دائما ما يأتى بصيص الأمل من أرض الكنانة، ودائما ما كانت هذه الأرض صاحبة التوجه الإنسانى بين مختلف التوجهات السائدة والداعمة للذات والتى تهدر حق الآخر فى الوجود، فلا تزال مصر يتواصل تاريخها مع حاضرها فى إنسيابية وتلقائية انطلاقا وإيمانا برسالتها الحضارية التى لم تفرط فيها رغم التحولات والتغيرات والتناقضات الحادة الصارخة، فدائما ما كان التاريخ مرشدا أمينا لمسار الرؤية وموجها نحو إرادة الفعل الخلاق، ذلك الذى تجسد فى احتضان مؤتمر الشباب العالمى الثانى من أجل بلورة طابع حوارى إنسانى تندمج فيه الأفكار وتتقارب فيه النظريات وتذوب خلاله تلك الاختلافات فى الدين والثقافة والعرق والنوع. ذلك فى إطار محاوره عن السلام والابداع والتنمية. إن قراءة خرائط الواقع الانسانى تؤكد أن عالمنا المعاصر قد أصبح يعايش من المشكلات والتأزمات والصراعات والتهديدات الكارثية ما يتجاوز الإحصاء كما، وما يفوق الطلسمات كيفا، من ثم وقد أصبحت التحديات المستقبلية على صعيد السياسة والاقتصاد والاجتماع والبيئة والإستراتيجية تشكل منظومة يحال إقامة التوازن بين مفرداتها. لأن الجدلية الفكرية القائمة بين انطلاقة الحضارة الى آفاق غير مسبوقة لم تكن واردة حتى فى أحلام اليقظة وبين ما انبثق عن ذلك من معضلات تجوب أفق المستحيل ستظل تمثل بؤرة التحدى للأجيال. إن شباب العالم المحتشد الآن لابد له أن يقف على حقائق ودقائق القضايا المؤرقة وأن يستلهم ديناميكية جديدة تحركه وتدفعه نحو اختراق الظرفيات والمجهولات المتزايدة لحظة بعد أخرى ولن يكون ذلك إلا بتجديد الوعى الكونى والبحث عن الحل الإبداعى المرتكز على الأرضية المعرفية الداعية دوما إلى ترسيخ قيم ومثل رفيعة تستحث الشباب قبل غيرهم مرددة : «توحدوا على الفضيلة، انبذوا العنف، اجتثوا جذور الكراهية، تساموا على الخلافات، اجعلوا يقظة الضمير عنوانا للسلوك، اعتصموا بالثقافة، اجعلوا الصراع من أجل البقاء لا من أجل الفناء واعلموا أن الأصالة ليست وهما وأن المعاصرة والحداثة ليست ترفا، وليكن الحوار دائما هو الوسيلة والغاية فى آن، تجنبوا الأحادية المقيتة ولتكن الاستنارة رادعا لأطياف التخلف، اجعلوا من الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ملمحا حضاريا لا نظريات للاتجار السياسى والثقافى لتخلو حركة الواقع الإنسانى من قيم الاستحواذ والتسلط ورفض الآخر ولتكن الإرادة الواعية هى التى تسحق تشاؤم العقل». إن شباب العالم القادم من أرجاء القارات المترامية وان اختلفت قيمه ومبادؤه وأفكاره وأساليبه وفلسفته طبقا لاختلاف ثقافته ومرجعياته وخبراته الحياتية فإنه يتفق حول طبيعة معطيات القضايا الحيوية التى باتت تهدد الكوكب الأرضى باعتبارها تعد قاسما مشتركا له من الخطورة ما يستوقف الشعوب والأنظمة والأفراد أو هو بالفعل ملحمة تراجيدية مكتملة الأبعاد، ولعل فكرة النزوع نحو الحلول الناجعة قد غابت من كل الإستراتيجيات المعاصرة تلك المتحالفة ضد بعضها بعضا، إن لم تكن متحالفة ضد ذاتها أيضا لأنها لا تلتفت مطلقا نحو إعلاء قيم العدالة والإخاء والمعايشة والتسامح والمساواة والتعارف وغيرها من القيم البناءة التى كانت سبيلا للإصلاح والتقدم كلما اقتحمت حيز الواقع وباتت معادلا موضوعيا لشيوع النقائص والموبقات. ولقد جاءت إطلالة مؤتمر الشباب على العالم هذه المرة متوافقة تماما مع الزمن الاستراتيجى فى سياق الأحداث الجارية إذ يتم طرح أفكار وخواطر د. ميلاد حنا عبر كتابه (الأعمدة السبعة للشخصية المصرية) وما أفاض فيه من حديث عن الأطوار والخصائص التاريخية والطابع العام لها، منطلقا نحو كوامن واعماق تلك الشخصية والمرتكزات التى تقوم عليها. يأتى ذلك تذكيرا للعالم بذلك المارد الأزلى الذى حقق إعجازات وإعجازات واستطاع فى تحد ان تظل لشخصيته ثباتها وكينونتها وبريقها وشموخها دون أن تنال منها عوادى الزمن. إن استدعاء الأفكار الحية النابضة من أطروحات المفكرين المصريين الأفذاذ هى دعوة للعودة مجددا لما أبدعه جمال حمدان وزكى نجيب محمود وغيرهم وغيرهم من أؤلئك الذين أفاضوا على العقل العربى بل والعقل الانسانى بدلالات معرفية رائدة أكدت للشباب وبوجه أخص أن فاقدى الارادة هم أشقى البشر. لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبوالعلا