انتهت فترة التنبيه لخطورة ما سيحدث وما سيقع من أخطار على كل البشرية جراء استمرارنا فى إجهاد الطبيعة الطيبة السمحة التى قدمت لنا على طول التاريخ البشرى كل هذا الجمال والتنوع وتلك الامكانات والخيرات لنستمتع بها ونطورها لسعادتنا ورفاهيتنا. انتهت فترة الكتابة للشرح ومحاولة الإقناع والتنبيه من أجل اتخاذ الحذر. لقد وقع المحظور وبدأت الطبيعة تؤدبنا. وللأسف لن تفرق الآن بين مرتكبى الجريمة الضحية. كما انها لن تفرق بين من نبه وبين تعمد ألا يستمع إلى التنبيه مفضلا مكاسبه المالية. امام الطبيعة الغاضبة بتنا كلنا سواء، لا فرق بين شمالى وجنوبي، أو بين شرقى وغربي، او بين من استغل من وقع تحت الاستغلال. آن أوان الإفاقة والعمل المشترك على كل المستويات. جاء أوان العمل المشترك بين الحكومات، إذا تحدثنا على المستوى العالمي، وكذلك بين الحكومات والشعوب إذا تحدثنا عن العمل داخل كل وطن على حدة. فى الماضى القريب انقسم الرأى العام حول الأصل فى حدوث وتسارع هذا التغير. أعاده البعض إلى الطبيعة وبالتالى أعفى الإنسان من العمل لمواجهة أخطار التغيير «ولا يزال الرئيس ترامب يتمسك بهذا الرأى إرضاء للمالكين والعاملين فى مناجم الفحم وكذلك لملاك الصناعات التى لا تزال تستخدم الفحم كوقود». بينما تبنى البعض الآخر، وغالبيتهم من العلماء ان التغير الحادث فى الطبيعة وفى التغير المناخى هو نتيجة لسوء استخدام الإنسان عناصر الطبيعة. أى أن الإنسان يستطيع التغلب على الأخطار اذا ما انتهج سياسة تقلل من سوء استخدام عناصر الطبيعة. لقد دقت حرائق كاليفورنيا فى الولاياتالمتحدةالامريكية ناقوس الخطر، وأعلن علماؤها وسياسيوها المحليون ان هذه الحرئق التى استمرت شهرا ونصف الشهر وكانت غير المعتادة، والتى كانت عصية على آلاف من عمال الحرائق المدربين، باتت الآن من الحوادث التى سيعتاد سكان الولاية عليها وعلى تكرارها المتقارب زمنيا. كما عكست تلك الاعاصير القوية التى تضرب بلدان جنوب شرق آسيا صدى أجراس الخطر. واضافت الفيضانات التى جرفت قرى أوروبية ظواهر جديدة على الأحداث التى وقعت فى مناطق آسيا والولاياتالمتحدة. اذن لقد بدأت الطبيعة تكشر عن أنيابها ولن نستطيع الفكاك من آثارها الا إذا بدأنا الحذر والعمل معا، الآن وقبل الغد. وبوصلتنا فى عملنا لابد ان تهتدى أولا بكل تلك الأدبيات الكثيرة الصادرة عن منظمة الأممالمتحدة «مؤتمر الارض فى ريودى جانيرو عام 1992 وملحقاته»، ثم تلك الأدبيات التى تم الاتفاق عليها فى اتفاق باريس الخاص بالمناخ عام 2015 « والذى كانت الولاياتالمتحدة أخر المنضمين له اثناء ولاية الرئيس اوباما والذى يريد الرئيس ترامب الخروج منه» ثم ثالثا، والمهم لنا، لابد ان تهتدى بوصلتنا بكل الأدبيات، وما أكثرها، التى صدرت من خبرائنا وعلمائنا المصريين على طول التاريخ القريب منذ أن بدأ التنبيه إلى أهمية العناية بعناصر الطبيعة السمحة وعدم الإساءة إليها فى استخداماتنا وتعاملنا معها لتجنب اخطار غضبها علينا. لابد أن يكون شعارنا أن الطبيعة السمحة ليست ملكا لجيل إنسانى واحد، وإنما هى ملك لكل الأجيال كما انها ليست ملكا لشعب واحد، انما ملك لكل الشعوب وانها أمانة تسلمناها من آبائنا واجدادنا. بالنسبة لنا فإن المهام الملقاة علينا كبيرة لأننا دولة إفريقية ذات موقع خاص ستزداد أهميته إذا وصل غضب الطبيعة إلى منتهاه. بجانب ان مصر تقع على بحرين معرضين لارتفاع مياههما والتأثير على الأراضى المطلة عليهما. وهو موقع يضع بلادنا على الطريق من إفريقيا الى الشمال الاوروبي. بالإضافة إلى أننا، كشعب، نتركز فى رقعة ضيقة من مساحة بلادنا. تستمر هذه الرقعة معرضة للأخطار على مستويات الأرض والبشر والاقتصاد. فالتقارير والدراسات المعنية بالتغير المناخى وتأثيراته على المواقع الجغرافية ترشح القارة الإفريقية لأن تكون القارة التى سترتفع بها درجات الحرارة لدرجة تدفع السكان إلى النزوح إلى الشمال. وفى هذه الحالة ستكون مصر إما معبرا أو ملجأ. لذا وجب التعاون مع الآخرين المجاورين من كل الاتجاهات لوضع الحلول لهذه الحالة المستقبلية. هذا من ناحية الجغرافيا، أما كوطن ومواطنين فإننا معرضون للعديد من الاخطار الأخرى الكبيرة التى لابد من الإعداد لمواجهتها قبل فوات الأوان. منذ فترة ينبه العلماء الى الاخطار التى تهدد الدلتا المصرية من جراء التغير المناخى وارتفاع مناسيب البحار. وتكمن الخطورة فى تآكل سواحلها وتسرب المياه المالحة الى تربتها ثم اضطرار سكانها، او على الاقل سكانها القاطنون فى محافظات الشمال، الى النزوح الى الجنوب الضيق المأهول بالسكان. فى حالة حدوث ما هو متوقع فإننا سنخسر أحد أهم اصول انتاجنا الزراعى الذى استمر ينمو ويزداد خصوبة منذ فجر التاريخ. فالدلتا المصرية هى المصدر الاساسى للزراعة التقليدية التى تملأ مائدة المصريين، ومن هنا تأتى أهميتها وكذلك أهمية مناقشة مستقبلها فى إطار كل تلك الأحداث الرهيبة التى توقعتها كل الدراسات الجادة ولكنها تتحقق الواحدة بعد الاخرى وسوف يتحقق الكثير منها وربما الأكثر شراسة. بجانب العمل على الحفاظ على الدلتا فإن الوقت المتبقى لنا يسمح بأن نعيد النظر فى سياساتنا المحصولية والزراعية فى البلاد. فالتغير الحرارى كفيل بالتأثير على نوعية المحاصيل الزراعية التى كنا نزرعها لملاءمتها لمناخنا قبل ان يتغير المناخ. كما انه سيؤثر على الثروة الحيوانية التى نمت فى مواءمة مع مناخنا ومع المحاصيل الزراعية التى نزرعها لنقتات عليها. وهى أمور يستطيع العلماء الزراعيون الذين درسوها وكتبوا فيها مساعدتنا فى معالجتها وايجاد البدائل التى تمكننا من التغلب على بعض هذه الاخطار إن لم نستطع التغلب عليها كلها. ولا ننفرد فى بلادنا دون كل الدول فى هذه المحاولات. لقد قررت فرنسا على سبيل المثال إغلاق كل مناجم الفحم لديها حتى عام 2022 مساهمة منها فى علاج التغير المناخى واخطاره. لمزيد من مقالات أمينة شفيق