بالقانون.. فئات يجوز لها تخفيض ساعات العمل    وكيل تعليم مطروح يتابع التقييم المركزي لمسابقة "المعلمة الفعالة" لمرحلة رياض الأطفال    سعر الدولار بالجنيه الآن في البنوك و السوق السوداء اليوم الخميس بعد الانخفاض الجديد    أسعار اللحوم والفراخ في أسواق أسيوط اليوم الخميس    الدولار يتراجع في ظل تثبيت أسعار الفائدة لفترة أطول    مطار دبي يعلن إعادة فتح إجراءات السفر من المبنى 3    واشنطن توافق على عملية عسكرية إسرائيلية في رفح مقابل هذا الشرط    المستشفيات المصرية تستقبل 117 مصابا ومرافقا فلسطينيا عبر معبر رفح    قصف إسرائيلي شمالي مخيم النصيرات وسط غزة    زلزال يضرب جنوب غرب اليابان بقوة 6.3 درجة    "لا وجود للحظ".. تصريح تاريخي من بيب جوارديولا بعد الخسارة أمام ريال مدريد    مهيب عبد الهادي يكشف مفاجأة صادمة عن كولر    الدوري المصري، سيراميكا يستدرج الاتحاد السكندري اليوم    بعد قليل، محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف الخطيب    فتح باب سداد الدفعة الثانية للفائزين بقرعة حج الجمعيات الأهلية    تفاصيل المذبحة الأسرية فى الغربية ..المتهم والضحايا يقيمون فى منزل العائلة بكفر الزيات    التضامن تعلن فتح باب سداد الدفعة الثانية للفائزين بقرعة حج الجمعيات    علي جمعة: الرحمة حقيقة الدين ووصف الله بها سيدنا محمد    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية لقرية سيدى شبيب الأسبوع المقبل    عاجل - لليوم الثالث.. اضطرابات جوية وتعطيل مناطق واسعة داخل الإمارات    مجلس الأمن يؤجل التصويت على مشروع قرار منح فلسطين العضوية الكاملة للغد    سعر كيلو العدس، أسعار العدس اليوم الخميس 18-4-2024 في الأسواق    منة عدلي القيعي: بجمع أفكار الأغاني من كلام الناس    طارق الشناوي: «العوضي نجح بدون ياسمين.. وعليه الخروج من البطل الشعبي»    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 18 أبريل 2024    بلاغ وكردون أمني.. ماذا حدث داخل مخزن كاوتش في شبرا الخيمة؟    أنت ابني وسأصلّي من أجلك، كاهن الكنيسة الشرقية في سيدني يصفح عن المهاجم (فيديو)    أسعار الفراخ اليوم 18-4-2024.. الانخفاض مستمر جهّز فلوسك للتخزين    إبراهيم سعيد: خالد بيبو "مهمش" في الأهلي وليست لديه صلاحيات عبد الحفيظ    بعد استقالة المحافظين.. هل تشهد الحكومة تعديل وزاري جديد؟    مدير أعمال شيرين سيف النصر: كانت عايزة تشارك في عمل ل محمد سامي ( فيديو)    أحمد عبد الله محمود يكشف كواليس تعاونه مع أحمد العوضي ومصطفى شعبان    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18 ابريل في محافظات مصر    ما حكم نسيان إخراج زكاة الفطر؟.. دار الإفتاء توضح    شاب يتحول من الإدمان لحفظ القرآن الكريم.. تفاصيل    وزارة الطيران المدني توضح حقيقة انتظار إحدى الطائرات لمدة 6 ساعات    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الخميس 18/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    هشام ماجد يشيد بهنا الزاهد بعد "فاصل من اللحظات اللذيذة"    كيف تبوء الجهود الأممية بالإخفاق داخل قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي حتى الآن؟    ألفا روميو تقدم Junior .. أرخص سياراتها الكهربائية    الصين قادمة    دعاء الرياح والعواصف.. «اللهم إني أسألك خيرها وخير مافيها»    سامسونج تثير الجدل بإطلاق أسرع ذاكرة في العالم .. فما القصة؟    7 علامات بالجسم تنذر بأمراض خطيرة.. اذهب إلى الطبيب فورا    رشة من خليط سحري تخلصك من رواسب الغسالة في دقائق.. هترجع جديدة    طريقة عمل مربى الفراولة، زي الجاهزة للتوفير في الميزانية    إبراهيم نور الدين: كنت أخشى من رحيل لجنة الحكام حال إخفاقي في مباراة القمة (فيديو)    «البيت بيتى 2».. عودة بينو وكراكيرى    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024.. 5 أيام متصلة مدفوعة الأجر    أنت لي.. روتانا تطرح أغنية ناتاشا الجديدة    بعد 24 ساعة قاسية، حالة الطقس اليوم الخميس 18-04-2024 في مصر    الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على إيران    إبراهيم سعيد: احتفالات لاعبي الزمالك بعد الفوز على الأهلي مبالغ فيها    «معلومات الوزراء»: 1.38 تريليون دولار قيمة سوق التكنولوجيا الحيوية عالميًا عام 2023    ارسنال ومانشستر سيتى آخر ضحايا الدورى الإنجليزى فى أبطال أوروبا    الجامعة البريطانية في مصر تعقد المؤتمر السابع للإعلام    أسباب نهي الرسول عن النوم وحيدا.. وقت انتشار الشياطين والفزع    صفقتان من العيار الثقيل على أعتاب الزمالك.. وكيل لاعبين يكشف التفاصيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اشتراكية الفقر.. والرأسمالية المتوحشة
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 12 - 2018

تنقلت تجارب الفكر ونظرياته بين مدارس كثيرة سطرتها عقول فذة فى مسيرة البشرية لكى تجسد أحلام الشعوب فى العدل والتقدم وحقوق الإنسان.. ولم تكن هذه النظريات مجرد أفكار على الورق ولكنها تحولت إلى واقع حقيقي بدأ تنفيذها فى دول كثيرة من خلال تجارب حقيقية.. ولم يتوقف الإنسان عند نظرية واحدة ولكنه تنقل بين الكثير من الأفكار التى انعكست على الواقع الإنساني والتاريخي للشعوب .. ومن فترة إلى أخرى ظهرت نظريات ملأت الساحة وسرعان ما اختفت وحلت مكانها نظريات وأفكار أخرى وإن بقى الصراع الأزلي ما هى أفضل السبل لتحقيق حياة كريمة للبشر كل البشر..
شهد الواقع الإنساني نماذج لتجارب بعضها نجح بعض الوقت والبعض الآخر فشل من البداية وبقى السؤال من كان أقدر على تقديم النموذج الأفضل من خلال ما شهده العالم فى الواقع الذى يعيشه الإنسان..
خلال فترة زمنية ليست بالقصيرة توقف العالم عند تجربتين رئيسيتين هما الفكر الاشتراكي والفكر الرأسمالي، أي دعاة الاشتراكية ودعاة الرأسمالية..
وقد شهد جيلنا فى الستينيات سيطرة شبه كاملة للفكر الاشتراكي، وكانت الماركسية النظرية والحلم هى الساحة التى جمعت ملايين الشباب فى العالم وفى مصر كان الفكر الماركسى هو المنطقة الآمنة التى لجأ إليها الشباب المصرى حين بدأت التجربة الاشتراكية مسارها.. اعترف باننى لم أكن يوما متعاطفا مع الماركسية الفكر والتوجه والنظرية بل اننى وفى شبابى كنت أرى حولى جيلا كاملا تشبع بها وعاشها فكرا وحلما ولكننى كنت قد قرأت عنها من خلال رؤية شرقية وهى ما كتبه العقاد فى كتابه الشهير أفيون الشعوب أو من خلال رؤية غربية لصاحب الوجودية جان بول سارتر وما كتبه من انتقادات حادة للماركسية الفكر والواقع، وقد اسقط الاثنان العقاد وسارتر الماركسية تماما أمام حجج من التاريخ والأديان والفلسفة خاصة أن موقف الماركسية من الأديان السماوية كان منطقة رفض من نخب كثيرة فى الفكر العالمى..
لم تبهرنى الماركسية الفكر ولم تقنعنى الاشتراكية التطبيق فى تجربتنا المصرية وكان السبب فى ذلك أن ما شاهدناه لم يكن المعنى الحقيقى للاشتراكية التى تهدف إلى زيادة نسبة الأغنياء وليس المساواة بين الناس فى الفقر.. ما أسهل أن تزداد الشعوب فقرا وقد نجحت تجربتنا مع الاشتراكية فى زيادة عدد الفقراء ونهب ثروات الأغنياء وحين سيطرت الدولة على الأراضي وأعادت توزيعها انهارت منظومة الزراعة فى مصر أمام إعادة التوزيع بين الأجيال حتى أصبحت الأسرة تملك قيراطا أو قيراطين..
عندما صادرت الدولة الصناعات التقليدية فى مصر خسرت مصر أسواقا كثيرة، كانت تستورد القطن والغزل والمنسوجات والزيوت وفى سنوات قليلة انهارت هذه الصناعات وتراجع مستوى إنتاجها.. وكانت النتيجة أن الصناعة فقدت العامل الماهر والإنتاج الجيد وأن الزراعة فقدت الفلاح المصرى القديم وفقدت إنتاجه المتميز..
لم تحقق الاشتراكية المصرية أهدافها كما ينبغي وإن كانت قد خلقت طبقة جديدة من أبناء العمال والفلاحين والطبقة المتوسطة الذى شاركوا فى تغيير ملامح الحياة المصرية فى مجالات أخرى مثل الثقافة والفكر والقضاء والحياة العسكرية وأعمال أخرى كثيرة.. لا نبالغ إذا قلنا إن الاشتراكية المصرية لم تقم على دراسات متكاملة لأن الموارد كانت محدودة فى كل شىء، ابتداء بالأراضي الزراعية وهى محسوبة وانتهاء بالصناعات الحديثة وكانت فى بدايتها ولم تنطلق بعد..
لم تكن موارد الاقتصاد المصرى من حيث الإمكانيات قادرة على أن تصنع مجتمعا من الرخاء خاصة أن الدولة اكتفت بالاستيلاء على ما لدى الأغنياء ولم تستطع أن توفر من الموارد ما ينقذ الفقراء من فقرهم وفى سنوات قليلة انسحبت التجربة الاشتراكية المصرية لتبدأ بعدها مرحلة من التخبط فى دروب انفتاح السداح مداح كما أطلق عليها كاتبنا الكبير الراحل أحمد بهاء الدين..
إذا كانت الماركسية قد حشدت أجيالا كثيرة كتجربة داعبت خيال الشباب إلا إنني توقفت عندها بقدر كبير من الحذر لأن المسافة تبدو بعيدة بين الإبداع والتنظير وبين الأفكار وتطبيقها، ومازلت أرى أن الماركسية الفكر قد فشلت أن تكون واقعا حتى فى أكثر بلادها انتماء..
كانت تجربة مصر الاشتراكية مجرد أقوال وشعارات ولم تقدم نموذجا واقعيا يمكن أن يضاف إلى تجارب أخرى ترسخت وحققت قدرا من النجاح حتى ولو كان ضئيلا.. لم تأخذ الاشتراكية من نظريات التاريخ غير الشعارات وجاء الانفتاح ولم يأخذ من الاقتصاد الحر غير العمولات والسمسرة وإهدار ما بقى من مصادر الثروة المصرية.. جاءت تجربة الانفتاح وهى لم تكن رأسمالية ولا اشتراكية كانت مجرد أفكار شاردة فتحت الأبواب أمام عدد من الأشخاص استطاعوا فى فترات قصيرة الاستيلاء على ما بقى من موارد الدولة فى صفقات سريعة وتجارة مشبوهة لقد خلقت تجربة الانفتاح الاقتصادي واقعا اجتماعيا وإنسانيا غريبا حين استولى عدد من الأشخاص على ثروة وطن..
فشلت تجربتنا فى مواجهة الفقر من خلال الاشتراكية وفقدت تجربتنا مع الرأسمالية شفافية القرار وأمانة المسئولية وهنا رقصنا على السلم فقد ماتت الاشتراكية قبل أن تحقق أهدافها ودخلت الرأسمالية فى زواج باطل مع السلطة خلف لنا المزيد من الفقر والأخطاء فى تجارب لم تكتمل..
لم نكن وحدنا فى هذا السياق ولكن الأزمة الحقيقية أننا كنا مجرد أصداء لتجارب الآخرين فقد عشنا تجربتنا الاشتراكية بفكر غيرنا وحين أردنا الانفتاح أخذناه أيضا من تجارب الآخرين.. إن هدف الاشتراكية فى كل العصور هو تحقيق العدالة ومحاربة الفقر.. وتجربة الانفتاح هى الاقتصاد الحر من أجل الرفاهية والهدف فى الحالتين هو توفير حياة كريمة للإنسان..
لقد انتهت الاشتراكية عندنا لأنها اكتفت بالشعارات ولم تحقق الرخاء وهذا ما حدث فى تجارب أخرى فقد سقط الاتحاد السوفيتي وهو دولة عظمى أمام الشعارات الكاذبة وكبت الحريات وانتهى كل شىء بعد تجربة دامت عشرات السنين وكان الخطأ أن التجربة نفسها حملت فى داخلها أسباب انهيارها..
هناك نموذج آخر تشهده فرنسا الآن وهى من معاقل الرأسمالية العالمية منذ سنوات بعيدة والأزمة الحقيقية فى المجتمع الفرنسى أن الرأسمالية قد توحشت فى العالم ووصلت إلى نفس النتائج التى وصلت إليها كل التجارب الاشتراكية، إنها تحمل أسباب فشلها .. إن الاشتراكية لم تنصف فقراء العالم والرأسمالية تخلت عنهم وكلاهما سقط فى براثن رأسمالية متوحشة جعلت مصالحها ومكاسبها فوق كل شىء دون النظر إلى أي اعتبارات إنسانية أو مسئولية اجتماعية..
إن شركة واحدة من الشركات متعددة الجنسيات تملك الآن مئات المليارات من الدولارات وتحتكر إنتاج السلع على مستوى العالم وتتحكم فى كل شىء من الأسعار والمنتجات ويحصل اصحابها على كل شىء بينما تعانى كل شعوب العالم البطالة .. فى العالم الآن مئات الملايين من الشباب لا يجدون فرصة عمل وضاعت أعمارهم بين فكر عقيم يرفع راية الاشتراكية وفكر توحش استباح أعمار الناس وحياتهم أسمه الرأسمالية..
إن ما يحدث فى فرنسا الآن لن تتوقف آثاره على أصحاب السترات الصفراء ولكن الملايين من فقراء أوروبا الذين قامت على أكتافهم الشركات متعددة الجنسيات يعانون البرد والفقر والبطالة .. إن العالم مطالب الآن بأن يحقق عدالة السماء بين البشر لأنهم فشلوا فى الوصول إلى حقيقة تحفظ للإنسان كرامته.. لقد انتهت اشتراكية السوفيت لأنها لم تحقق العدالة الحقيقية التى حملتها الأفكار والنظريات وانفردت الرأسمالية الآن بالشعوب وازدادت توحشا فهل تكون النتيجة واحدة فى آخر المطاف.. إن السترات الصفراء التى تطوف الآن أكثر من دولة أوروبية لا تتحدى الحكومة الفرنسية ولكنها تتحدى الفقر الذى حملته الرأسمالية المتوحشة وما يحدث فى باريس سوف ينتقل إلى عواصم أوروبية أخرى..
لقد أنتهى الصراع القديم بين الرأسمالية والاشتراكية وانتهت الحرب الباردة بين القطبين الكبيرين ودخل العالم فى صراع اكبر حول منظومة التقدم التى صنعتها التكنولوجيا الحديثة وهى الآن تتحكم فى مصير الشعوب وحيرتها بين الفقر والرخاء وإن كانت الرأسمالية هى الأكثر خطورة فى معارك التكنولوجيا..
لقد خاضت أوروبا حروبا كثيرة ومازالت حتى الآن تدخل فى صراعات استخدمت فيها القوة وأصبحت تجارة السلاح أكثر الصناعات انتشارا فى العالم وانتهى الحلم القديم فى حياة أكثر أمنا ورفاهية واستقرارا وخرجت السترات الصفراء تعلن احتجاجها على كل ما يجرى حولها أمام مجتمعات انقسمت على نفسها بين الفقر والغنى وأصبح من الضروري أن يفيق العالم ويبحث عن حل لهذا الكوارث وهو يواجه الإرهاب والفقر والحروب والبطالة..
لقد فشلت نظريات الاشتراكية باختلاف مدارسها فى تحقيق أحلام الشعوب فى عدالة حقيقية توفر للإنسان حياة كريمة فى العمل والسكن والعلاج والأمن وفشلت مدارس الرأسمالية التى قامت على عبادة رأس المال واستغلت كل مصادر الثروة من أجل تحقيق مصالحها، والآن تقف الشعوب أمام حكامها وتطالب بما يضمن للإنسان كامل حقوقه فى ثروة وطنه أمام مجتمعات مستغلة أطاحت بكل أحلام الرخاء التى صنعتها الشعوب بالعمل والدم والكفاح..
إن العالم الآن لم يعد تشغله قضايا الفكر ولكن المستقبل تحكمه رؤى وأفكار جديدة من يملك أسرار أسطورة العصر وهى التكنولوجيا التى أصبحت بديلا لكل ما عاشه الإنسان من الأفكار..
حين تغيب العدالة فى دنيا البشر وتتحكم قلة من الناس فى مصير ومستقبل حياة الملايين من هنا لا بد من وقفة حاسمة مع واقع إنسانى وصل إلى أسوأ حالاته فى التعامل مع البشر.. ماذا اخذ العالم من الصراعات والمعارك غير هذه الصورة القاتمة التى اجتاحت بالأمس أجمل عواصم الدنيا.. انها العدالة الغائبة فى كل مكان وهى للأسف الشديد لن تقتصر على مكان واحد.. إذا كانت الاشتراكية قد فشلت فى إنقاذ البشرية من الفقر فإن الرأسمالية المتوحشة قد زادت الشعوب فقرا..

ويبقى الشعر

وَكانتْ بيْننا ليْلةْ
نثرْنا الحبَّ فوقَ ربُوعهَا العَذراءِ فانتفضتْ
وصَارَ الكونُ بستَاناً
وفوقَ تلالها الخضْراءِ
كم سكرت حَنَايانَا
فلم نعرفْ لنا اسمًا
ولا وَطنًا وعُنوانَا
وكانتْ بيننَا ليْلْة
سَبْحتُ العُمرَ بينَ مياههَا الزرقَاءِ
ثم َّرَجعتُ ظمآنا
وكنتُ أراكِ يا قدرِي
مَلاكاً ضلَ مَوطنَه
وعاشَ الحبَّ انسَانَا
وكنتُ الرَّاهبَ المسجُونَ في عَيْنيكِ
عاشَ الحبَّ مَعصيةً
وذاقَ الشوقَ غُفرانَا
وكنتُ امُوتُ في عينيك
ثمَّ اعُود يَبْعثُني
لَهيبُ العطرِ بُركانَا
وكانتْ بيننَا ليلةْ
وَكانَ المْوجُ فِي صَمْتٍ يُبعثرُنَا
علىَ الآفاق ِشُطآنَا
ووَجهُ الليلِ
فوقَ الغيمةِ البيْضاءِ يحمِلنا
فنبْني مِنْ تلال ِالضّوءِ أكْوانَا
وكانتْ فرحة ُالايامِ
في عينيكِ تنثُرنِى
على الطرقاتِ الحانَا
وَفوقَ ضِفافكِ الخضْراءِ
نامَ الدهرُ نشوَانَا
وأَقْسَمَ بعد طولِ الصَّدَّ
انْ يطوِي صَحائفنَا وَيَنسانَا
وكانَ العمرُ اغنية ً
ولحْنًا رائع َالنغمَاتِ
اطرَبنَا واشجَانَا
وكانتْ بيْننا ليلةْ
جلستُ أُراقِبُ اللحظَاتِ
فِي صمت ٍتودّعُنَا
ويجْري دمعُها المصْلوبُ
فوقَ العْين الوانَا
وكانتْ رِعشة ُالقنديلِ
في حُزن ٍتُراقبُنا
وتُخفِي الدمْعَ احيَانَا
وكانَ الليلُ كالقنَّاص يَرصدُنَا
ويسْخرُ منْ حكايانَا
و روّعنَا قِطارُ الفجْر
حينَ اطلَّ خلفَ الافْق سكْرانَا
تَرنحَ في مَضاجعِنا
فايقظنا وارّقنَا ونادانَا
وقدّمنا سنين العمرِ قُربَانا
وفاضَ الدَمعُ
في أعماقنا خوْفًا وأحزانا
ولمْ تشفعْ امام الدهِر شكْوانا
تَعانقنا وصوتُ الرّيح في فزعٍ يُزلزِلنا
ويُلقي في رماد الضوءِ
يا عمْري بقايانَا
وسَافرنَا
وظلتْ بيننَا ذكْري
نراهَا نجْمة ًبيضاء
تخُبو حينَ نذكُرهَا
وتهْربُ حينَ تلقانَا
تطُوف العمرَ في خَجلٍ
وتحْكي كلَّ ما كانَا
وكانتْ بيننَا ليلهْ


«قصيدة وَكانتْ بيْننا ليْلةْ سنة 1996»
لمزيد من مقالات يكتبها فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.