الأنباء التى تواترت حول تفكير الولاياتالمتحدةالأمريكية فى تسليم الداعية التركى فتح الله جولن رئيس جماعة الخدمة الإيمانية الذى تتهمه تركيا بتدبير الانقلاب على أردوغان عام 2016 هى دليل دامغ آخر على هرولة واشنطن لتكييف مبادئها على حسب مقتضيات الأحوال والهوى، فأمريكا تعرف أن جولن الذى كان من أقرب حلفاء أردوغان هو شماعة سعى النظام التركى إلى استخدامها فى قمع القوى المساندة للأكراد، وفى حشد الناخبين للموافقة على تعديل الدستور لتكريس فكرة «رئاسية» أو إذا شئنا الدقة «سلطانية» أردوغان، كما كانت فرصة لتصفية خصوم حزب العدالة والتنمية فى الجيش والقضاء والجامعات والإعلام وضرب أى معارضة للنظام، ويبدو أن لجوء جولن للولايات المتحدة لن يشفع لهذا الرجل الذى تفكر واشنطن فى المقايضة به على عدة مطالب لها من تركيا، وربما أول هذه المطالب كان تسليم القس الأمريكى الإنجيلى أندرو برونسون فى أكتوبر الماضى الذى كانت تركيا اعتقلته واتهمته بأنه أحد عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وبأنه دعم منظمات تتهمها أنقرة بالإرهاب مثل حزب العمال الكردستانى أو حركة الخدمة الإيمانية لجولن.. ليس هذا فقط ولكن تشابك المصالح والمطالب أضاف بنودا أخرى على الصفقة السياسية الأمريكية فقد راحت واشنطن تسلم تركيا طائرات إف 35 التى كانت هددت بتعليق تسليمها بل فرض عقوبات على أنقرة إذا مضت فى إبرام صفقة شرائها منظومة إس-400 الروسية للدفاع الجوى على الرغم من تصاعد أصوات فى الكونجرس تنادى بفرض عقوبات على الدول الحليفة التى تسعى للحصول على السلاح من موسكو مثل تركيا والسعودية ومصر.. ولكن الولاياتالمتحدةالأمريكية تخلت عن موقفها المبدئى فى الحالة التركية لأنها شعرت أنها شيئا فشيئا ستفقد حليفها التركى المهم الذى راح يقترب من روسيا ويتعاظم تعاونهما الاقتصادى والعسكرى والسياسى، فأفرجت تركيا عن القس برونسون فى مقابل كل هذه التنازلات من جانب أمريكا التى لا تكف عن «الهرتلة» السياسية والحديث عن القيم الأمريكية.. تلك القيم التى ستندفع أمريكا إلى خيانتها وتسليم جولن كما سلمت الطائرات إف 35. لمزيد من مقالات د. عمرو عبدالسميع