السلطة والجنس مزيج شديد الانفجار.. لذلك طالما أحدثت الفضائح الجنسية للرؤساء والمسئولين البارزين دويا هائلا وحظيت باهتمام واسع ليس فقط فى الدولة المعنية ولكن فى جميع أرجاء الكرة الأرضية .وعلى عكس الفضائح السياسية أو المالية تبقى تفاصيل الفضائح الجنسية عالقة بالأذهان ولسنوات طويلة ربما لأنها مثيرة وممتعة أكثر أو لارتباطها بغريزة أصيلة فى الإنسان أو لأنها تمنح المواطن العادى «شعورا وهميا بالتفوق ولو لوقت محدود» على المسئول «الكبير» الذى استسلم لضعفه. ومن أشهر الفضائح الجنسية فى تاريخنا المعاصر فضيحة «مونيكا جيت» لدرجة أن كثيرين يرون أن «بقعة الفستان الأزرق» هى أهم مايتذكره الناس عن فترتى رئاسة بيل كلينتون- رغم تعدد انجازاته خاصة على الصعيد الاقتصادى- كما جعلت مونيكا لوينسكى اسما لا ينسى حول العالم وتحاول هى الاستفادة من تلك الشهرة «الدائمة» بين الحين والآخر.ليس هذا فقط بل إن فضيحة «مونيكا جيت» أصبحت مرجعا، كثيرا ما تتم الإشارة إليها والقياس عليها كلما تفجرت فضيحة جنسية حتى لو فى القارة القطبية! ولهذا لم يكن غريبا أن يستدعى كثيرون فضيحة «مونيكا جيت» مع كشف ستورمى دانيلز، ممثلة إباحية أمريكية ،عن تورط الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب فى علاقة معها عام 2006 أى قبل عشر سنوات من توليه الرئاسة الأمريكية وأن محامى ترامب قد عقد معها اتفاقا خلال حملة ترامب للرئاسة فى 2016 ودفع لها 130 ألف دولار مقابل سكوتها. وتماما مثل كلينتون نفى ترامب الأمر وأكد أنها محض ادعاءات، وبالتالى لم تعد القضية مسألة وجود علاقة أم لا بل أصبح السؤال الأهم هل يكذب الرئيس؟ وهو ذنب أكبر وأخطر حيث انه له انسحاب على الأداء السياسى بوجه عام. صحيح أن تورط ترامب فى العلاقة جاء قبل أن يصبح رئيسا ،على عكس كلينتون الذى كان رئيسا بالفعل، إلا أن صفقة اسكات دانيلز تمت وهو يخوض سباق الرئاسة واذا ما ثبت أن المبلغ المدفوع جاء من أموال تمويل الحملة فذلك يعد خرقا للقانون الفيدرالى. ورغم أوجه التشابه التى قد يراها البعض فى الفضيحيتين، فالاختلافات أكثر سواء الفارق فى الشخصيات بين كلينتون وترامب ولوينسكى ودانيلز ،أو الفارق فى الزمن الذى تفجرت فيه الفضيحتان وكيفية تعاطى المجتمع معهما. وعلى عكس كلينتون, فإن ترامب معروف بتعدد علاقاته بل استخفافه بالنساء وسخريته منهن حتى من زوجته وابنته وبالتالى فإن تورطه فى فضيحة جنسية لم يكن صادما. لوينسكى، وقت تورطها مع كلينتون، كانت مجرد متدربة فى البيت الأبيض لم تحدد طريقها بعد وليس لديها وظيفة محددة وربما انبهرت بالهالة التى تحيط بالرئيس الأمريكى (هذا اذا استبعدنا عنصر الانتهازية من الصورة) أما دانيلز فكانت ممثلة تجيد تلك المهارات وأرادت الاستفادة من رجل الأعمال المشهور الذى يظهر على شاشات التليفزيون فى برنامج «المتدرب». انزوت لوينسكى بعد تفجر الفضيحة وابتعدت عن الأنظار لسنوات طويلة إلى أن كتبت مقالا فى مجلة «فانيتى فير» فى 2014 تحت عنوان «العار والنجاة» اعترفت فيه بمعاناتها فى الحصول على وظائف بعد الفضيحة وبخضوعها للعلاج النفسى. أما دانيلز ونظرا لخبرتها الطويلة فى التعامل مع الشتائم والانتقادات اللاذعة والافتراءات أصبح «جلدها سميكا» كما يقولون. وبالتالى تتعامل مع فضيحتها مع ترامب بما يمكن وصفه بمزيج من «البجاحة» و شالهجوم المضاد» . وتقول هيندا ماندل، الباحثة بمعهد «روشستر» للتكنولوجيا ومؤلفة كتاب «الفضائح الجنسية والنوع والنفوذ فى السياسة الأمريكية المعاصرة»، أن دانيلز تعيد صياغة المتعارف عليه فى الفضائح الجنسية بمعنى أنها لا تشعر بالخجل وهناك قدر من القوة فى ذلك.. وفى عصر مواقع التواصل الاجتماعى وحملة «مى تو» (أنا أيضا)، التى شجعت النساء على رفض الاستسلام لدور الضحية ورفع أصواتهن، لم يعد هناك مجال للشعور بالخزى أو الصمت على الانتهاكات التى ترتكب فى حقهن. كما احدثت الحملة تغييرا فى نظرة المجتمع للمرأة المتحرش بها والتعاطى معها وخلقت فى كثير من الأحيان تعاطفا معها خاصة بين صفوف البنات والسيدات. ورغم أن دانيلز أصرت على تأكيد أن قصتها لا تنتمى لقصص «أنا أيضا» وأنها ليست ضحية وكانت مدركة تماما لما تقوم به، يرى البعض أنها خدمت أحد أهداف حملة «أنا أيضا» الأساسية وهو «جدارة النساء كرواة موثوق بهن فى قضايا التحرش». وانطلاقا من ادراكها للتغييرات التى حدثت فى المجتمع بدأت لوينسكى،التى وصفت نفسها ذات يوم ب «أول شخص يذله الانترنت عالميا»، استغلالها لمصلحتها حيث كثيرا ما تعبر عن آرائها عبر تويتر وأصبحت ناشطة فى مجال مكافحة التنمر ولم تعد تخجل من ذكر ماضيها. المثير للدهشة أكثر أن الأجيال الجديدة تتعاطف مع لوينسكى وترى أنها كانت «ضحية لسوء السلوك فى مكان العمل» بل كتبت احدى المغردات على تويتر، فى تغريدة نقلها موقع بى بى سى، «معظم نساء الألفية الجديدة ينظرن إلى لوينسكى بوصفها بطلة للحركة النسائية ويزعجنى كيف تم التعامل معها قبل عشرين عاما وشتمها والتنمرعليها»!.. مثل تلك التغريدات تجسد حجم التغيير فى نظرة المجتمع الأمريكى للمرأة المتورطة مع مسئول سياسى فى فضيحة جنسية وتتساءل الباحثة هيندا ماندل كيف ستكون نظرة المجتمع اذا ما كان الوضع بالعكس وكان المسئول السياسى سيدة والضحية رجلا؟