مازالت ردود الأفعال تتوالى حول قرار السماح لبعض شركات الأسمنت باستيراد واستخدام الفحم كوقود لدوران عجلة الإنتاج فيها بدءا من سبتمبر المقبل حيث تتراوح مابين فريق مؤيد يضم مجموعة شركات الأسمنت نفسها وفريق آخر يعارض تماما مجرد طرح الفكرة وليس تطبيقها ويضم اعضاء من الحكومة والمجتمع المدنى وعشاق الطبيعة والباحثين عن الجمال فى أعماق وشواطيء البحر الأحمر والمدافعين عن البيئة المصرية بوجه عام ويعد موقف وزيرة البيئة ليلى اسكندر الأبرز فى جبهة الرفض وحول أبرز مبررات الرفض كان هذا الحوار مع الدكتور مصطفى حسين كامل وزير البيئة السابق- ورئيس مركز بازل الإقليمى للمخلفات الخطرة بالقاهرة فى البداية يقول د. كامل هناك اتفاقيات دولية خاصة بالتغيرات المناخية والحد من غازات الاحتباس الحرارى مثل اتفاقية ريودي جانيرو بالبرازيل 2012 التى تمخضت عنها قرارات 2020والخاصة بتقليل الانبعاثات بنسب تنخفض معها درجة حرارة الأرض ثلاث درجات مئوية، وكذلك مؤتمر تغير المناخ بالدوحة 2012 أيضاٍ، ومصر وقعت على الاتفاقية والمفروض أن تلتزم بها من حيث الحد من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، والفحم يمثل أخطر مصادر انبعاثات هذا الغاز، كما أنه من أشرس مسببات الأمراض الخطيرة للإنسان عن طريق استنشاق غبار وأتربة الفحم وماينتج عن حرقه من جسيمات متناهية الصغر تخترق جدار الرئتين وتتسبب فى تصلب الشرايين والأورام السرطانية، هذا بخلاف العناصر الثقيلة الأخرى كالزئبق والرصاص والزرنيخ وتكفى أسماء تلك العناصر وبدون تعليق وللآن لاتوجد تكنولوجيا فعالة للحد من التقليل من ثانى أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الفحم، فكيف نقبل فى مصر على استخدامه؟ حول استخدام الدول الأجنبية للفحم كطاقة فى تصنيع الأسمنت أجاب الوزير السابق: هذه الدول لديها الفحم على أراضيها ولديها تكنولوجيات غاية فى التطور، كما أنها تعيش حالة استقرار سياسى واقتصادى واجتماعى ولاتعانى الفقر وجميع أفراد الشعب عندهم مؤمن عليهم تأمينا صحيا محترما، كما أنهم ملتزمون بتخفيض الانبعاثات، ونحن فى مصر لانمتلك الفحم على أراضينا لذا سيتم استيراده حتما من الخارج، وهذا الاستيراد فى حد ذاته مشكلة المشاكل بل كارثة الكوارث البيئية، وإن حدث فسوف ندفع فاتورة باهظة حول الجدوى الاقتصادية لأزمة الفحم يقول الدكتور مصطفى حسين كامل: إذا كانت شركات الأسمنت تضع فى حسبانها ان ثمن طن الفحم سيكلفها أربعة دولارات فقط فإن الأخطار الصحية والبيئية تبلغ آلاف المليارات من الدولارات معظم تلك المصانع مملوكة لشركات أجنبية ولايهمها سوى ماتجنيه من أرباح هائلة لأنها أيضا تحصل على الخامات والمحاجر ومياه النيل مجانا، ولو كانت لايشغلها سوى الأرباح فقط لفكرت فى استغلال مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة التى تمتليء بها مصر مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتكنولوجياتها متوافرة وتقل أسعارها باضطراد كلما زاد الأقبال عليها أو تستغل المخلفات الزراعية مثل قش الأرز والتى تبلغ أكثر من مليون طن، أما الإصرار على الفحم ووجود مساندة حكومية لذلك فأمر فى منتهى الغرابة، ولاندرى لماذا الإصرار من حكومة مؤقتة على اتخاذ قرار مصيرى وسيادى وإلزام الوطن بإجراء مدمر كهذا، ثم نعود للدخول فى صراعات وتحكيم دولى كعادة تلك الشركات دائما فهو الأسوأ، ومن هنا نطلب وفورا تأجيل النظر فى ذلك لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومناقشة الموضوع من خلال حوار مجتمعى شامل لبلورة رأى عام يجمع آراء العلماء والخبراء والمجتمع المدنى والصحة والبيئة وبالتفصيل يفند وزير البيئة السابق مخاطر استخدام الفحم فيقول : نظرا لعدم وجود الفحم بباطن أرض مصر سيتم استيراده حتما من الخارج، والاستيراد سيكون محصورا مابين شواطيء البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، أى أن الاستيراد سيكون إما بشواطيء المتوسط المكتظة بالسكان أو الواعدة بالتنمية مستقبلا، أو شواطيء البحر الأحمر وبالتالى تهديد حدائق الشعاب الشاطئية مثل تلك الأنشطة المدمرة. ويضيف الدكتور مصطفى حسين: ولأن الفحم يتطلب إقامة موانيء جديدة خاصة به تستقبل سفنا العملاقة والتى تنقل بدورها بواسطة شاحنات عملاقة ايضا فذلك ان تتخيل مايتطاير من تراب الفحم بداية من التفريغ بالموانيء ومرورا بالتحميل على الشاحنات ثم على الطريق وصولا للمصنع ومن ناحية أخرى فالطرق فى مصر منهكة ولاتتحمل مثل هذا الضغط، وثمة سؤال آخر يفرض نفسه هل تملك تلك المصانع مخازن تتسع لتلك الكميات؟ وهل لديها استعدادات وقائية للتعامل معه اثناء التفريغ؟ وهل تمتلك التكنولوجيات الحديثة لاستخدام الفحم كوقود؟ ويختتم الدكتور مصطفى حسين قائلا: لدينا فى مصر 18 مصنعا للأسمنت وآلاف من مصانع الطوب والسيراميك والأسمدة والبتروكيماويات كلها ستبحث عن الوقود الرخيص الذى يبلغ ثمن الطن منه أربعة دولارات وهو سعر زهيد للغاية يضاعف من أرباحها التى تزيد برفعها للأسعار يوما بعد يوم، ولن يبحث احد عن فاتورة السياحة التى ستدمر وصحة المواطنين التى ستسحق والطرق التى ستنسف والتنمية التى ستتوقف وهى خسائر تبلغ آلاف المليارات من الدولارات يدفعها الوطن والمواطن المثرب لأجل عيون المستثمرين وأغلبهم من الأجانب الذين يعلمون جيدا أنهم لايستطيعون فى تنفيذ ذلك ببلادهم.