.
بشكل عام لا يشترط بالمنفعة أن تكون ذات صلة مباشرة مع الفعل أو الامتناع عن الفعل الوظيفي كما لو أن كانت هذه المنفعة مستحقة للموظف (كدين علي سبيل المثال أو هدية من صديق أو صهر) فلا تتحقق جريمة الرشوة على الإطلاق. كذلك لا يشترط في المنفعة أن تكون مشروعة مثل عرض أشياء مسروقة أو مخدرات أو مستند مزور
3.5. الإخلال بالمهام الوظيفية :
الركن المادي لجريمة الرشوة وفقا للمادة 106 من القانون رقم 74 لسنة 1936 يتحقق بإثبات الأخذ أو الطلب أو القبول من الموظف ولكن يجب أن تتعلق هذه العناصر أو بعضها بأداء فعل أو امتناع عن القيام بفعل أو مهمة وظيفية من الموظف العام أو من بحكمه أو الإخلال بها.
المادة 106 لا تشترط أن يقابل أفعال الأخذ أو الطلب أو القبول فعل أو امتناع بل قد لا يقدم الموظف علي تنفيذ الفعل أو الامتناع الذي وعد الراشي به، وبالتالي يكفي لوقوع جريمة الرشوة مجرد الأخذ أو القبول أو الطلب مقابل تنفيذ الفعل أو الامتناع عنه في المستقبل وهذا ما يسلم به أيضا الفقه المصري
أما في حالة الاستحالة النسبية فمن الممكن تحقيق جريمة الرشوة و يشترط الفقه في العمل الوظيفي فقط أن يكون ممكنا و لكن في حالة استحالة تحقيق العمل بشكل مطلق لا تقوم جريمة الرشوة
مثال:
أن يقوم رجل الشرطة بتهديد أحد الشهود الذين رأوا شخص يقترف جريمة سرقة بالقبض عليه بتهمة عدم إعاقة تنفيذ جريمة السرقة.
العمل الوظيفي قد يكون عملا ايجابيا مثل إصدار حكم في دعوى أو إسراع في تسوية مستندات من دائرة أو الإقرار بشهادة من مستشفي عمومي الخ. أيضا العمل الوظيفي قد يكون امتناع جزئي عن فعل مثل شرطي المرور الذي يمتنع عن تحرير مخالفة سير مقابل مبلغ من المال أو امتناع كلي أي الامتناع عن فعل بشكل تام مثل الامتناع عن تجديد إقامة أجنبي إلى أن ينتهي سريانها.
القانون لا يشترط أن يكون الفعل أو الامتناع عنه منافياً أو موافقا للوائح النظامية الإدارية
مثال1: شرطي المرور يوقف سائق السيارة ويقبل منه منفعة رغم عدم إخلال السائق بقواعد السير.
مثال2: امتناع الموظف المسئول عن تبليغ النيابة للقيام بإجراءات الملاحقة الجنائية ضد موظف آخر اقترف جريمة اختلاس مقابل منفعة من الموظف الذي اقترف جريمة الاختلاس. المادة 106 تشترط أيضا قيام الموظف بالفعل أو الامتناع عن الفعل (جزئيا أو كليا) ضمن حدود اختصاصه الإداري الوظيفي وهذا يتبين من عبارة ".... أو سيمتنع عن أدائه في المستقبل أثناء ممارسته لمهام وظيفته...".
4.5. الاختصاص الوظيفي :
يشترط الفقه الجنائي أن يقوم الموظف العمومي بالفعل أو بالامتناع عن الفعل ضمن حدود الاختصاص الوظيفي بمعنى أن الموظف المرتشي يتوجب أن ينفد فعل أو امتناع ذات علاقة بوظيفته وإلا لن يتحقق الركن المادي لجريمة الرشوة. وهذا ما يدل عليه نص المادة 106 حينما يذكر المشرع أن "... أثناء ممارسته لمهام وظيفته". الفقه الجنائي المصري يقبل أيضا بهذا الشرط ويعتبر أي فعل أو امتناع عن فعل خارج عن اختصاص الموظف كفعل أجنبي بالتالي الاختصاص الوظيفي يدخل ضمن أركان جريمة الرشوة المادية بغض النظر عن مشروعية العمل أو الامتناع عنه كما ذكرنا سابقاً و يجب أن يكون الفعل أو الامتناع ذات علاقة مباشرة مع الوظيفة.
الاختصاص الوظيفي يثبت بإحدى الطرق التالية:
- مباشرة بحكم القانون (مثل وظائف الدولة الكبرى). - وفقاً للوائح الإدارية استناداً للقانون.
- وفقاً لقرار إداري من رئيس مخول بإصداره.
في حالة أن الموظف المرتشي يزعم اختصاصه في تنفيذ الفعل أو الامتناع عنه رغم عدم اختصاصه عندئذ تقع جريمة الرشوة إذا كان موضوع الرشوة ذات علاقة بالاختصاص الوظيفي[13]. الفقه المصري يقبل بوقوع جريمة الرشوة من الموظف الذي يعتقد أن لديه الاختصاص الوظيفي في تنفيذ الفعل أو الامتناع عنه رغم عدم اختصاصه في الواقع]
من جهتنا نرى أن جريمة الرشوة لا تقع إلا في حالة إثبات اختصاص الموظف.
مثال: وكيل النيابة يطلب من المجني عليه المصاب جراء حادث طرق مبلغ من المال مقابل حصوله علي شهادة طبية تشهد بإصابة المجني عليه إصابة بليغة. من الواضح عدم اختصاص العمل الوظيفي لوكيل النيابة وبالتالي لا يمكن أن يشكل طلب المبلغ هذا عنصرا من عناصر الركن المادي لجريمة الرشوة بينما من الممكن أن نعتبره مساهما في جريمة رشوة في حالة أن الطبيب قد وافق علي إصدار هذا القرار بعلمه بدفع المبلغ من المجني عليه إلى وكيل النيابة. أيضا من الممكن أن نصف فعل وكيل النيابة علي أنه مخالفة لأداء واجب.
6. الركن المعنوي لجريمة الرشوة :
جريمة الرشوة وفقا للمادة 106 من القانون رقم 74 لسنة 1936 جريمة عمدية بمعنى أن القانون يشترط توفر قصد جنائي لدى الموظف العام المرتشي أو من بحكمه.
القصد الجنائي المطلوب توافره في جريمة الرشوة هو قصد عام بمعنى أن يتألف من إرادة الموظف الفاعل بتنفيذ نشاطه الإجرامي معلمه بجميع عناصر الركن المادي المكون لجريمة الرشوة. بالتالي كي تتحقق جريمة الرشوة يجب أن يطلب الموظف أو يقبل أو يأخذ وعد وهو يعلم بأن الأخذ أو الطلب أو الوعد هو مقابل لفعل أو امتناع عن فعل يقع ضمن دائرة اختصاصه الوظيفي.
الحالات التي ينتفي فيها قصد الموظف المرتشي في جريمة الرشوة هي التالية:
-انتفاء العلم بأحد عناصر الركن المادي لجريمة الرشوة (أخد، قبول، وعد).
- انتفاء علم المرتشي بأنه موظف (عدم تبليغه بقرار التعيين أو عزله من منصبه بسبب تبليغ مزور).
- انتفاء علمه بأنه غير مختص بالقيام بالفعل أو الامتناع عن الفعل.
- انتفاء علمه بأن العطية هي مقابل فعل أو امتناع عن فعل (كما أن يعتقد أنها هدية).
- انتفاء إرادة الموظف بأخذ العطية (وضع العطية في الملف).
الفقه المصري يقبل بوقوع جريمة الرشوة بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول المنفعة بأنه يفعل مقابل هذه المنفعة من خلال قيامه بفعل أو امتناعه عنه ضمن دائرة أعماله الوظيفية
يرى بعض الفقهاء المصريون أن جريمة الرشوة هي جريمة قصد خاص أي أن يعلم المرتشي بأنه يفعل لقاء القيام بعمل أو امتناع عن عمل و يتطلب أيضا اتجاه نيته إلى الاتجار بأعمال الوظيفة.
بتنفيذ عناصر الركن المادي لجريمة الرشوة وتغطيتها من علم المرتشي وإرادته تكون الجريمة قد تحققت، بينما علي سبيل المثال في جريمة السرقة كما سنرى مجرد انتزاع ملكية الشيء المملوك للغير دون علمه لا يكفي لوقوع جريمة السرقة لأن كل هذه العناصر لا تدل علي تحقيق النتيجة الإجرامية بل يجب أن تتوفر نية تملك الشيء الذي تم انتزاع ملكيته. بالتالي وقائع القصد الجنائي في جريمة الرشوة تثبت من خلال الطلب أو القبول أو الأخذ و يجب الانتباه إلى أن القصد الجنائي يشترط بأن يتزامن مع فعل الأخذ أو الطلب أو القبول.
7. عقوبة الرشوة :
تنص المادة 106 من القانون رقم 74 لسنة 1936 على أن كل من اقترف جريمة الرشوة يعتبر أنه ارتكب جنحة، بينما وفقا للمادة 47 من نفس القانون عقوبة الجنح هي الحبس لمدة ثلاث سنوات أو غرامة مالية 100 جنيه أو كلتا هاتين العقوبتين. عقوبة الرشوة وفقا للمادة 106 لا تتناسب وحجم الجريمة بحيث أن الثقة والأمانة التي يمنحها القانون والمجتمع للموظفين العموميين تتطلب إنزال أشد العقوبات ضدهم في حالة خيانتهم لهذه الأمانة واستغلال وظيفتهم وصلاحياتهم من أجل الحصول على منافع مادية وغيرها.
ولا يخفى على أحد منا مدى خطورة الأفعال التي تتصل بجريمة الرشوة وتنفيذها من الموظفين أو من بحكمهم الذين يحتلون أعلى درجات السلطة في الدولة. بالتالي نعتقد أن العقوبة الواجب إنزالها في الموظفين المرتشين يجب أن تكون قاسية و شديدة و أن يتم إرجاعها إلي عقوبة جناية. كما أنه يتوجب فرض عقوبة السجن بالإضافة إلي العقوبة المالية في بعض الحالات التي يقدرها القضاء. كذلك يتوجب حرمان الموظف من ممارسة حقوقه السياسية والوظيفية كعقوبة تبعية يتحتم فرضها مع العقوبة الأصلية السالبة للحرية. لقد طرحت العديد من الاشتقاقات المهمة في تعريف الفساد، حيث عرفه البعض كلاً حسب اختصاصه وهناك من اتفق على تعريف محدد له، ومع ذلك سنطرح وجهات النظر المختلفة في إيضاح مفهوم الفساد.
يكاد مفهوم الفساد يرتبط في الأذهان بمفهوم الشر، ويعد من التعريفات الواضحة للفساد هو التعريف الذي يشير إليه بأنه إساءة استخدام السلطة لتحقيق كسب خاص (1).
في حين ينظر علم الاجتماع إلى الفساد بأنه (علاقة اجتماعية) تتمثل في انتهاك قواعد السلوك الاجتماعي في ما يتعلق بالمصلحة العامة (2).
وحقيقة أن ممارسة الفساد مرجعها إلى عدم استقامة ذاتية للشخص الذي يمارسه وبالتالي فهو انتهاك لقيمه وقيم المجتمع الذي يمارس ضده هذا السلوك.
أما أصحاب القانون والاتجاه القانوني فيعدون الفساد انحرافاً في الالتزام بالقواعد القانونية، وهناك إجماع على أن للفساد أثرا مدمراً على القانون وعلى القضاء عندما يطاله ويشمله بمؤثراته المهلكة (3).
وقد اختارت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد للعام 2003 ألا تعرف الفساد تعريفاً فلسفياً أو وصفياً، بل انصرفت إلى تعريفه من خلال الإشارة إلى الحالات التي يترجم فيها الفساد إلى ممارسات فعلية على أرض الواقع ومن ثم القيام بتجريم هذه الممارسات وهي الرشوة بجميع وجوهها وفي القطاعين العام والخاص والاختلاس بجميع وجوهه والمتاجرة بالنقود وإساءة استغلال الوظيفة وتبييض الأموال والثراء غير المشروع وغيرها من اوجه الفساد الأخرى (4).
إن الفساد يحدث عندما يقوم موظف بقبول رشوة أو ابتزاز لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة، كما يتم عندما يقوم وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة بتقديم رشاوى للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على منافس وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية، كما قد يحدث الفساد بأوجه أخرى كاللجوء في تعيين الأقارب إلى المحسوبية وكذلك سرقة أموال الدولة بطرق متعددة (5).
وصندوق النقد الدولي (imf) له مفهومه الخاص للفساد، حيث يراه بأنه (علاقة الأيدي الطويلة المتعمدة التي تهدف لاستنتاج الفوائد من هذا السلوك لشخص واحد أو لمجموعة ذات علاقة بالآخرين) (6).
ويمكن التمييز بين حالتين من الفساد، الأولى تتم بقبض الرشوة عند تقديم الخدمة الاعتيادية المشروعة والمقررة، أما الحالة الثانية فتتمثل بقيام الموظف بتأمين خدمات غير شرعية وغير منصوص عليها ومخالفة للقانون مقابل تقاضي الرشوة، كإفشاء معلومات سرية أو إعطاء تراخيص غير مبررة أو القيام بتسهيلات ضريبية وإتمام صفقات غير شرعية وغيرها (7)، من التعاملات غير القانونية التي يحصل مقابلها المرتشي على مبالغ ومردودات مادية مقابل تسهيلاته التي يقدمها وتضر قواعد العمل التي من المفروض أن يكون ملتزماً بها.
إن الفساد جريمة مبنية على التفكير والحساب والتخطيط وليس على العاطفة، وعليه فهو من الجرائم التي تزيد التراكمات المادية غير الشرعية (8)، والمخالفة للقوانين والمؤثرة تأثيراً سلبياً في بنية المجتمع واقتصاده.
وعليه فالفساد عموماً هو عكس الاستقامة والنزاهة والإيجابية والبناء، وهو ممارسة وسلوك لتغليب المنفعة الشخصية على المنفعة العامة واستغلال المصلحة العامة لتحقيق المنافع الشخصية دون النظر إلى المنفعة العامة (9).
من جميع هذه الاشتقاقات يمكن الإشارة إلى الفساد بأنه سوء سلوك ذاتي ينعكس على الآخرين وما قد يجنيه الشخص من ذلك السلوك من تحقيق أرباح مادية طائلة، إلا أنها تكون على حساب المجتمع المحيط به وما قد يلحق ذلك من آثار سلبية في المجتمع، والتي تتجسد في ازدياد صور الانحراف وامتدادها عبر شبكات تتاجر وتقامر باقتصاد ومقومات البلد من خلال إضعافه داخلياً للانتقال إلى المتاجرة بمقدراته خارجياً، إضافة إلى غرس صفات الابتزاز والجشع والاحتيال والنصب، نتيجة لوجود نفوس ضعيفة تمارس الفساد بأوجهه أطره المختلفة.
وعليه فالفساد يمكن النظر إليه بمثابة الداء المعدي الذي يبدأ من الفرد أو بعض الأفراد ليعم ضرره على المجتمع كافة.
أنواع الفساد
يظهر الفساد من ناحية التصنيف على نوعين (10):
النوع الأول هو الفساد العادي (الصغير): ويتمثل هذا النوع بالرشاوى الصغيرة التي يتقاضاها الموظفون الصغار وبعض المسؤولين الحكوميين من ذوي الرواتب المحدودة نتيجة القيام بتسهيلات غير مشروعة.
أما النوع الثاني فهو الفساد الشامل (الكبير): والذي يتمثل بقيام بعض القادة السياسيين وكبار المسؤولين بتخصيص الأموال العامة للاستخدام الخاص وكذلك اختلاس الأموال وتلقي الرشاوى، وإبرام العقود والصفقات التي يكون رأسمالها من مقدرات الدولة مقابل تحويل أرصدة منافعها إلى جيوب هؤلاء المسؤولين والقادة.
إن التفرقة بين الفساد الصغير والفساد الكبير ليست تفرقة في الحجم، فالفساد الصغير يتعلق بإتمام إجراءات روتينية على وجه السرعة أو عدم إجرائها أصلا، مثل ما يقوم به بعض موظفي الهجرة والجمارك وغيرهم، بينما الفساد الشامل أو الكبير يتعلق بالتأثير على اتخاذ القرارات مثل قرارات إنشاء المشروعات الاقتصادية وترسية العطاءات والمناقصات وعقد الصفقات الكبيرة وفي مختلف المجالات (11).
كما يزداد الفساد الشامل عندما تنهار رقابة الحكومة المركزية، وأيضا عندما تنهار الدولة في مواجهة الأزمات وتحل محلها الجريمة المنظمة، كما هو الحال بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وأيضا يحدث الفساد الشامل عندما تنتقل الوظائف الفيدرالية إلى المحليات والبلديات (12).
ومهما كان الأمر من ناحية إعطاء أهمية للفساد الصغير أو الكبير، فكلاً منهما وعلى حدة ممكن أن يؤدي إلى انهيار كلي في مرتكزات الدولة وأسسها البنيوية، فقد يستشري الفساد الصغير إلى الدرجة التي لا يمكن السيطرة عليه، وقد يبقى كداء خفي وربما غير معروف لعدم وضوحه بشكل مباشر، إلا أن أثره فتاك من خلال التلاعب بالقواعد الشرعية والتي يجب انتهاجها والسير وفقها، أما الفساد الكبير فهو يقضي على المجتمع بأكمله لان جميع مقدرات المجتمع بيد من يتحكمون فيه من الذين امتهنوا الفساد لمصالح شخصية تؤدي إلى إفقار المجتمع وتعطيل قدراته وتعود به إلى التأخر والانحطاط.
في مسببات الفساد
هناك العديد من الأسباب التي تدفع إلى ممارسة هذا السلوك، وهذه الأسباب قد تكون خفية وأخرى ظاهرة، فالخفية قد تعود إلى الشخص نفسه وتتعلق بطبيعته وتكوينه وصفاته الخلقية، والظاهرة قد تعود إلى الظروف المجتمعية التي تدفع بالبعض إلى ممارسة الفساد.
فالفساد بات آفة سلوكية ترمي بظلالها على جميع المجتمعات دون استثناء ولكن بدرجات متفاوتة على اختلاف نظمها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث يظهر في كلا نصفي العالم الشمال والجنوب، وتتفاوت تلك المجتمعات في تحليل مفهوم الفساد وما هي أسباب ظهوره واستشرائه (13).
فقد تكون من الأسباب الدافعة للفساد هي وجود خلل في شخصية الممارس لسلوك الفساد وقصور في صفاته الأخلاقية، كأن تكون صفة الطمع لديه متأصلة على الرغم من تمتعه بمستوى مادي قد لا يدفعه إلى ممارسة هذا السلوك، إلا أنه يقدم عليه، أي انه مصاب بحب الاستغلال وجمع الأموال والابتزاز بأية طريقة.
وقد يكون السبب هو انخفاض أجور الموظفين الحكوميين، إذ أن ذلك قد يغري بالفساد من أجل زيادة رواتبهم (14)، وتحسين أحوالهم المعاشية فيحاولون تعويض ذلك بتقبل الرشاوى وتسهيل بعض التعاملات غير المشروعة، وعلى الرغم من الحاجة إلى تلك الأموال إلا أن البعض رغم حاجته لا يتسم بسلوك المفسد، وذلك يعود لدوافع أخلاقية في ذات الشخص.
وأيضا من أسباب الفساد العدد المتزايد من القرارات التي تتخذ في القطاع العام، واللامركزية الإدارية التي تزيد من مصادر اتخاذ القرار (15)، حيث أن عدم وضوح المركزية يؤدي إلى خلخلة التعامل مع ما يصدر من قرارات بشكلٍ صحيح، كما أن عدم تحديد الجهة الرئيسية في اتخاذ القرارات يؤدي إلى حالات فساد متعمدة لوجود تعدد في الجهات التي تصدر القرارات، إضافة إلى ذلك عدم وضوح النظام الضريبي وعدم كفاية شفافية القوانين والإجراءات الضريبية، وإعطاء صلاحيات كبيرة لمحصلي الضرائب مع غياب الرقابة، وكبر حجم بعض مشاريع القطاع العام وصرف مبالغ طائلة عليها والتي تغري بعض الموظفين الطامعين إلى جني أرباح طائلة، وأيضا عدم استقرار البيئة القانونية والتشريعية التي تحكم المؤسسات الحكومية، وعدم شفافية القوانين والتشريعات المرتبطة بالفساد، حيث تغيب هذه السمة لدى العديد من الدول وعلى الأخص في بلدان العالم الثالث؛ الأمر الذي يجعل من القوانين غير واضحة وقابلة للتفسير بصورة خاطئة، إضافة إلى عدم الإعلان المناسب عن أية تغييرات على هذه القوانين مما يفقدها فاعليتها وتصبح أداة فعالة لانتشار الفساد واستشرائه (16).
فتعثر نظام الدولة في ضبط الإجراءات القانونية التي تتعلق ببنية واقتصاد البلد، إضافة إلى ترك ثغرات كبيرة تشجع المستعدين لممارسة الفساد إلى الدخول فيها، من قبيل مثلاً قلة أجور الموظفين وعدم المركزية في القرار وغيرها من الثغرات الأخرى، جميعها تساعد على انتشار الفساد وغرس جذوره في المجتمع وممارسة دوره بإنهاك مؤسسات المجتمع المختلفة وتعطيل إمكانياتها.
إضافة إلى هذه الأسباب يمكن إدراج سبب آخر وجوهري في تركز الفساد وحتى في انتشاره، وهو ما لعبته الثورة الثقافية من خلال وسائلها الإتصالاتية السريعة والمتعددة، حيث أن هذه الثورة قد فتحت عقول الكثير من الأفراد من مواطني الدول الفقيرة على مستويات ووضعيات معيشة عالية، ومن هنا تبدأ المقارنة بين أوضاعهم وأوضاع الآخرين ومحاولة الوصول إليها برغم ضعف الإمكانيات، والتي قد تؤدي بالتالي إلى حالات فساد متعددة لغرض الوصول إلى مستويات الرفاهية عند الآخرين (17). وهذه مسألة خطيرة إذ أن جل سلبيات الثورة المعرفية المعلوماتية تتمثل بأنها خلقت حالة من الانبهار بأوضاع الآخرين ومحاولة الوصول إلى مستويات معيشتهم، وحتى وان كان ذلك بالطرق غير المشروعة، وعليه فممارسة البعض للفساد ربما يكون بدافع ما جاءت به هذه الثورة المعرفية، وذلك كفيل بالاستخدام غير المناسب لآليات هذه الثورة وكيفية التعامل معها، فإن ما سبق لا يعني أن جميع من تأثر بثورة المعلومات ربما قد انحرف إلى جادة الفساد لردم الهوة بين واقعهم والواقع الآخر عبر هذه الآليات، فذلك رهن بمستوى التعامل المنطقي معها، إضافة إلى ضرورة امتلاك الفرد المتعامل مع ثورة المعلومات لخاصية التحكم بها دون أن تتحكم هي به وتدفعه إلى الانحراف في الفساد.
في ما ينجم عن الفساد من مؤثرات
لعل مؤثرات الفساد التي تنخر في جسم المجتمع عديدة وسنحددها حسب تأثيرها في جوانب المجتمع المختلفة.
فمساوئ الفساد لا تقتصر على جانب معين وإنما تكاد تطال جميع جوانب المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والسياسية (18).
فعلى الجانب الاجتماعي يكاد الفساد أن يشوه البنى الاجتماطبقية والنسيج الاجتماعي، لغرض أن تصعد النخب الأقلية ويجري دفع الأكثرية إلى القاع الاجتماعي، كما أن مواصلة إنتاج الفساد فهو انعكاس لسوء توزيع الثروة توزيعاً عادلاً وبقاء تطبيق القرارات أسير البرقرطة وبقاؤها في إدراج المكاتب (19).
إن اقتصاد الفساد يؤدي إلى توزيع الدخول بشكل غير متكافئ ومشروع، ويحدث تحولات سريعة ومفاجئة في التركيبة الاجتماعية؛ الأمر الذي يكرس التفاوت الاجتماعي واحتمالات زيادة التوتر وعدم الاستقرار السياسي (20). فتركز الموارد بأيدي ممارسي الفساد يؤدي إلى اختلال التوازن في المجتمع وصعود هذه الفئة مع انخفاض فئة الأكثرية الفقيرة إلى مستوى التدهور.
إن الفساد يزيد من الإفقار وتراجع العدالة الاجتماعية نتيجة تركز الثروات والسلطات وسوء توزيع الدخول والقروض والخدمات في المجتمع وانعدام ظاهرة التكافؤ الاجتماعي والاقتصادي وتدني المستوى المعيشي لطبقات كثيرة في المجتمع (21)، وما قد ينجم عن ذلك الإفقار من ملابسات كثيرة قد تؤدي بهذه الفئات المسحوقة إلى ارتكاب الرذائل وبالتالي تعطيل قوة فاعلة في المجتمع ممكن الاستفادة منها لو احسن التعامل معها.
ولعل اخطر ما ينتج عن داء الفساد هو ذلك الخلل الذي يصيب أخلاقيات العمل والقيم الاجتماعية؛ الأمر الذي يؤدي إلى شيوع حالة ذهنية تسبغ على الفرد ما يبرر الفساد والقيام به (22)، حيث يغير الفساد من سلوك الفرد الذي يمارسه، ويجره للتعامل مع الآخرين بدافع المادية والمصلحة الذاتية، دون مراعاةٍ لقيم المجتمع والتي تتطلب منه النظر للمصلحة العامة، إضافة إلى الإخلال بكل قواعد العمل وقيمه.
وإضافة إلى تأثير الفساد بقيم العمل، فقد يؤدي إلى إلغاء أو أضعاف مفعول الحوافز الموضوعية العادلة، حيث انه بطبيعته الديناميكية القاتلة يثبط عزيمة المنتجين والعاملين الجادين، ويجعل اغلب الإدارات متثاقلة واقل فعالية (23)، في منح الحوافز، نتيجة تغلغل الفساد فيها والذي يلغي معه الجدية في العمل.
إن إضرار الفساد بتوزيع الدخول وتهشيم النسيج الاجتماعي وخلق طبقة فقيرة جداً وطبقة غنية بالانتفاع من موارد الفقراء، بالتأكيد سيكون له دوره في زعزعة أسس بناءات المجتمع وتفكيكه.
أما مؤثرات الفساد في الجانب الاقتصادي، فيمكن القول أن اكثر ما يغرسه الفساد من سموم هو في الجانب الاقتصادي، لان المحصلة النهائية للفساد هي الحصول على الأرباح المادية، وما يمكن أن يلعبه الاقتصاد وبشكلٍ أساس من دورٍ فعال في حياة المجتمع واستقراره.
فالفساد يؤثر على أداء الاقتصاد الوطني ويضعف النمو الاقتصادي، حيث يؤثر في استقرار البيئة الاستثمارية ويؤدي إلى زيادة تكلفة المشاريع ويهدد نقل التكنولوجيا ويضعف الأثر الإيجابي لحوافز الاستثمار بالنسبة للمشاريع المحلية والأجنبية، وخاصةً عندما تطلب الرشاوى من أصحاب المشاريع لتسهيل قبول مشاريعهم، أو يطلب الموظفون المرتشون حصة من العائد الاستثماري (24).
إن المبلغ الذي يدفعه رجل الأعمال كرشوة للموظف لغرض الحصول على تسهيل معين، مثلاً الحصول على أذن باستيراد سلع معينة من الخارج أو الحصول على مناقصة أو عطاء أو المتاجرة بأشياء ذات ضريبة عالية، لن يتحمل ذلك المبلغ رجل الأعمال، وإنما يتم نقل عبئه إلى طرف ثالث قد يكون المستهلك أو الاقتصاد القومي ككل أو كليهما معاً، حيث يقوم رجل الأعمال برفع سعر السلعة التي استوردها من الخارج، أو رفع تكلفة المناقصة أو العطاء، لغرض تعويض ما دفعه من رشوة، والمستهلك الذي يشتري هذه السلع هو الذي يتحمل سعرها المرتفع دون غيره، أو قد تتحملها ميزانية الدولة إذا كانت الحكومة هي التي تشتري السلعة، إضافة إلى ذلك قد يؤدي استيراد هذه السلعة إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية؛ الأمر الذي يضعف من قوة العملة المحلية وينقص قيمتها، وذلك له مؤثراته على الاقتصاد القومي (25). فكثيراً ما نلاحظ أن ارتفاع أثمان السلع في السوق، قد لا يعود إلى ارتفاع تكلفتها الإنشائية، وإنما يعود إلى ملابسات من هذا النوع والمتمثلة بدفع رشاوى لنقل واستيراد هذه السلع والتعويض عن ما دفع عنها برفع أثمانها على المستهلك؛ الأمر الذي يؤدي إلى أحداث ضغط كبير على ميزانية ذوي الدخول المحدودة؛ مما يزيد من العوز وعدم المقدرة على مواجهة أمور الحياة.
كما أن الفساد يغير المعايير التي تحكم إبرام العقود، حيث أن التكلفة والجودة وموعد التسليم وغيرها من المعايير المشروعة هي التي تحكم إبرام العقود في الظروف الاعتيادية، ولكن في ظل الفساد يصبح المكسب الشخصي لكبار المسؤولين عاملاً هاماً في إبرام العقود، ويقلل من أهمية المعايير الأخرى كالتكلفة والجودة وموعد التسليم، وهذا يؤدي إلى اختيار موردين أو مقاولين اقل كفاءة وشراء سلع أقل جودة (26).
ويؤدي الفساد إلى إضعاف جودة البنى التحتية والخدمات العامة، ويدفع بذوي النفوس الضعيفة إلى السعي إلى الربح غير المشروع عن طريق الرشاوى دون المشاركة في الأنشطة الإنتاجية، والحد من قدرة الدولة على زيادة الإيرادات والإفضاء إلى معدلات ضريبية متزايدة تجبى من عدد متناقص من دافعي الضرائب، وذلك بدوره يقلل من قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية لأفراد المجتمع (27).
وفي الوقت ذاته قد يؤدي الفساد إلى تبديد الموارد القومية ويجعل مساهمتها في التنمية الاقتصادية للدولة هامشية، وتصبح القضية صعبة عندما توضع مقدرات الدولة الاقتصادية بيد مجموعة من المرتشين (28)، من الذين لا يعباؤن بالدولة والمجتمع ومصالحهما، فالمهم في القضية هو الإثراء الشخصي على حساب الآخرين حتى وان كان ذلك يهدد بنسف اقتصاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.