من الأدلة القوية على أننا نعيش فوضى من مغالطات تُروِّج بأن حرية التعبير مطلقة، وأنها ليس لها ضابط ولا رابط، وتزعم أى تدخل للتنظيم ووضع القواعد هو عدوان على حق أصيل من حقوق الإنسان..إلخ، إن العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، وهو من أقوى المواثيق الدولية الملزمة لأعضائه، وبعد أن يؤكد أهمية حرية التعبير، ينص فى المادة 19 على أنه يستتبع التمسك بالحقوق التى ينص عليها واجبات ومسئوليات خاصة، ويضيف أنه، وعلى ذلك، يجوز إخضاعها لبعض القيود شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية، وخصَّ تحديدا ضمان حقوق الآخرين أو سمعتهم، وحماية الأمن القومى والنظام العام والصحة العامة والآداب العامة. وأما فى الديمقراطيات الكبرى، فلا يجادل تيار، ممن يُعتَدّ بآرائهم، بأن يستنزف الرأى العام هناك فى أنه يمارس الحرية المصانة بالقانون وهو يسب الآخرين أو يقذف فى حقهم، أو أن يتبنى خطاب الكراهية أو الحضّ على العنف، بل إن المجتمعات التى تتسامح مع الدعارة تدين الدعاية لدعارة الأطفال..إلخ. وفى هذا السياق كان حكم محكمة حقوق الإنسان الأوروبية قبل 3 أسابيع، بتأكيد حكم بإدانة باحثة نمساوية تطاولت على الإسلام وعلى رموزه، رغم أن الواقعة كانت فى سياق محاضرات مغلقة، ولكن صحفيا نمساويا أثبتها ودفع بها إلى محكمة نمساوية أدانت الباحثة لأنها أساءت إلى مشاعر دينية لآخرين، ونصّ الحكم على أن كلام الباحثة يخرج عن مجال حرية التعبير ويدخل فى حدود ما يُجرِّمه القانون، وقضت عليها بغرامة أو بالحبس فى حالة عدم السداد، ولما ذهبت الباحثة للاستئناف رُفِض طلبُها، فلجأت إلى المحكمة الأوروبية فأيدت الحكم ضدها، وأشارت المحكمة إلى مخاطر استخدام حرية التعبير على هذا النحو. لذلك، ومع التقدير للقرار الأخير للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ضد الفضائيات الرياضية التى تشعل التعصب بالتطاول على الفرق المنافسة وعلى الحكام، فليت المجلس يعمم الفائدة باتخاذ موقف حاسم ضد من لا يزالون يكفرون المسيحيين، وأصحاب المذاهب الإسلامية التى لا يؤمنون بها، لننقذ البلاد من حرائق القرون الوسطى. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب