{{ تغير البث التليفزيوني المرئي كثيرا بعد أن أصبح دوليا يتجاوز حدود الدول, سواء أكان رسميا تقدمه الحكومات من قنوات أرضية وفضائية, أو قنوات خاصة مستقلة تبثها رءوس أموال لأصحاب مشروعات استثمارية وشركات. لقد تقلصت البرامج المفيدة التي كانت تقدمها القنوات الأرضية لتوعية المواطنين وتنويرهم, فقبل أن يبدأ البث الفضائي أو بتعبير أدق, قبل أن نعرف هذا البث في مصر, كان التليفزيون الوطني يقدم إرسالا ملتزما يحرص فيه علي أن يضيف للمواطنين ما يحقق لهم تنمية ذواتهم وإعلامهم بما يجري في الدنيا وفي بلدهم, لم يكن التليفزيون للترفيه فقط ولكن كان يحرص علي تقديم نوعيات عديدة من البرامج, منها ما هو خاص بالشباب والعمال والفلاحين وأخري للمرأة, سواء أكانت عاملة أو ربة بيت, مع برامج صحية وتعليمية وتثقيفية وبرامج للأطفال ترفه عنهم, ولكنها تراعي الجوانب التعليمية والصحية, وكان الشعار الذي تجري مراعاته دائما هو أن التليفزيون يدخل البيوت دون استئذان, وأن مشاهديه من الأطفال وكبار السن والسيدات وأنهم من نوعيات وفئات مختلفة, لذلك فما يقدمه يجب ألا يصدم أو يحرج أو يتجاوز حدود الأدب وقيم المجتمع, وبذلك قام التليفزيون خلال أكثر من30 سنة بدور مهم مع الراديو الذي سبقه بأكثر من ربع قرن في تنوير المواطنين والاسهام في تعليمهم وترقية مداركهم, وكان للتليفزيون دور آخر في الحياة الفنية والثقافية المصرية, فقد أوجد نهضة فنية في ستينيات القرن الماضي بفرقه المسرحية العديدة التي أنشأها لتغطية بعض ساعات البث المرئي بالعروض الفنية, وبذلك أضاف ألوانا من الجمال والمتعة ولكن الراقية الي حياتنا, حيث دفع للفن بجيل جديد من الكتاب والفنانين والفنيين أصبحوا من مشاهير مبدعي العالم العربي واساتذة لاجيال من شباب الفنانين. لقد كان للتليفزيون فضل الاسهام في التوعية والتوجيه والتثقيف والتعليم منذ اليوم الأول لإرساله, وهو شيء يعرفه كهول وشيوخ اليوم الذين تفتحت مداركهم علي الحياة وهم يقرأون أن للشعب المصري أعداء ثلاثة هي الجهل والفقر والمرض, وقد عمل التليفزيون منذ اليوم الأول لإرساله منذ50 سنة محاربة هذه الآفات الثلاث ببرامجه وتمثيلياته ولقاءاته علي نفس الطريق الذي سار عليه الراديو الرسمي الذي بدأ ارساله عام1934 بعد نحو10 سنين من عمل الاذاعات الأهلية. إن الدور المهم للتليفزيون في تنمية وتطوير الإنسان والحياة المصرية عموما الي الأفضل أخذ يتراجع تدريجيا منذ بدأ البث الفضائي أواخر ثمانينيات القرن الماضي, ومع التطور في هذا البث عاما بعد آخر واستقبال كل نوعياته وانتشاره في المنطقة منذ أواخر القرن الماضي, فإن ذلك أدي الي حجب العديد من البرامج التي تستهدف التوعية والافادة وأصبح الترفيه والجري وراء الإثارة من أجل جذب المشاهدين هو هدف البث الفضائي وأصبح الرسمي منه بكل أسف ينافس القنوات الخاصة في المغالاة في الإثارة وكل نوعيات التهييج سواء بالحوارات الساخنة أو الثرثرة الفارغة, أو باللقطات المعبرة التي لم تدع جانبا من جوانب الحياة اجتماعيا ومأساويا إلا وتناولته لتلوث به الأخلاق وتوجع به القلوب, وكلها جوانب تتطلب وقفة بل وقفات حتي يصحح البث التليفزيوني نفسه ويعود ليحقق شيئا من الإفادة للناس, كما كان يحدث قبل البث الفضائي, نريد له أن تعود بحيث لا يصدم العين بقبح ولا الأذن بلفظ ناب, نريد أن يحدث هذا التغيير علي القنوات الأرضية والقنوات الفضائية المصرية الرسمية حتي يعود للتليفزيون مكانته التي افتقد الكثير منها بسبب الجري وراء منافسة بعض القنوات الفضائية العربية والمصرية الخاصة!