صراخ واستغاثة يبدو أنه لطفلة تعانى آلاما مبرحة، صادر من إحدى الشقق بأحد الشوارع المتفرعة من شارع العريش بالهرم، ثم ما لبث الجيران أن تمكنوا من التوصل إلى مصدر الاستغاثة وبالتحديد دورة المياه التى تستغيث منها الطفلة فى شقة مستأجرة تقيم بها سيدة منتقبة ومعروف عنها وزوجها الملتحى التزمت الشديد وهما يعملان كمدرسين فى حضانة خاصة ولم يكن من بد من إبلاغ الشرطة بالواقعة. إنها طفلة فى حوالى الثانية عشرة من عمرها مربوطة بسلسلة حديدية من ذلك النوع الذى تربط به الكلاب الشرسة وبها آثار إصابات حروق وتقيحات على الكتفين والصدر والبطن والظهر واليدين والقدمين ومناطق أخرى من جسدها! لاحظ العميد أسامة عبد الفتاح رئيس مباحث غرب الجيزة أنها ترقد وهى مقيدة على فراش مبتل كريه الرائحة وحولها بقايا طعام متناثرة وكانت ترتعد وتبكى ثم ما لبثت أن أصيبت بانهيار. مالها؟! مخطوفة؟!.. فمن إذن خطفها ولماذا يعذبها بهذه الوحشية؟!.. وكيف لا يحسب حسابا لاستغاثتها التى لفتت انتباه الجيران الذين روعهم المشهد المرعب؟!. ومن الذى فعل كل هذا بها؟! وفى المستشفى تبين أن الحروق من أثر سكب ماء مغلى على جسدها والقروح من جراء القيد بالسلسلة الحديدية وبدأ علاجها فى محاولة لإنقاذ حياتها. فى الوقت الذى كانت التحريات التى أمر بها اللواء رضا العمدة مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة قد توصلت إلى لغز الطفلة المعذبة، فقد تبين أنها محتجزة فى دورة المياه قبل خمسة أيام من اكتشاف الواقعة وكانت المفاجأة المذهلة هى أن المدرسة المنتقبة والدتها وهى نفسها التى فعلت كل هذا! لماذا؟!.. أى إجابة مهما كانت، فلن تصلح لأن تكون مبررا تحت أى ظرف، فحتى الجنون لا يبرر ما وقع للطفلة على يد تلك السيدة المدعوة والدتها تلك التى فاقت فى تعذيبها لابنتها أى تصور، وليتها كانت تعاقبها على جرم يمكن أن يجعل أصحاب القلوب المتحجرة يجدونه مبررا لما فعلت، فكل ما فعلته الطفلة (م.ج.ر) ذات الثانية عشرة من العمر أنها ضاقت ذرعا بالمعاملة القاسية من زوجة أبيها الذى انفصل عن أمها وهى لم تبلغ الثالثة، وقد ألقتهما الأم مع شقيق أصغر منها وتركت الإسكندرية حيث كانت تقيم مع والد الطفلين والذى تزوج بسيدة أخرى كانت تسيمها العذاب. وتبين من التحريات التى امر بها اللواء محمد عبد التواب نائب مدير الإدارة العامة بأنها منذ حوالى أربعة أشهر حاولت وضع نهاية لمعاناتها فتركت منزل أبيها فى الإسكندرية ولجأت إلى أمها التى كانت قد ارتدت النقاب فجأة وتزوجت من رجل يطلق لحية طويلة كثيفة وأنجبت منه وتقيم بمنطقة العريش بالهرم فى الشقة التى شهدت ذروة المأساة. وخلال الشهور الأربعة لم تتغير حياة الطفلة التى كتب عليها القدر أن تعانى على يد أمها التى تبلغ من العمر ثلاثين سنة وزوجها ما لم تره من أبيها وزوجته، فقد تعاملت معها والدتها وكأنها ثمرة لخطيئة عمرها ومع ذلك قررت أن تستفيد من وجودها معها، لتعمل كخادمة فى «الحضانة» التى تعمل بها الأم مع زوجها وتقع بالقرب من المسكن!. حضانة؟!.. كيف يمكن أن تعامل مثل هذه السيدة الأطفال الذين يتركهم ذووهم فى الحضانة عدة ساعات فى اليوم؟! هكذا دارت تساؤلات الجيران الذين أفزعهم أن الطفلة لم تكن مخطوفة كما اعتقدوا فى البداية وأن التى تعذبها هى نفسها التى تعمل بحضانة للأطفال فى المنطقة وتتظاهر بالالتزام هى وزوجها. وصبرت الطفلة على المهانة التى تلاقيها من والدتها وزوجها ومن ثقل العمل كخادمة بين البيت والحضانة، فلم تتحمل كل هذه المعاناة، فكانت تعجز أحيانا عن إتمام بعض ما يكلفانها به، كما كانت المسكينة ترضخ أحيانا لطبيعتها كطفلة فتلهو كلهو الأطفال وهو ما كان يغيظ الأم التى اعتبرت لعبها نوعا من الترف الذى لا يليق بخادمة، فقررت عقابها بطريقة شنعاء، حيث عمدت إلى سلسلة الكلاب وربطتها بها فى الغرفة ولم تسمح لها بالحركة ولا حتى بالذهاب إلى دورة المياه وقد جن جنون الأم عندما وجدتها ذات صباح وقد فقدت قدرتها على التحمل فتبولت فى مكانها، فما كان منها إلا أن نقلت موضع تعذيبها إلى دورة المياه، فقامت بربط السلسلة فى ماسورة مياه ووضعت لها فراشا لتنام عليه.. لكن لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد ضاقت السيدة ببكاء ابنتها واستغاثتها التى لا تنقطع فقررت الإمعان فى تعذيبها فقد كانت تترك الماء يغلى داخل غلاية كهربائية «كاتل» ثم تسكبه على جسد ابنتها!. هل هذا معقول؟!هذا هو ما قررته الطفلة للعميد مدحت فارس مدير المباحث الجنائية بالجيزة وأكد الجيران الذين هرعوا لإنقاذها أقوالها إثر استغاثتها فى خامس يوم للتعذيب فى وقت تركتها فيه أمها لترعى أطفالا آخرين فى الحضانة!. وبناء على كل ما سبق، ألقى ضباط المباحث بإشراف العقيد محمد أمين مفتش المباحث والمقدم مصطفى عبد الله القبض على الأم المتهمة بتعذيب ابنتها وزوجها الذى ساعدها فى جريمتها، وأمر اللواء مصطفى شحاتة مساعد وزير الداخلية لأمن الجيزة بإحالتهما إلى النيابة.