وكأن صناعة السياحة والطيران ايضا.. ناقصة ازمات في السنوات الأخيرة.. وبداية نقول أنه بالنسبة لحركة الطيران المدني في العالم وبصفة خاصة في أوروبا, سيدخل يوم الأربعاء الماضي14 أبريل باعتباره يعادل11 سبتمبر2001, عندما تعرضت نيويورك وواشنطن لهجمات إرهابية تغير العالم والولاياتالمتحدة تحديدا علي اثرها. وقد أدت ثورة بركان أيسلندا في ذلك اليوم إلي حالة غير مسبوقة من الفوضي والأخطاء التي عاني منها الجميع خاصة المسافرين الذين لاذنب لهم سوي ان حظهم العاثر جعلهم يسافرون أو يغادرون في الأيام التي تلت اندلاع البركان. وحسب منظمة السياحة العالمية, فإن البركان تسبب في إلغاء63 ألف رحلة من وإلي أوروبا خلال3 أيام فقط( من15 إلي18 أبريل), ومن المتوقع ان تتواصل عمليات الإلغاء وإن بوتيرة أقل ولكن الإلغاء حسب الخبراء سوف يستمر إلي مدي غير معلوم. ويقول الخبراء إن ضحايا هذا البركان هم المسافرون وشركات الطيران خاصة الأوروبية منها والتي تكبدت ومازالت خسائر هائلة وصلت إلي200 مليون دولار في اليوم.. ولأن رابطة الطيران المدني الدولية هي لسان حال شركات الطيران في العالم فقد سارعت إلي التنديد بقوة بأسلوب معالجة الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي للازمة والإسراع بإغلاق المطارات الجوية دون دراسة أو تشاور. الرابطة أصدرت الاثنين الماضي بيانا شديد اللهجة انتقدت فيه الحكومات الأوروبية, وقالت ان هذه الحكومات افتقدت مقومات القيادة عند تعاملها مع الأزمة وبصفة خاصة قرارها بفرض قيود صارمة علي حركة الطيران المدني عقب اندلاع ثورة البركان, وحثت الرابطة هذه الحكومات علي إعادة النظر في قرارها. وقال جيوفاني بيسيجناني مدير عام الاياتا: اننا نعبر عن عدم رضانا علي أسلوب معالجة الحكومات للازمة, مشيرا الي أنه لم يحدث تقييم للمخاطر, ولم تحدث استشارات أو اتصالات أو عمليات تنسيق, بل إنه قال إن هذه الحكومات لم تظهر دلائل علي انها جديرة بالقيادة, وأوضح ان الأزمة تكلف شركات الطيران200 مليون دولار علي الأقل في اليوم الواحد, كما أن الاقتصاديات الأوروبية ستتكبد خسائر بمليارات الدولارات بسببها. وأكد مدير عام الاياتا ان اغلاق المطارات بهذا الشكل شبه الجماعي أمر غير مسبوق في أوروبا مشيرا إلي أن العالم شهد اندلاع ثورات بركانية في عديد من المناطق لكن كان من النادر اغلاق المجالات الجوية أمام حركة الطيران بمثل هذا النطاق. وقال انه عندما اندلع بركان جبل سانت هيلينز في أمريكا عام1980 لم تحدث اضطرابات في المجال الجوي ولم يحدث إغلاق شامل للمطارات لأن الولاياتالمتحدة أدارت الأزمة بشكل علمي وقيمت المخاطر بهدوء. أما منظمة السياحة العالمية التي استشعرت مدي الخطر الذي يهدد صناعة السياحة والسفر في العالم بسبب الأزمة, فانها حثت كل الاطراف خاصة صناعة السياحة سواء القيادات الحكومية أو القطاع الخاص بالعمل علي تحمل المسئولية والاهتمام أولا وقبل كل شيء بالمسافرين وجعلهم الأولوية الأولي. كما طالبت في بيان عاجل لها بالتعاون الوثيق من أجل التخلص من التأثيرات السلبية الراهنة علي المسافرين وضرورة احترام حقوقهم. وأشار البيان الي أنه من الضروري ان تعمل المفوضية الأوروبية علي ضمان حصول المسافرين في أوروبا علي حقوقهم وفي مقدمتها الحق في تلقي المعلومات من شركات الطيران حول الموقف أولا بأول وعمليات الإلغاء ومدد التأخير وكذلك الحق في تقديم الرعاية لهم من خلال حصولهم علي الوجبات والإقامة بشكل مناسب, وأوضح البيان أن من حقوق المسافرين أيضا اعادة سعر التذاكر اليهم أوتحويل رحلات إلي خطوط أخري. وقالت منظمة السياحة إنه بالنظر إلي أهمية السياحة القادمة عن طريق الجو من وإلي أوروبا, فإن الأزمة الراهنة سيكون لها تأثيرات سلبية اقتصاديا. وأشارت إلي أن أوروبا تستقبل كل عام240 مليون سائح عن طريق الجو أي نحو700 ألف شخص في اليوم الواحد, الأمر الذي يدر دخلا قدره نحو200 مليار دولار. ومن خلال متابعة التقارير اليومية, ومن خلال ما نشر من معلومات عن حجم ومدي تأثير هذه السحب الرمادية وإجراءات مواجهتها من أجل تحقيق سلامة النقل الجوي, يمكن طرح عدد من الأسئلة التي تتردد كثيرا حول هذا الموضوع, وتقديم إجابات بشأنها من أجل توضيح بعض الحقائق والمعلومات حول هذه الأزمة, وذلك علي النحو التالي: 1 هل حدثت هذه الأزمة من قبل عند اندلاع براكين سابقة؟ حدثت هذه الأزمة, لكن في عصور ما قبل اكتشاف الطيران, ففي عام1781 اندلعت ثورة بركان لاكي في ايسلندا أيضا, مما أدي إلي انطلاق سحابة من الغبار والغازات الكبريتية في أنحاء أوروبا في معظم أيام صيف ذلك العام وحتي عام1784, مما تسبب في ارتفاع درجة الحرارة في أثناء فصل الصيف وتلوث الهواء, الأمر الذي زاد من معدل الوفيات في عدة دول. 2 وهل حدثت هذه المشكلة في عصور حديثة بعد تكاثر استخدام الطائرات؟ نعم.. لكنها حدثت في مناطق تتسم بضعف كثافة حركة النقل الجوي بها مثل ألاسكا وكامتشاكا في روسيا, وقرب إندونيسيا وغيرها, وهذه هي المرة الأولي التي تحدث فيها مثل هذه المشكلة في منطقة مزدحمة بحركة النقل الجوي مثل قارة أوروبا. 3 هل لموقع ايسلندا تأثير معين علي تفاقم تأثير أزمة البركان علي حركة النقل الجوي؟ بالتأكيد.. لأن ايسلندا تقع علي واحد من الممرات الجوية الرئيسية بين أوروبا والولاياتالمتحدة, وهو ما يعني التأثير أيضا علي حركة الرحلات الجوية بين الأمريكتين وآسيا التي يمر معظمها عبر أوروبا. 4 كيف تأثرت حركة النقل الجوي في أوروبا بفعل ثورة البركان؟ بدأت المشكلة بثورة بركان في منطقة أيافيالايوكول بايسلندا, ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي يثور فيها هذا البركان, إذ سبق له أن ثار في منطقة قريبة الشهر الماضي, لكن ثورته هذه المرة وصفت بأنها أقوي بمقدار عشر مرات علي الأقل من الثورة السابقة, وهو ما تسبب في إطلاق سحب من الغبار وإحداث فيضان هائل خلف أضرارا كبيرة, وشرد مئات الأشخاص, وبعد ذلك انتشرت السحب الناجمة عن الرماد البركاني من ايسلندا تدريجيا لتتحرك جنوبا نحو أوروبا, وكان ارتفاعها نحو18 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر, وهو ما أثر علي حركة الطيران في منطقة غرب ووسط أوروبا والدول الاسكندنافية, ووصلت السحب إلي منطقة البحر المتوسط. 5 ولماذا تقرر وقف رحلات جوية وإغلاق المجال الجوي في بعض الدول؟ لأن هناك تأثيرات علي الرؤية بالنسبة للهبوط والإقلاع في المطارات, فضلا عما ذكره العلماء من أن هذه السحب الرمادية لها تأثير سلبي من الناحية التقنية أيضا علي كفاءة محركات الطائرات. 6 متي يمكن القول إنه لا يوجد خوف علي حركة الطائرات؟ هذا يتوقف علي ارتفاع السحب الرمادية الناجمة عن البركان, فإذا كانت في ارتفاع يصل إلي عشرة كيلومترات, فإن هذا يعني أن المشكلة ستظل قائمة, بينما إذا انخفض ارتفاع هذه السحب إلي ثلاثة كيلومترات مثلا, فهذا معناه أنه لا خوف علي حركة الطيران, كما أن بعض شركات الطيران أجرت تجارب ناجحة علي التحليق في وجود السحب المرتفعة ولم تسفر عن مشكلات فورية. 7 هل هناك تأثيرات أخري لثورة البركان بصفة عامة علي حياة المواطنين بخلاف مشكلة النقل الجوي؟ بالتأكيد.. بدليل أن منظمة الصحة العالمية والإدارات الصحية في الدول الأوروبية المتضررة وجهت نصائح إلي مواطنيها بضرورة ارتداء الكمامات الواقية في حالة شعورهم بأثر هذه السحب في الأجواء, وحذرت من خطورة هذه السحب علي إصابة البعض بالتهابات في الأعين, أو أمراض الحساسية الجلدية وغيرها, لكن التأثير لم يكن كبيرا أو خطيرا علي أي حال. 8 هل تم رصد أي حالات مرضية مثلا بسبب هذه السحب في أي دولة أوروبية أو غيرها؟ لا.. لم يتم رصد حالات مرضية خطيرة, ولكن التحذيرات كانت تطالب المواطنين في أوروبا, خاصة في انجلترا واسكتلندا وايرلندا بضرورة لزوم المنازل فور الإحساس بأن الجو ملبد بأجواء غير طبيعية, أو في حالة الشعور بأي أعراض مثل الاختناق أو الالتهابات الجلدية. 9 بعد أن هدأت حدة السحب الرمادية.. هل هذا معناه أن المشكلة قد انتهت؟ لا.. فهدوء ثورة البركان أمر يصعب التكهن به, ويكفي القول إن ثورة سابقة للبركان نفسه استمرت لأكثر من عام, أما موضوع السحب الرمادية التي استمرت قرابة خمسة أيام, فهو أمر يتوقف بشكل أساسي علي مواصلة ثورة البركان ودور الرياح في دفع هذه السحب داخل أوروبا أو خارجها, بدليل أن البروفيسور بيل ماجواير من مركز أبحاث المواد الخطيرة في أيو بينفيلد ذكر في تصريح نقلته وكالة رويترز للأنباء أنه برغم انتهاء الجزء السيئ من الأزمة الأخيرة, فإنه إذا استمر انبعاث الغبار فمن الممكن أن نري اضطرابا في رحلات الطيران علي مدي الأشهر الستة المقبلة. 10 هل هذا معناه أن السحب الرمادية يمكن أن تعود وتختفي بشكل متكرر؟ نعم.. ومعظم الخبراء يعتبرون أن أقرب السيناريوهات ترجيحا هو أن تتباين قوة ثورة البركان, مما يسبب تهديدات من وقت لآخر لحركة الطيران في أوروبا, لكن هذا لا يمكن التنبؤ به في الوقت الحالي بدقة. [email protected] المزيد من مقالات مصطفى النجار